كيف تحول تقديم محجبة لنشرة الأخبار في التلفزيون الجزائري إلى "فتح مبين"

صنعت إعلامية مـحجبة الحدث عبر مواقع التواصل الاجتماعي بعد تقديمها نشرة الأخبار الرئيسية على التلفزيون الجزائري. وأثار الاحتفاء المبالغ فيه جدلا واسعا خاصة أن أغلبية النساء في الجزائر مـحجبات باختيار أو دونه في ظل تغلغل التيارات المتطرفة في البلد.
الجزائر- أثار ظهور أول مذيعة مـحجبة في نشرة الأخبار الرئيسية بالتلفزيون الرسمي الجزائري خلال الأيام القليلة الماضية احتفاء كبيرا على مواقع التواصل الاجتماعي وفي بعض منصات الإعلام العربية.
ولأول مرة منذ نصف قرن ظهرت المذيعة المحجبة نجوى جدي على التلفزيون الرسمي لإلقاء نشرة الأخبار، وبذلك يتم الإعلان رسميا عن نهاية الحظر غير المعلن على الحجاب في التلفزيون الجزائري.
ومنذ الاستقلال استمر التلفزيون الجزائري في سياسة منع ظهور الصحافيات المحجبات على مختلف قنواته، بالرغم من عدم وجود أيّ قوانين تنظيمية صريحة تنص على ذلك، وهو الأمر الذي عزاه البعض إلى قناعات شخصية، وقرارات ارتجالية صادرة عن المسؤولين المتعاقبين على إدارة التلفزيون الجزائري وتسييره منذ الاستقلال.
وسبق أن اتهم نشطاء جزائريون التلفزيون الجزائري بتعمد منع المذيعات المحجبات من تقديم نشرات الأخبار.

◙ نعيمة ماجر أول مذيعة يطالها المنع بعد ارتدائها الحجاب
وجاء الاتهام بعدما تردد عام 2012 أن التلفزيون منع إحدى مذيعاته من استئناف عملها بتقديم النشرة الإخبارية بعد عودة الأخيرة من رحلة الحج وقرارها بارتداء الحجاب.
وكانت الصحافية نصيرة مزهود، تعمل في التلفزيون العمومي منذ أكثر من عقدين، التزمت بالحجاب بعد عودتها من الحج، غير أنها قوبلت بقرار منعها من تقديم نشرة الأخبار الرئيسية عند عودتها لمباشرة عملها من جديد. وتربعت نصيرة مزهود، لسنوات طويلة، على عرش النشرة الرئيسية للتلفزيون الجزائري التي تبث في الساعة الثامنة بالتوقيت المحلي، كما أنها تقدم برنامجا سياسيا على شاشة التلفزيون الرسمي. لكن مصادر من داخل التلفزيون نفت أن يكون لمنع مزهود من تقديم الأخبار علاقة بتحجّبها، وأكدت أن للأمر علاقة بخلاف مهني عميق بين المذيعة ومسؤولها المباشر، وتردد أن هذا المدير منع المعنية من تقديم الأخبار لأسبوع قبل سفرها إلى البقاع المقدسة.
وكانت نعيمة ماجر، شقيقة نجم كرة القدم الجزائري الشهير رابح ماجر، أول مذيعة يطالها المنع بعد ارتدائها الحجاب.
وفي تصريحات صحافية سابقة قالت نعيمة ماجر، والتي تعمل حاليا في قسم البرامج العربية بالتلفزيون، إن التلفزيون الجزائري ينتج كفاءات رهيبة “لكنها في الأخير تهجر الوطن نحو فضائيات عربية بحثا عن مناخ حرّ لا يمارس فيه الإقصاء أم التهميش تحت أيّ مسمّى وتسعى نحو فضاء أوسع، فضلا عن المزايا الأخرى التي ستظفر بها، وهي الشهرة والمال”.
وتبقى قناة القرآن الكريم التي تملكها الحكومة، هي القناة الرسمية الوحيدة التي تسمح لمذيعاتها بالظهور بالحجاب.
يذكر أن صحيفة الشروق الجزائرية نقلت عن مصدر من داخل التلفزيون الجزائري الرسمي أن نجوى جدي بالفعل أول صحافية مـحجبة تقوم بتقديم نشرة أخبار رئيسية. وأضاف أنه منذ الحراك تم السماح للمحجبات بتقديم البرامج. وقال الكاتب المعروف بدفاعه عن الإخوان ياسر الزعاترة:
وهو موقف رسمي سلبي من التديّن، تبعا لدلالاته السياسية، ولا شيء آخر.
واستغرب متابعون التناقضات التي تعتري المشهد الجزائري إذ تقود جزائريات حملات إلكترونية ضد الحجاب الذي يرغمن على لباسه قسريا في إشارات إلى تحولات اجتماعية عميقة تقودها تيارات متطرفة. وتحتل النساء في المجال الرمزي للدولة مكانة محورية، فتتمكن هذه الدولة من تصدير هوية اجتماعية وثقافية عبر السيطرة على ملابس النساء.
ويعد الحديث عن الحجاب في المجتمع الجزائري المحافظ أمراً شائعاً. وخلصت دراسة إلى أن الحجاب منتشر بمعدلات مرتفعة لأسباب اجتماعية وليست دينية، مشيرةً إلى تراجع اللباس التقليدي مثل الحايك لصالح لباس وفد على الجزائر من المشرق العربي. والمثير، أنه في ذات الوقت، تواجه المحجبات في الجزائر حظراً غير رسمي من ممارسة بعض الوظائف أو العمل في بعض قطاعات مرتبطة بتمثيل البلد أو التعامل مع الأجانب.
وفي يناير2019 سجلت السلطات الأمنية الجزائرية 10 حالات انتحار لفتيات باستخدام “الخمار” (الحجاب) الذي يرتدينه في عدد من الولايات دون رابط بينهن. واعتبر معلقون أن انتحارهن رسالة عن معاناتهن بسبب إجبارهن على ارتداء الحجاب. وقال مقدم البرامج أحمد سمير على قناة مكملين الإخوانية:
وتعتمد التيارات المتشددة في الجزائر نظرية الصبر الاستراتيجي القائمة على “مقاومة النفس الطويل” وذلك من خلال تغييرات عميقة في المجتمع الجزائري. ويلفت معلقون على مواقع التواصل الاجتماعي إلى العودة الناعمة للحجاب والجلباب كظاهرة اجتماعية ودينية، عبر تغلغل بعض التيارات الدينية المتشددة كالتيار السلفي، الذي يعتبر الجلباب والحجاب هو صلب التدين، وكل المنتسبات للتيار ملزمات بارتدائه مهما كانت قناعاتهن السابقة.
يذكر أن عدد من النشطاء والناشطات الجزائريات أطلقوا قبل فترة هاشتاغ #سجينات_الحجاب_في_الجزائر على تويتر بهدف التوعية بالأضرار النفسية والاجتماعية التي تترتب عن إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب، ما أثار جدلاً ونقاشاً واسعين.
وتربع الهاشتاغ على قائمة الأكثر تداولاً في الجزائر، ولفت مطلقوه إلى أن هدفهم هو توعية الجزائريين بمخاطر إجبار الفتيات على ارتداء الحجاب في سن مبكر. ولفت معلقون إلى أنهم لا يناقشون فرضية ارتداء الحجاب من عدمها، ولا يهاجمون الحجاب بأيّ حال مشددين على أن هدفهم هو الدفاع عن حق المرأة وحريتها في التحكم في جسمها واتخاذ قراراتها وهي ناضجة.
واعتبرت مغردات الحجاب أحدَ أشكال التمييز ضد المرأة، واعتبرته أخريات “قمعاً” لحريتهن سبّب لهن الاضطرابات النفسية. ورددن عبارات مثل “الحجاب لا يمثلنا” و”لا تقتلوا الطفولة”، وأشرن إلى أن “الإجبار على الفضيلة لا يخلق مجتمعاً فاضلاً بل منافقاً” مهددين بأن “الضغط الذي تتعرض له الفتيات سيقودهن إلى الثورة والانفجار الحتمي ذات يوم”. وقوبلت الحملة بهيستيريا كبيرة من الإسلاميين في الجزائر وصلت حد تكفير مطلقاتها.