استدارة أوروبية متأخرة لأفريقيا في مواجهة تغلغل الصين

المفوضية الأوروبية تكشف عن خطة استثمار بقيمة 150 مليار يورو لأفريقيا.
الجمعة 2022/02/11
التنمية في أفريقيا أصبحت رهان الجميع

بإعلانها عن خطة استثمار في أفريقيا بقيمة 150 مليار دولار، تسعى أوروبا إلى التخلي عن التعامل مع دول القارة السمراء وفق المقاربات الأمنية التي أضعفت حضورها عوض تعزيزه في المنطقة لصالح خصومها التقليديين الصين وروسيا.

دكار (السنغال) - يعكس إعلان رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لايين الخميس في العاصمة السنغالية داكار عن خطة استثمار بأكثر من 150 مليار يورو (171 مليار دولار) لأفريقيا، إقرارا أوروبيا بفشل المقاربة الأمنية التي اتبعتها هذه الدول في القارة السمراء، حيث يتنامى التأييد للخصمين الصيني والروسي على حسابها.

ويرى محللون أن أوروبا فشلت في تأمين موطئ قدم لها في القارة التي تكتنز إمكانيات اقتصادية واستثمارية ضخمة لحساب الصين أكبر المستفيدين الاقتصاديين والروس العائدين بقوة إلى المنطقة.

ويشير هؤلاء إلى أن الاستدارة الأوروبية لتعزيز منوال التنمية في أفريقيا ولو كانت متأخرة، خطوة مهمة لدعم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بتلك الدول بدل حصر التعاون مع الحكومات الأفريقية في مواجهة الحركات الجهادية، ما يخدم مصالح الخصوم التقليديين الاقتصادية وبالتالي تمكينهم من التأثير على القرارات السياسية في المنطقة.

وهذه أول خطة إقليمية في إطار مبادرة الاتحاد الأوروبي "البوابة العالمية" والتي تهدف إلى تحريك استثمارات تصل إلى 300 مليار يورو (340 مليار دولار) للبنية التحتية العامة والخاصة في أنحاء العالم بحلول 2027.

والخطة التي تعتبر ردا على مبادرة الحزام والطريق الصينية ستركز على استثمارات القطاع الخاص بالإضافة إلى التمويل من مؤسسات الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء.

الاستثمارات الصينية في الدول الأفريقية أكبر بكثير من استثمارات الحكومات الأخرى وبنوك التنمية متعددة الأطراف

وقالت فون دير لايين الخميس إنها "فخورة" بالإعلان عن خطة استثمار بأكثر من 150 مليار يورو لأفريقيا. غير أنها لم تعرض تفاصيل بشأن كيفية جمع الأموال أو إنفاقها.

وكانت فون دير لايين قد وصلت إلى السنغال في غرب أفريقيا، الأربعاء للتحضير لقمة بين الاتحاد الأوروبي والاتحاد الأفريقي يومي السابع عشر والثامن عشر من فبراير الجاري.

وأكدت فون دير لايين أنه "خلال القمة ستكون الاستثمارات في صلب النقاشات لأنها وسيلة لطموحنا المشترك". وأضافت "في هذا المجال فإن أوروبا هي أكثر الشركاء الذين يمكن لأفريقيا الاعتماد عليهم والأكثر أهمية".

ويقول مراقبون إن خطة الاستثمارات الأوروبية في أفريقيا من شأنها إبطاء التغلغل الصيني والروسي في دول القارة دون إيقافه، بعد أن أغرقت الصين كاهل دول المنطقة بديون متراكمة ووفرت روسيا الدعم الأمني للانقلابيين في أفريقيا.

وفي قارة تعتبر فيها الانقلابات العسكرية من المسلمات، عززت روسيا تواجدها في دول المنطقة مثل مالي وأفريقيا الوسطى على حساب فرنسا والدول الأوروبية، حيث باتت مشاعر العداء للقوى الاستعمارية السابقة تتفاقم.

وتتعامل روسيا ببراغماتية مع أحداث دول القارة حيث تسارع إلى توفير الدعم الأمني للقادة الانقلابيين بعيدا عن شعارات الديمقراطية التي لا تزال دول المنطقة غير مهيأة لها في ظل الصراعات الإثنية وغياب المؤسسات.

النقل أداة الصين للتغلغل في عمق القارة السمراء
النقل أداة الصين للتغلغل في عمق القارة السمراء 

وأظهرت دراسة جديدة أن بنوك التنمية الصينية قدمت تمويلات قدرها 23 مليار دولار لمشروعات البنية التحتية في دول أفريقيا جنوب الصحراء في الفترة من 2007 إلى 2020، أي أكثر من ثلثي القروض التي قدمتها بنوك مماثلة في الولايات المتحدة وألمانيا واليابان وفرنسا مجتمعة.

وقال مركز التنمية العالمية إن الدراسة التي شملت 535 صفقة على صعيد البنية التحتية تم تمويلها بين القطاعين العام والخاص في المنطقة في تلك السنوات تُبين أن الاستثمارات الصينية أكبر بكثير من استثمارات الحكومات الأخرى وبنوك التنمية متعددة الأطراف.

وقالت نانسي لي الزميلة بالمركز التي قادت فريق الباحثين "ثمة انتقادات كثيرة للصين. لكن إذا كانت الحكومات الغربية تريد زيادة الاستثمارات الإنتاجية والمُستدامة إلى مستويات معقولة فعليها أن تدفع ببنوك التنمية الخاصة بها وتضغط على بنوك التنمية متعددة الأطراف لكي تمنح هذه الاستثمارات الأولوية".

روسيا تتعامل ببراغماتية مع أحداث دول القارة الأفريقية حيث تسارع إلى توفير الدعم الأمني للقادة الانقلابيين بعيدا عن شعارات الديمقراطية

وأوضح التقرير أن إجمالي التمويلات التي قدمتها جميع مؤسسات تمويل التنمية الكبرى الأخرى مجتمعة بلغ 9.1 مليار دولار في الفترة من 2007 إلى 2020 مقارنة مع 23 مليارا من الصين.

وأشار التقرير إلى أن مؤسسة تمويل التنمية الدولية الأميركية لم تقدم سوى 1.9 مليار دولار قروضا لمشروعات البنية التحتية في المنطقة خلال تلك الفترة، أي أقل من عُشر ما قدمته الصين.

وسُلطت الأضواء على قروض الصين لأفريقيا في السنوات الأخيرة لغياب الشفافية فيها وربط القروض بضمانات. وحذر اقتصاديون في صندوق النقد الدولي والبنك الدولي من أن دولا كثيرة محدودة الدخل تواجه مأزقا أو أنها تعاني بالفعل من مشكلات الديون.

ويقول أندريه دوفنهيج الأستاذ في جامعة نورث وست بجنوب أفريقيا "في النهاية، ستطلب الصين من الدول المتعثرة عن سداد ديونها أشكالا أخرى من إعادة الدفع، مثل الموانئ والأراضي".

وأعرب عن اعتقاده بأنه على المدى البعيد، ربما تبدأ الصين التأثير على القرارات الاقتصادية والسياسية لدول أفريقية محددة.

بدوره، قال شادراك غوتو الأستاذ في جامعة ساوث أفريكا "إن الصين لا تأتي إلى أفريقيا لتنميتها"، مشيرا إلى أن القارة تكون ضعيفة التفكير "عندما تعتقد أن الدول الأخرى تأتي إليها لإفادتها".

وأعرب عن اعتقاده بأن الصين لديها استراتيجيتها الخاصة في التعامل مع أفريقيا، لهذا ينبغي على القارة أن تكون حذرة عند توقيع الاتفاقيات معها. وأضاف "علينا أن نعمل على مصالحنا الخاصة لنرى كيف يمكننا الاستفادة".

5