أوسمة عاجلة

من يطالع خارطة الأوسمة المعتمدة لدى الرئيس الفلسطيني، ويتأمل أسماءها المفخمة، وأوقات منحها بغير عيد للعلم أو للنصر أو احتفاء بفلاح في شيء؛ يجد نفسه تلقائيا حيال طرف من سيكولوجية الرجل الذي أوشك على بلوغ سن التسعين.
بمعاينة إسهال الأوسمة، مع إمساك الحال الفلسطينية العامة وانسداد مستقيمها؛ ترى فخامته، بين الحين والآخر، يفاجئ الحيارى بوجبة أوسمة. وفي كل مرة، يكون التخصيص معطوفا على مقاصده. فإن أراد الإيحاء بأنه صاحب ذوق فني رفيع، يرتجل اسما من طائفة الفنانين، فيخلع عليه ـ أو عليها ـ وشاحا مع وسام يُعلي من شأن الواسم ويضع الموسوم، دونما ذنب، تحت مطارق ما لا يسره من الكلام. وفي الحقيقة أفلت المبدع السوري الراحل حاتم علي، من خازوق الوسام العباسي. ففي تجربته، هناك الكثير مما يحث الآخرين على منحه أرفع الأوسمة، لكن مقادير الله كتبت له السلامة، لاسيما وأن البُعد الفلسطيني في إبداعه كمخرج ومنتج وممثل وكاتب نصوص ومؤلف دراما ونصوص مسرحية؛ كان سيوقعه في فخ الأوسمة العباسية. فحاتم أصلا من هضبة الجولان السورية المحتلة، وقد ترعرع في مخيم اليرموك في سوريا، وعاش مع أقرانه الفلسطينيين، بل إن حياته معهم، واختلاطه بآبائهم وأجدادهم، هي التي ألهمته الملحمة البديعة، التي بثتها التلفزة بعنوان “التغريبة الفلسطينية”. ويبدو أن إغفال حاتم، لم يكن سهوا بالنسبة إلى رجل أنكر حقه في العودة إلى مسقط رأسه ومدينته، خدمة لنوع “السلام” الذي يراه، علما بأن مثل هذا “السلام” يمكن أن يؤمن له ـ استثناء ـ مسكنا في مؤخرة المدينة، ولو كان ذلك من باب الإقرار بفضله، عندما أوحى للناشئة الفلسطينيين بوجوب نسيان بلداتهم وقراهم.
ومن المفارقات، أن خارطة الأوسمة وأسمائها في إدارة عباس، تمتشق أسمى المعاني: القلادة الكبرى، الوشاح الأكبر، الاستحقاق، الحرية، وهذه كلها مندرجة تحت تصنيف أوسمة الفئة الأولى، تحت عنوان “وسام فلسطين” ومنذورة للملوك والرؤساء. لكن مظنة التقصد ترتسم، عندما يوحي التدرج نزولا في الأهمية، بأن من فاتهم من الملوك والرؤساء، أوسمة الفئة العليا؛ يمكن تعويضهم استدراكا، من خلال باقة الفئة الثانية، تحت عنوان “وسام القدس” وفيها “وشاح أكبر” للملوك والرؤساء، رغم دنو شأن الفئة في التدرج. أما الذين دون الملوك والرؤساء، فنصيبهم نجمات كبرى، واحدة للسلام وأخرى للفروسية، وثالثة للوفاء الجميل. والأدهى، أن أوسمة الشرف، تحل ثالثا في ترتيب الفئات، كأنما هناك قدح ضمني بالأولين الذين حُسمت أنواع أوسمتهم الرفيعة. وربما تكون النوايا سليمة من تخصيص وشاح الشرف الأكبر لملوك ورؤساء، على قاعدة “إن خليت بليت”. فمن غير المعقول أن يتساوى الأعلون، في وفرة الرزق وحجم العطاء.
لكن أطرف الأوسمة، تلك المخصصة للعامة من الناشطين أو المنسيين الذين يراد استرضاؤهم أو كفّ شر ألسنتهم. فلهؤلاء محض ميداليات لها أسماء. واحدة للإنجاز، وأخرى للتميز، وثالثة للبراعة، وكلها ذهبية افتراضا. لكن النوع الثاني من الميداليات، تقول الخارطة إنه فضيّ وليس ذهبيا، وأغلب الظن أن هذا النوع مخصص لمبدعي السمكرة والحلاقة والسباكة والتألق في هذه الحرف الشريفة. وللأسف نُسي مبدعو الأغنية من هذه الفئة الفضية، كأنما هو حرمان لمن أعلنت نقابة المهن الموسيقية في مصر، عن حظر أصواتهم، باعتبارها ملوثة للبيئة. لكننا في فلسطين، لدينا طرب شعبي لا يلوث شيئا، ولا يتحايل على الناس بأدوات المجالس وانعقاداتها. فعادل المشوخي، يغني لنبات “الخُبيزة” وهو من مأكولات الفقراء التي يشتهيها الميسورون!