الذكاء الاصطناعي يحبّك: كائنات روبوتية تتلبّس بحياة البشر

كوميديا سينمائية عن سطوة التقنية وتغلغلها في حياة الإنسان.
الاثنين 2022/02/21
كل شيء حولنا يتحكم فينا

يوظف الإنسان الذكاء الاصطناعي في كل مكونات الحياة من حوله، ويسير ببطء نحو كسل محتم يجعله يعتمد على التقنية في كل أمره، متجاهلا خطر أن يصبح أسيرا للتكنولوجيا ومساوئها، هذا ما يعالجه فيلم “الذكاء الاصطناعي يحبّك” الذي يطرح أيضا فرضية تمرد الأشياء من حولنا وسيطرتها علينا مستغلة اعتماد الإنسان الكلي عليها.

لا شك أن حضور الذكاء الاصطناعي والتطورات الرقمية المتسارعة قد صاحبها كثير من الخيال الذي لا يخلو من الواقعية والذي يرتبط بمرحلة أساسية من مراحل نمو وتطور مستحدثات الذكاء الاصطناعي، ألا وهي التنافس مع البشر وصولا إلى تمرد الروبوتات وأنظمة الذكاء الاصطناعي على صانعيها.

شاهدنا أمثلة من أفلام الخيال العلمي وصولا إلى احتشاد الكائنات الآلية في جيش يخوض معركة ضد البشر.

أما في فيلم “الذكاء الاصطناعي يحبّك” للمخرجين ديفيد أسفانوند وستيفان زولتيسكو، فالأمر مختلف، سوف تكون البشرية قد قطعت شوطا بعيدا في تلك العلاقة الإشكالية من خلال تطور المدن والبيوت الذكية وتحولها إلى ركن أساسي في حياة البشر في المجتمعات الأكثر تطورا.

التحوّل في هذا الفيلم يكمن في تلبس الذكاء الاصطناعي الذي يحبّ لانا والمسمى ديوب ودخوله في داخل بوب البشري

لكننا إن كنا في أفلام أخرى قد شهدنا منافسة الكائنات الآلية وخروج الذكاء الاصطناعي عن السيطرة وتمرده على البشر فإن الأمر هنا سوف يكتسب طابعا كوميديا طريفا خلاصته السؤال: ماذا لو تلبّس الذكاء الاصطناعي البشر وسيطر على أفعالهم؟

هذه هي الفرضية التي يقدّمها هذا الفيلم من خلال ثلّة من الوجوه الشابة الذين سوف يتعرّضون لهذا التحول غير المتوقع.

ومحور الأحداث هي المصممة الإعلانية لانا (الممثلة بيمجانوك لويس) التي منذ البداية تلجأ إلى الذكاء الاصطناعي لكي ينقذها من مشكلة اختيار تصميم يعرض أمام لجنة صارمة ظلت تشكك في كفاءتها لكن الذكاء الاصطناعي يتمكن من التوصل إلى تصميم مستنبط من الأعمال السابقة لها وهو الذي سوف يقودها إلى النجاح الذي سوف تردّه إلى الذكاء الاصطناعي بموقف يترجمه هو إلى إحساس رومانسي.

هذه الفرضية الكوميدية سوف تقودنا إلى وقوع الذكاء الاصطناعي الذي اسمه دوب في غرام تلك الفتاة مما يتطلب الأمر معاقبته بإعادة برمجته من جديد وهو من أشد العقوبات التي تخشاها هذه الأنظمة الرقمية.

حتى المباني الذكية تتحاور في ما بينها وتتبادل المعلومات ولهذا تجدها متحالفة مع دوب في أزمته وتحاول إنقاذه بالتشويش على نظام هاوك الرقمي الذي يعيد برمجة الذكاء الاصطناعي برمته.

ولنعد مرة أخرى إلى لانا من خلال قصة حب تربطها مع بوب (الممثل ماريو مورير)، وهنا سوف نشهد صورة لعلاقات شبابية سوف تسود في زمن الذكاء الاصطناعي فالشاب يقابل الشابة بلا مبالاة، ولهذا يسخر منها قائلا “أظنك كنت تنتظرين باقة ورد وبساطا أحمر”، بمعنى إن هذه الأفعال أصبحت من الماضي، كما أنه

لن ينتظر قدوم صديقته ليتناولا طعام العشاء معا بل إنه يبدأ التهام الطعام دون اكتراث بقدومها وغيرها من المواقف الطريفة.

الذكاء الاصطناعي نفسه هو الذي سوف يجمع تفاصيل الطباع الشخصية والميول والدوافع العاطفية وهو الذي سوف يرشح شبابا من الممكن أن تتعرف عليهم لانا وسوف يحضرون أمامها وكل واحد منهم لديه من الطباع الشخصية ما هو أسوأ من الآخر.

على أن التحوّل في هذه الدراما الفيلمية يكمن في تلبس الذكاء الاصطناعي الذي يحب لانا والمسمى ديوب ودخوله في داخل بوب البشري وهي إشكالية أخرى إذ يبدأ بوب السيطرة على أفعاله لعدم معرفة الذكاء الاصطناعي كيف يتصرف.

Thumbnail

لهذا سوف يكون من الصعب تمييز ديوب الرقمي عن بوب البشري في هذه الدراما التي تفصح عنها لانا قائلة لديوب “يجب أن تعلم أن المشاعر التي في داخلك والتي تتحدث عنها ما هي إلا أرقام ورموز خوارزمية لا أكثر”.

ولغرض تعزيز المسار الفيلمي بالمزيد من المفارقات والتحولات الدرامية يتم بث العديد من الحبكات الفرعية أو الثانوية ومنها بروز هوك، يؤدي دوره المخرج نفسه دايفيد أسافانوند وهو الذي يسيطر على منظومة الذكاء الاصطناعي ولهذا يقرر معاقبة تلك الروبوتات والنظام الرقمي والذكاء الاصطناعي بإعادة برمجته من جديد.

ينتقل الفيلم مع هذا التحول إلى سلسلة من المواقف الطريفة والمفارقات الكوميدية ومشاهد المبارزة والعنف، الذي سوف يفضي بالنتيجة إلى نوع من المنافسة بين بوب وهاوك ودوب بينما تقف لانا على الجهة الأخرى.

ولكي يحقق المسار الفيلمي قدرا من التوازن المقنع فإن لانا تلجأ هي الأخرى إلى الاستفادة من النظام الرقمي والذكاء الاصطناعي وذلك من خلال تحميلها بالعديد من المهارات القتالية وذلك استعدادا لملاقاة هوك ولإنقاذ بوب الذي يكون مقيدا وقد تم ربطه بالأجهزة تمهيدا لبرمجته.

استخدم الفيلم من خلال تلك القصة السينمائية الممتعة والمغامرات الطريفة الكثير من جماليات الصورة والحركة والغرافيك والمؤثرات الصوتية والصورية لإقناعنا بأننا نعيش في المدينة التي سيطر عليها الذكاء الاصطناعي وأضعفت دور البشر.

الحاصل أننا في هذا الفيلم السينمائي أمام شكل جمالي يعرض من وجهتي نظر بشرية وغير بشرية ما يمكن أن يكون عليه شكل وطبيعة الحياة في ظل سطوة الذكاء الاصطناعي وتغلغله في مفاصل الحياة، وهنا يتحول حتى البشر إلى أشكال شبه روبوتية أنيقة وشابة والمدن الذكية ليست إلا سلاسل طويلة من العمارات الشاهقة التي يتوارى فيها الحس البشري ويكون فيها الإنسان مجرد كائن كسول يسهر الذكاء الاصطناعي على خدمته وإطعامه وصولا إلى المرحلة التي يسود فيها ولربما يتمرّد على البشر.

14