التجديد لرئيس مجلس الأمة يكرس احتفاظ النظام الجزائري بدعائمه التقليدية

أهمية منصب صالح قوجيل تكمن في كونه يعتبر الرجل الثاني في سلم الدولة وهو من تعود إليه صلاحية تسيير شؤون البلاد في حال أي فراغ رئاسي.
الخميس 2022/02/24
دفاع متواصل عن خيارات السلطة الجديدة في الجزائر

الجزائر - تتجه التوقعات داخل الغرفة الأولى للبرلمان الجزائري إلى أن منصب الرئيس يتراوح بين المنتهية ولايته صالح قوجيل، وبين الوافد الجديد دحو ولد قابلية، المعين ضمن ما يعرف بـ"الثلث الرئاسي" الواقع تحت الصلاحيات الدستورية التي يمنحها دستور البلاد لرئيس الجمهورية.

وتكمن أهمية المنصب في كون الدستور المذكور يصنفه في رتبة الرجل الثاني في سلم الدولة، وهو الذي تعود إليه صلاحية تسيير شؤون البلاد في حال أي فراغ رئاسي، ولذلك دأبت تقاليد السلطة الجزائرية على عدم المغامرة في هذا المجال، وترك المنصب محل مناورات ضيقة، لا مجال فيها للصدفة أو الحسابات الحزبية.

وتولى الرئيس الحالي للغرفة الأولى للبرلمان (مجلس الأمة) مهامه بعد استدعاء رئيسه السابق الراحل عبدالقادر بن صالح، لما استدعي لخلافة الرئيس المنتخب الراحل أيضا عبدالعزيز بوتفليقة بعد تنحيه عن السلطة في شهر أبريل 2019.

ورغم أن الإيعاز تم من طرف الرجل القوي في المؤسسة العسكرية حينها الجنرال الراحل أحمد قايد صالح لتعيين الوزير والبرلماني السابق والقيادي في حزب جبهة التحرير الوطني صالح قوجيل، إلا أن الرجل حافظ على منصبه، رغم الاستقطاب الحاد في هرم السلطة بين جناح قايد صالح وخصومه في المؤسسة العسكرية المهيمنة على مفاصل الدولة.

وظل الرجل منذ تزكيته العام 2020 كرئيس لمجلس الأمة، مرافعا ومدافعا على مسارات وخيارات السلطة الجديدة في البلاد، بقيادة الرئيس عبدالمجيد تبون، ولا يتوانى في الدفاع عما يصفه في كل مرة بـ"الإنجازات" المحققة، ويقصد بها الانتهاء من الاستحقاقات الانتخابية التي أبقت البلاد ضمن "الإطار الدستوري وفوتت على المناورين سيناريو المرحلة الانتقالية".

تعيين القيادي في ثورة التحرير دحو ولد قابلية لشغل منصب "سيناتور" أعطى الانطباع بأنه تتم تهيئته لرئاسة مجلس الأمة

لكن تعيين القيادي في ثورة التحرير والوزير في حقبة الاستقلال دحو ولد قابلية ضمن اللائحة الأخيرة، المعينة من طرف الرئيس تبون، لشغل منصب "سيناتور" ضمن الثلث الرئاسي، أعطى الانطباع لدى الكثير من المتابعين للشأن المحلي بأن الرجل تتم تهيئته لخلافة قوجيل في رئاسة مجلس الأمة.

وإذ يبقى السيناريو واردا، إلا أنه ليس قويا، لعدة اعتبارات، يأتي على رأسها أن الرجل محسوب على المرحلة البوتفليقية، حيث شغل منصب وزير داخلية خلال حقبته، كما أن تعفف المناضلة التاريخية الملهمة جميلة بوباشا تعيينها ضمن لائحة "السيناتورات" الجدد، أصاب الوجوه المخضرمة من أمثال ولد قابلية ونورالدين بن قرطبي بالحرج أمام الرأي العام، لأنهم جميعا يشتركون في الخلفية التاريخية، لكن رفض بوباشا للمنصب جعل النظرة تختلف إليهم، فمنهم من يكتفي بقضاء أيامه الأخيرة بعيدا عن أضواء المسؤولية، ومنهم من لا يزال لديه الطموح حتى وهو في أرذل العمر.

وارتبط مجلس الأمة في الجزائر بوصف "مجلس العواجيز"، لأن غالبية أعضائه وأهمهم مسؤوليه يتراوح سنهم بين 80 و90، وهو ما يتنافى مع خطاب التغيير والتجديد وتسليم المشعل للشباب، رغم أن التقاليد السياسية في مؤسسات مماثلة جرت على أن يكون هؤلاء مصدرا للخبرة والتجربة وإيجاد الحلول الرزينة، غير أن منطق تسيير الدولة القائم جعل المؤسسة (مجلس الأمة) ملحقة تابعة لرئاسة الجمهورية والسلطة عموما.

واستحدثت الهيئة المذكورة بموجب دستور 1996، ليكون غرفة برلمانية تخلق التوازن مع المجلس الشعبي الوطني، المفتوح عادة أمام القوى السياسية المعارضة، وقد تمر عبره قوانين لا تخدم خيارات السلطة، ولذلك جاء مجلس الأمة ليحد من السيناريوهات غير المرغوب فيها.

وكانت انتخابات التجديد النصفي، التي جرت خلال الأسابيع الماضية، قد أبقت على جبهة التحرير الوطني كحزب أغلبية، وجاءت بعده قوى الموالاة التقليدية، كما سمحت بمرور مقاعد محدودة جدا لجبهة القوى الاشتراكية المعارضة، وحركة مجتمع السلم الإخوانية، لكن ذلك لا يؤثر في مسار مشروعات القوانين أو التوجهات الكبرى للمجلس.

4