جديد الفاشونيستات في تونس: بث مباشر لـ"حرقة" على تيك توك

حرقة الفاشيونيستات تتنامى وتلهم متابعيهن على مواقع التواصل الاجتماعي.
الأربعاء 2022/02/16
حرقة يحلم بها الشباب

تونس- على متن قارب خشبي وسط بحر أزرق عميق، وثقت الفاشونيستا التونسية شيماء بن محمود عملية هجرتها غير النظامية، أو “الحرقة” كما تسمّى في تونس، في إشارة إلى “حرق” الحدود المجازي، وإتلاف الوثائق الشخصية قبل القيام بعملية العبور.

ونشرت شيماء (21 عامًا) مقطع فيديو على تيك توك حيث تظهر وهي تلوّح أثناء عبورها من تونس إلى إيطاليا، بتكلفة 1560 دولارا، مع خطيبها.

وتظهر شيماء في مقطع آخر وهي تبتسم مع 23 مهاجراً آخرين، بينما كانت ترقص على موسيقى الراب في رحلة تبدو خالية من الهموم عبر البحر الأبيض المتوسط.

وزعمت شيماء، التي لديها ما يقرب من 140 ألف متابع على تيك توك، أنها “أُجبرت” على القيام برحلة تمتد على 188 كيلومترا، لأنها كانت تجني 120 دولارا فقط شهرياً من تصفيف الشعر في تونس.

الهجرة

وكانت صبا السعيدي (18 عامًا) قد نشرت قبلها صورا ومقاطع فيديو مماثلة وثّقت حرقتها هي الأخرى. وظهرت تضع أحمر شفاه وردي فاتح، وهي تجلس على طرف قارب خشبي متهالك أثناء الرحلة، حيث هبطت كلاهما في لامبيدوزا بإيطاليا، ثم سافرتا حول المدن الأوروبية.

وأثارت الفتاتان جدلاً واسعا إثر منشوراتهما عن الحرقة، حيث تم انتقادهما بسبب محاولة “تطبيع” رحلة تودي بحياة الآلاف كل عام. وحصدت الصور ومقاطع الفيديو الخاصة برحلة الفتاتين مئات الآلاف من الإعجابات والمشاركات.

ويعتبر معلقون أن الحرقة لم تعد مقتصرة على الفقراء، إذ أصبحت أمل الشباب من جميع الشرائح الاجتماعية والفئات العمرية. وبات الحراقة (المهاجرون غير النظاميين) ينشرون مقاطع فيديو توثق رحلاتهم إلى إيطاليا تحت شعار “خلينالكم تونس روما ترحّب بنا”.

وفي الأسابيع التي تلت وصول الفتاتين إلى أوروبا نشرتا صورا لهما إلى جانب برج إيفل في فرنسا ووثقتا رحلاتهما في التسوق وركوبهما سيارات بي.إم.دبليو

وحصلت صورة السعيدي وهي تركب دراجة بخارية كهربائية في قرية لو بوي نوتردام الفرنسية التاريخية على ما يقرب من 6000 إعجاب، في حين حصلت صورة بن محمود أسفل برج إيفل على 8000 إعجاب.

ويدفع للفتاتين لقاء ترويجهما لمنتجات بعض شركات التجميل المحلية على وسائل التواصل، إلا أنه من غير الواضح ما إذا كانتا تكسبان المال من منشوراتهما في إيطاليا وفرنسا.

ويقول خبراء إن ما تفعلانه له تأثير كبير في تونس. ويحذر الخبراء من أن السعيدي وبن محمود – من المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي في تونس، مع ما يقرب من مليوني متابع على تيك توك وانستغرام – يمكن أن تلهما الآخرين للقيام بالحرقة.

وقال مات هربرت مدير الأبحاث في المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية “إن وسائل التواصل الاجتماعي تطرح رؤية غير دقيقة عن أوروبا”.

وأضاف “في الماضي، كان الدافع وراء الهجرة هو المغتربون العائدون إلى الوطن في الصيف. ويرى الناس أبناء عمومتهم يرتدون ملابس جديدة باهظة الثمن ويطمحون إلى أن يكونوا مثلهم”. وتابع هربرت “مع وسائل التواصل الاجتماعي، يكون الأمر أمامك دائما ويسهل وصول الجميع إليه”.

ويقول الباحث في علم النفس وائل القرناوي، إن هذا الأمل يعتمد إلى حد كبير على “كذبة الهجرة”، وهي ظاهرة كثفتها وسائل التواصل الاجتماعي. وبحسب القرناوي، يرى الناس الآخرين يذهبون إلى أوروبا ويلاحظون نجاحهم. يعتقدون أنه بمجرد وصولهم إلى أوروبا، يمكنهم بسهولة الحصول على أوراق الإقامة والعمل والمال. وغالبًا ما يكون الواقع مختلفًا تمامًا، إذ أظهرت بيانات عام 2020 من المفوضية الأوروبية أن معدل البطالة بين السكان من خارج الاتحاد الأوروبي كان قرابة 14 في المئة، مقارنة بحوالي 6 في المائة للسكان المولودين في البلاد.

الهجرة

وأضاف القرناوي “لذا كان أول ما يفعله الواصلون إلى أروبا الذهاب إلى برج إيفل والتقاط صور سيلفي بقميص لاكوست في سيارات باهظة الثمن”. ويتابع “يقولون لعائلاتهم في الوطن إن كل شيء يسير على ما يرام. إذا قالوا عكس ذلك، فسوف يسخر منهم الجميع ويضعونهم في مقارنة مع أشخاص آخرين”.

وتعد تونس إحدى نقاط الانطلاق الرئيسية للمهاجرين الذين ينطلقون من شمال أفريقيا إلى أوروبا، حيث ينضم الآلاف من التونسيين إلى أولئك الذين يقومون بالرحلة من أماكن أخرى في أفريقيا والشرق الأوسط كل عام.

وفي عام 2021، اعترضت السلطات أكثر من 23 ألف مهاجر حاولوا مغادرة الشواطئ التونسية. وهذا الرقم أعلى بشكل صارخ مما كان عليه في عام 2019، عندما تم اعتراض حوالي 5000 شخص.

وقالت بن محمود، أثناء خضوعها للحجر الصحي لمدة أسبوعين في مركز احتجاز في إيطاليا، إنها تتفهم مخاطر الرحلة التي قامت بها في ديسمبر الماضي، لكن الصعوبات المالية وعدم قدرتها على الحصول على تأشيرة “أجبرتها” على “الحرقة”.

وكانت بن محمود قد دفعت 1560 دولارًا، للحصول على مكان في القارب مع 23 آخرين، وعلى الرغم من ابتساماتها في المنشورات، وصفت الرحلة بـ”المرعبة”، مشيرة إلى لحظات اهتز فيها القارب بعنف. وقالت “كنت خائفة للغاية، رأيت الموت أمامي مباشرة، كان الخوف غير عادي، كان البحر مضطربًا حقًا وكان هناك الكثير من الأمواج العالية”، مضيفة “صلينا في القارب وأعددنا أنفسنا للموت، عندما أخبرونا أننا وصلنا إلى المياه الإيطالية، لم نصدق ذلك”. ومع ذلك، تقول بن محمود إنها كانت مستعدة للمخاطرة بالموت من أجل فرصة حياة أفضل، وتتابع “لديّ الكثير من الأصدقاء ‘حرقوا’ ووجدوا فرصًا في أوروبا، لقد وضعوا الأمل في قلبي في أن هناك عملا، وأن هناك الكثير من المال”، مضيفة “أريد أن أغيّر حياتي كما فعلوا”.

16