استراتيجية الغرب لمكافحة الإرهاب تتعرض لنكسة جديدة في مالي

القضاء على قادة التطرّف لا تعني كسب الحرب ضد الجهاديين.
الجمعة 2022/02/18
رحيل بعد تسع سنوات

تعرضت الاستراتيجية الغربية لمكافحة الإرهاب إلى نكسة جديدة في مالي بعد أن خسرت الولايات المتحدة حربها الطويلة ضد طالبان في أفغانستان، وهو ما يسلط الضوء على قصور الاستراتيجيات الغربية في مواجهة الجهاديين.

باريس - يعكس انسحاب الجيش الفرنسي من مالي بعد مكافحة الحركات الجهادية مدة تسع سنوات، حدودا استراتيجية اعتمدتها الدول الغربية في أنحاء أخرى من العالم لاسيما في أفغانستان وتقوم على ترجيح الرد العسكري على ظاهرة أعمق بذلك بكثير.

وكثيرة هي الأمور التي تميز مغادرة الأميركيين الفوضوية من كابول في أغسطس الماضي عن الانسحاب الفرنسي من مالي المعلن الخميس. لكن رغم ذلك تستخلص دروس من النقاط المشتركة بينهما.

ويقول كولن كلارك مدير الأبحاث في مركز صوفان ومقره في نيويورك “فشل فرنسا في مالي شبيه جدا بإخفاقات غربية أخرى في إطار مكافحة الإرهاب. وأفغانستان هي المثال الأحدث لأن الانسحاب تم قبل أن يحقق أيّ من البلدين أهدافه. ففي كلا الحالتين تم ذلك على حساب الأمن ما سيؤدي على الأرجح إلى نمو الجماعات الجهادية”.

وفي الحالتين، برز الفشل الواضح للمحاولات الغربية في إنشاء مؤسسات سيادية محلية تتمتع بالشرعية والقدرة على الصمود، من جيش وإدارات وحكومة.

كولن كلارك: فشل فرنسا في مالي شبيه بإخفاق واشنطن في أفغانستان

وفي الساحل، حققت عمليات الجيش الفرنسي ضد جهاديين مرتبطين بتنظيم القاعدة أو تنظيم الدولة الإسلامية نتائج واضحة لاسيما على صعيد لجم قدرتهم على التوسع. لكن لم تعقب هذه النتائج إعادة سيطرة الدول الأفريقية سياسيا على هذه الأراضي، في منطقة كبيرة جدا مقارنة بعديد القوات المنتشرة.

ونجحت قوة برخان في جعل الجهاديين يتراجعون كثيرا وفككت شبكات وقضت على عقول مدبرة أو قادة على الأرض. لكن في مالي كما في أفغانستان والصومال وسوريا “تخفي عمليات التمشيط والتأمين، التي يُسارع إلى اعتبارها نجاحا عسكريا، في غالب الأحيان بذور نزاعات جديدة مقبلة أكثر تشعبا وتعقيدا” على ما يرى باكاري سامبه مدير معهد تمبكتو في دكار.

ويضيف سامبه “يبدو أن الشركاء الدوليين يفضلون مكافحة الإرهاب الكلاسيكية لكنها تكتفي بمعالجة أعراض آفة باتت أعمق. وتقف عاجزة أمام جذور هذه الآفة”، ذاكرا خصوصا “الفقر وسوء التنمية وسوء الحوكمة والظلم”.

وتقارن الباحثة إميلي إستيل بين مالي وأفغانستان. وتؤكد “لن يكون النصر العسكري كافيا للقضاء على التمرد عندما تتواصل آفات مثل الفساد وتجاوزات القوى الأمنية”.

ومرة جديدة، يترك جيش غربي حديث، الأرض أمام عدو متعدد الأشكال قادر على الانبعاث مجددا من خلال تجديد عناصره، وعلى تجييش مشاعر كره الغرب عبر وسائل التواصل الاجتماعي وطرح حلول بديلة للإدارة المحلية المتهاوية.

ويرى خبراء كثر أنه كان ينبغي على الجيش الفرنسي الانسحاب اعتبارا من 2014 إثر انتهاء عملية سرفال الناجحة.

ويقول آلان أنتيل الخبير في شؤون منطقة الساحل “نعرف منذ أفغانستان أن عملية خارجية مع قوات غربية كثيرة على الأرض لا يمكن أن تدوم إلى ما لا نهاية”، مشددا على أن “للعمليات الضخمة مع عناصر كثر وانتشار كبير على الأرض والكثير من البروز السياسي، حدودا”.

وفي الواقع يستلهم الجهاديون أنفسهم من الشبه بين وضعي مالي وأفغانستان. فقد كرست سيطرة حركة طالبان على السلطة في أغسطس، بعد عشرين عاما على قيام الأميركيين بطردها منها، هذا النهج.

Thumbnail

وترى إستيل أن “الجهاديين السلفيين في مالي تعلموا من نهج طالبان. ويدعم انتصارهم استراتيجية الجامعات الأخرى القائمة على التحلي بالصبر وتقويض الحكومة المحلية والقوات العسكرية الأجنبية”.

وتبحث جهود مكافحة الإرهاب اليوم عن صيغة جديدة. وحاولت فرنسا أن تشارك العبء من خلال قوة تاكوبا الأوروبية الخاصة التي يفترض أن تحيط بالجيش المالي في العمليات القتالية. لكن خارج مالي، ينبغي أن تجد نهجا جديدا.

ويقول توره هامينغ الباحث في قسم دراسات الحرب في جامعة كينغز كوليدج في لندن إن الرئيس الأميركي جو بايدن أعلن بالنسبة إلى أفغانستان “نهجا يعرف باسم (من دون وجود على الأرض، بل الاكتفاء بقصف جوي) وهذا ما تفعله الولايات المتحدة في دول أخرى إلى حدّ ما مثل اليمن والصومال منذ سنوات. وقرار باريس الانتقال من برخان إلى تاكوبا يستند عموما إلى المنطق نفسه”.

ويضيف أن الفكرة تقوم على “تكريس موارد أقل وخفض المخاطر”، مؤكدا أن هذه الاستراتيجية قد تسمح بالقضاء على قائد جهادي ما “لكنها ليست استراتيجية لكسب الحرب ضد الجهاديين”.

وتنشط القوات الفرنسية منذ 2013 في مالي، حيث تدخلت لطرد المتطرفين الإسلاميين من السلطة، لكن المتمردين أعادوا تجميع صفوفهم في الصحراء وبدأوا مهاجمة الجيش المالي وحلفائه.

وتصاعد التوتر في الأسابيع الأخيرة بين البلدين، حيث انتقدت الحكومة المالية فرنسا ووصفتها بـ”القوة الاستعمارية” وطالبتها بالتخلص من “سلوكها الاستعماري” وطردت سفير باريس ردا على تصريحات لوزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان، قال فيها إن السلطة العسكرية في مالي “خارجة عن السيطرة وغير شرعية”.

وفي يونيو الماضي، قرر الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون إنهاء عملية برخان في منطقة الساحل، وتقليص عدد قوات بلاده من 5100 عسكري إلى ما بين 2500 و3 آلاف عنصر، بالإضافة إلى الانسحاب تماما من مدن تيساليت وكيدال وتومبوكتو.

5