الدراما السورية تبحث عن استعادة ريادتها عربيا

أحمد الخضر: الارتقاء بالمستوى المحلي يضمن الامتداد العربي.
السبت 2022/02/12
لا مهرب من مخلفات الحرب

لم تكن الدراما السورية خلال العقد الماضي في منأى عن الحرب وتداعياتها، بل كانت أحد أبرز القطاعات وأشدها تأثرا بالأزمة السياسية التي هجّرت عددا لا بأس به من الفنانين السوريين وغيرت شكل المسلسلات ومواضيعها وتحكمت حتى في مدى انتشارها، فقلّ المنتج السوري محليا وتراجع عن تصدره الإنتاج الدرامي العربي بعد عقود من الهيمنة.

دمشق – بعد تفوقها محليا وعربيا واحتلالها شاشات التلفزيون العربية وحلول اللهجة السورية ضيفا على معظم بيوت العالم العربي، اندلعت الحرب فطالت ألسنتها القطاع الدرامي وحولته إلى صناعة تجارية هشة وسط غياب أغلب مقومات نجاحها وفي مقدمتها القوة البشرية التي اختارت الهجرة سبيلا للاستمرار والحفاظ على المكانة الفنية.

كما جعلت الأوضاع الأمنية وندرة توفر مواقع التصوير الآمنة وتدني الأجور وأسباب أخرى عديدة من إنتاج المسلسلات السورية أكثر صعوبة.

ويكاد يجمع أغلب الاختصاصيين وحتى المشاهدين العرب على تراجع مستوى الدراما السورية وحضورها عربيا وفقدانها بريق تفوقها السابق، وهو ما يدفع نجوما كبارا من الوسط الفني السوري إلى المطالبة من حين إلى آخر بضرورة إنقاذ الدراما السورية.

وبدأت المؤسسة العامة للإنتاج الاذاعي والتلفزيوني التي تأسست منذ عشر سنوات، تسعى للارتقاء بمستوى الإنتاج الفني وتحويل الدراما السورية إلى صناعة دائمة التطور لتكون رائدة على مستوى الوطن العربي من حيث النص والإخراج ولاسيما بعد الصعوبات التي اعترضت طريقها خلال الحصار الذي فرض على أعمال الدراما في إطار الحرب على سوريا.

"الفرسان الثلاثة" أول أعمال المؤسسة العامة للإنتاج الاذاعي والتلفزيوني ضمن خطتها الجديدة للنهوض بالدراما السورية

وقدمت مؤسسة الإنتاج منذ انطلاقتها الأولى أعمالا على مستوى الوطن العربي وليس على الصعيد المحلي فقد تناولت قضايا قومية وإنسانية لاقت انتشاراً كبيراً محلياً وعربياً وتميّزت بأعمال نوعية من حيث المضمون والإخراج إضافة إلى إنتاجها أفلاماً سينمائية قصيرة تشجع المواهب الفنية الإبداعية الشابة.

وبيّن مدير المؤسسة أحمد الخضر أنها كانت وما زالت بيت الفنانين السوريين الذي احتضن إبداعاتهم وحمل الدراما السورية إلى فضاءات عربية إلا أن هذا الانتشار أوقفه الحصار الذي تعرضت له كغيرها من الفنون جراء الحرب على سوريا، ورغم ذلك لم يتوقف إنتاجها وبقيت مؤثرة باعتبار أن صوت الدراما السورية عال جدا ولا يستطيع أحد أن يخفيه.

وأثّرت الصعوبات التي واجهتها المؤسسة خلال فترة الحرب على مستوييها التقني والفني حيث تراجع التفوق التقني الذي كانت تمتلكه جراء عدم القدرة على تأمين كاميرات وأجهزة جديدة بسبب الحصار على سوريا إضافة إلى ارتفاع أجور الفنانين وهجرة العديد من التقنيين والفنيين السوريين لكنها رغم ذلك ظلت مواظبة على العمل.

وكان من عوامل استمرار المؤسسة إخلاص أغلب الفنانين السوريين لهذا الصرح لإيمانهم بمشروع المؤسسة الثقافي والفكري وفق وصف الخضر.

ورأى الخضر وهو مخرج الفيلم القصير “وفاء” أنه من الضروري الآن العمل على المنافسة بالمستوى المحلي الذي هو هدف المؤسسة المرحلي، لأن العمل الذي ينجح في الداخل السوري سيكون له امتداد للوطن العربي بينما العكس غير صحيح، على حد قوله.

وحول خطة المؤسسة لهذا العام بين الخضر أن مسلسل “الفرسان الثلاثة” هو أول أعمالها للعام الحالي ضمن خطتها الجديدة ليدخل في السباق الرمضاني، فهو عمل سوري بامتياز ويسلط الضوء على واقع الحياة في سوريا ضمن قالب كوميدي هادف ومشوق من إخراج الشاب علي المؤذن.

والمسلسل الذي كتبه محمود الجعفوري سيعيد الفنان أيمن زيدان إلى الكوميديا، “ملعبه” الذي نجح فيه في التسعينات، وسيجمعه بالممثلة شكران مرتجى التي حققت بصحبته نجاحاً كبيراً لاسيما في مسلسل “جميل وهنا”.

وتسعى المؤسسة في خطتها لتبني مواهب الجيل الجديد من الشباب السوريين على المستويين الفني والتقني وإعطائهم فرصا يستحقونها لما يملكون من كفاءات مهمة محليا وعربيا حسب الخضر.

وأدى انحسار الدراما السورية إلى ظهور ملامح لدراما جديدة مختلفة عن السابق، فقد برزت ظاهرة الأعمال المشتركة، التي وجدت في لبنان تربة خصبة في البداية نتيجة التقارب الجغرافي بين البلدين، ثم سرعان ما انتقلت “موضة” الدراما المشتركة إلى دول أخرى من بينها مصر، وبدء العمل في إنتاج مسلسلات اعتمدت في أغلبيتها على الكوادر السورية في الإنتاج الدرامي من ممثلين وكتاب وحتى مخرجين وتقنيين.

Thumbnail

لكن ومع ازياد نسبة انتشار الأعمال المشتركة، بدأت تنحسر المشاركات السورية في هذه الأعمال ليتم الاعتماد على وجود فردي لأحد النجوم السوريين كبطل في المسلسل يكون عاملا رئيسيا في عملية تسويق المنتج الدرامي، حتى أن البعض من الفنانين والنقاد وصفوا هذا التيار الفني الجديد بـ”حرب” فنية على الدراما السورية أخرجت ممثلين موهوبين من قالب الإبداع الفني إلى تأدية أدوار تجارية مستهلكة.

وتركز المؤسسة العامة للإنتاج الإذاعي والتلفزيوني في خطتها وفق الخضر على دراما “العشاريات” و”الخماسيات” التي تلقى رواجاً كبيراً لدى الجمهور بشرط أن تتناول الواقع السوري وهمومه التي ابتعدت عنها الدراما في الفترة الأخيرة فاقتصرت على أعمال تتصل بالبيئة الشامية ومناطق العشوائيات، مشيرا إلى ضرورة الحفاظ على نوعية المحتوى المقدم في الدراما السورية التي لا تسيء إلى المجتمع السوري.

أما عن الشراكة مع القطاع الخاص، فيرى الخضر أن المؤسسة تشكّل فريقا واحدا مع الشركات الخاصة بهدف صنع دراما متميزة للمشاهدين السوري والعربي، إضافة إلى الاستفادة من إمكانية القطاعين للنهوض بالدراما وتجديد قدرتها على استعادة الوجود المحلي والعربي ومنافسة الأعمال الضخمة التي يتم إنتاجها واصفاً هذه الحالة بالمنافسة الشريفة التي تدفعنا للإنتاج الأفضل.

المؤسسة تسعى لتبني مواهب الجيل الجديد من الشباب السوريين على المستويين الفني والتقني وإعطائهم فرصا يستحقونها محليا وعربيا

وتفيد أرقام الهيئات الرسمية في القطاع الدرامي بسوريا أن الدراما السوريّة لم تتراجع من حيث الكم بل إنها تطورت، واستطاعت الاستمرار خلال سنوات الحرب وإن كان تطورا غير ملحوظ ولم يحقق انتشاره العربي، ففي الفترة الممتدة من العام 2011 إلى العام 2019، تم تقديم 234 مسلسلا من بينها 203 من إنتاج سوري بالكامل و31 مسلسلا من إنتاج عربي بمشاركة سوريّة.

وكانت الأعمال الاجتماعية الأكثر حضوراً، تبعتها الأعمال الكوميدية، أمّا أعمال السيرة الذاتية والرعب فلم تتجاوز العملين فقط. كما فرضت الأزمة السورية نفسها كمضمون وجزء من الحالة الدرامية، ومن أصل الـ234 مسلسلا قدمت سوريا 43 عملاً يتناول الحرب وتداعياتها سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر.

ومن بين أبرز تلك الأعمال مسلسل “الندم” الذي عرض في العام 2016 للمخرج السوري الشهير الليث حجو وفيه تناول تفاصيل الحياة في سوريا خلال الحرب على لسان كاتب تلفزيوني. وأخرج حجو المسلسل الكوميدي “ضبوا الشناتي” والذي وظف فيه الكوميديا السوداء للتعبير عن مشكلات الحرب بعمق أكبر.

وعن قلة الأعمال الكوميدية لفت مخرج فيلم “أرواح” إلى أن السبب في ذلك يعود إلى النصوص التي قدمت حيث لم تكن بالمستوى المطلوب لأن كتابة الكوميديا تحتاج إلى دقة وجهد كبيرين وهنالك شعرة تفصل بين الكوميدي والهزلي.

وفتحت المؤسسة أبوابها لاستقبال أفكار جديدة لجميع الأنماط الدرامية من كوميدي وتشويق وبوليسي وميلودراما وتراجيديا وفنتازيا وغيرها لكل المهتمين في مجال الكتابة للدراما التلفزيونية في مسعى جدي منها لإيجاد آلية جديدة لتسويق أعمالها وإيجاد قنوات لنشرها.

14