الجزائر تحذّر من نزوح التنظيمات الإرهابية إلى منطقة الساحل الصحراوي

أحيت العمليات المسلحة التي عرفتها عدة جهات في منطقة الساحل الصحرواي في الفترة الأخيرة، مخاوف لدى الجزائر من خطر التنظيمات الإرهابية المهددة للأمن والاستقرار، وسط دعوات محذرة من تدفق المقاتلين وتغذية صراع النفوذ في المنطقة التي تحظى باهتمام القوى الدولية.
الجزائر - حذر الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون، من خطر تحويل منطقة الساحل الصحرواي إلى بؤرة إرهاب جديدة، خاصة بعد سقوط الجماعات الجهادية التي كانت تعسكر في منطقة الشرق الأوسط، لاسيما في ظل سهولة التغذي من روافد الجريمة المنظمة كالتهريب والاتجار في السلاح والبشر، الأمر الذي سيعقد العملية الميكانيكية للظاهرة في الساحل الصحراوي عكس ربوع العالم الأخرى.
وجاء تصريح الرئيس تبون، ليحيي فرضيات سابقة عن إمكانية انتقال الوعاء البشري من سوريا والعراق إلى منطقة الساحل الصحراوي بعد سقوط تنظيم داعش، خاصة وأن جزءا معتبرا من تركيبته البشرية ينحدر من دول شمال أفريقيا، على غرار الجزائر، تونس، المغرب وموريتانيا، الذين يتحكمون في جغرافيا المنطقة ويملكون شبكة علاقات مع لوبيات التهريب والجريمة المنظمة.
وذكر الرئيس الجزائري، في الرسالة التي قرأها بالنيابة عنه، وزير الخارجية والتعاون الدولي رمطان لعمامرة، في قمة قادة الاتحاد الأفريقي المنعقدة في أديس أبابا الإثيوبية، بأن “التهديد الإرهابي أخذ أبعادا تنذر بالخطر، لاسيما في منطقة الساحل والصحراء، تسبب في خسائر وأضرار فادحة بشرية ومادية”.
ولفت المتحدث بصفته منسق الاتحاد الأفريقي للوقاية من الإرهاب والتطرف في أفريقيا ومكافحتهما، إلى أن “التطرف والإرهاب لا يزالان في العديد من البلدان، خاصة في القارة الأفريقية على الرغم من الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي”.
الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون ذكر في رسالته أن التهديد الإرهابي ينذر بالخطر لاسيما في منطقة الساحل والصحراء
وأضاف “الاعتداءات المرتكبة تتسبب في إزهاق أرواح البشر وزرع الرعب في نفوس السكان وتزيد من عدم الاستقرار، وعودة المقاتلين الإرهابيين الأجانب نتيجة انهيار الجماعات الإرهابية خاصة في الشرق الأوسط، فضلا عـن تزوّد الروابط المؤكدة بين الإرهاب والجريمة المنظمة الجماعات الإرهابية بوسائل مالية هائلة، من خلال دفع الفديات، والمخدرات، والاتجار بالبشر، التهريب والقرصنة”.
ويبدو أن العمليات المسلحة التي عرفتها عدة جهات في الساحل الصحرواي مؤخرا، أحيت المخاوف لدى الجزائر، ويبدو أن العملية التي راح ضحيتها عسكريان جزائريان في الشريط الحدودي الجنوبي، إثر اشتباك مع جماعة مسلحة، يكون قد حرك تلك المخاوف مجددا، خاصة في ظل المعلومات المتواترة عن انسحاب القاعدة من الشمال إلى الجنوب، وإمكانية وصول عناصر داعشية إلى المنطقة.
ويحظى الوضع الأمني في منطقة الساحل الصحرواي باهتمام كبرى القوى الدولية، رغم التباسه بالأبعاد الاستراتجية وصراع النفوذ، وساهم إقرار فرنسا بإنهاء عملية برخان وخروجها من مالي ودخول قوات مجموعة فاغنر الروسية على الخط، تحت غطاء مساعدة سلطات باماكو الجديدة، في تسجيل تنامي للعمليات المسلحة كان آخرها ضابط من الجيش الفرنسي.
ويبدو أن الجزائر الواقعة تحت حتمية تأمين ترابها من التغلغل الإرهابي، ومحاربة الجماعات الجهادية في المنطقة، قد استشعرت عبء وثقل العملية، في ظل الهشاشة التي تميز حكومات وجيوش المنطقة، ولذلك تسعى إلى لفت انتباه المجموعة الإقليمية والدولية للأخطار المحتملة في الساحل الصحرواي.
ونوه الرئيس عبدالمجيد تبون في رسالته إلى أن “الفضاء الافتراضي ساهم هو الآخر في تلقين الدروس للجماعات الإرهابية وتجنيدها ونشر التطرف، مستهدفا على وجه الخصوص فئة الشباب والنساء، لاسيما في أوساط الفئات السكانية التي تعاني الحرمان الاقتصادي”، وهو ما يجسد مخاوفه من الفضاء الإلكتروني في نشر التطرف الديني والفكر الجهادي، خاصة عبر شبكات التواصل الاجتماعي.
الوضع الأمني في منطقة الساحل الصحرواي يحظى باهتمام كبرى القوى الدولية، رغم التباسه بالأبعاد الاستراتجية وصراع النفوذ
ورافع الرئيس الجزائري لصالح مقاربة بلاده، في ضرورة تعزيز التعاون الإقليمي والدولي في مجال مكافحة الإرهاب، وذكّـر بالاجتماع رفيع المستوى الذي نظمته الجزائر حول مكافحة تمويل الإرهاب بالاشتراك مع الاتحاد الأفريقي في الجزائر العاصمة العام 2018، والذي اعتمد مجلس السلم والأمن مخرجاته.
وكانت الجزائر قد انزعجت كثيرا مما عرف بصفقة “صوفي بوترنين”، التي سمحت بتحرير الرعية المذكورة ورعايا غربيين آخرين، مقابل الإفراج عن أكثر من مئتي مسلح إسلامي، مقابل فدية قدرتها بعض المصادر بثلاثين مليون دولار، مما مكن من إعادة تشكيل وتمويل خلايا جهادية في المنطقة، في حين اختارت عناصر جزائرية تسليم نفسها لسلطات بلادها.
ودافع تبون، في رسالته عن مقترحات بلاده، لاعتماد نهج أفريقي جديد لبث روح جديدة في الجهد الجماعي الرامي إلى مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، ومراعاة حالة عدم الاستقرار في منطقة الساحل والصحراء وتفاقم التهديد الإرهابي والتهديدات الأخرى، وناشد قادة القارة اتباع نهج شامل ومتكامل في الاستراتيجيات التي سيتم تنفيذها لمحاربة الإرهاب والجريمة على المستويين الوطني والدولي.
وأكد على أن مقترحات الجزائر تهدف إلى “تنشيط المؤسسات وتقوية آليات الاتحاد الأفريقي لمكافحة هذه الظاهرة العابرة للحدود والخطيرة، من خلال دمج مفاهيم ووسائل وموارد جديدة ذات طبيعة معيارية وتشغيلية من أجل تحسين العمل الأفريقي، فضلا عن تعزيز الجهود الجماعية للدول الأفريقية وآليات الاتحاد الأفريقي في مكافحة الإرهاب، لاسيما من خلال تفعيل الصندوق الأفريقي الخاص لمكافحة الإرهاب وتفعيل اللجنة الفرعية لمكافحة الإرهاب التابعة لمجلس السلم والأمن، وضع قائمة أفريقية بالأشخاص والجماعات والكيانات المشاركة في الأعمال الإرهابية”.