مأزق فرنسا في مالي: ترك الملعب لروسيا أو البقاء تحت ضغط المجلس العسكري

عملية "تاكوبا" الأوروبية تلقى نفس إخفاق عملية برخان الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي.
الجمعة 2022/02/04
الانسحاب مكلف والبقاء مكلف

بروكسل - تتجه عملية “تاكوبا” الأوروبية لتلقى نفس الإخفاق الذي واجه عملية برخان الفرنسية في منطقة الساحل الأفريقي، لكن الأزمة هذه المرة مختلفة، وجاءت بعد سلسلة من تبادل الإهانات بين المجلس العسكري في باماكو من جهة، وفرنسا وحلفائها الأوروبيين من جهة ثانية.

وكانت القطرة التي أفاضت الكأس مطالبة الحكومة المالية من الدنمارك سحب نحو 100 من جنودها الذين وصلوا إلى البلاد في الثامن عشر من يناير، قبل أن تقرر سحبهم فعليا في السابع والعشرين من ذات الشهر، أمام إصرار باماكو على سحبهم على الفور، لأنه تم نشرهم دون موافقتها.

لكن الجيش الدنماركي نوه في بيان أنّ إعادة الجنود والعتاد إلى الدنمارك تحتاج “عدة أسابيع”، ما يعني أن الانسحاب لن يكون فوريا.

مع وجود فاغنر يصعب على باريس الانسحاب من مالي، لكن شركاءها الأوروبيين لا يملكون نفس الحماسة والمصالح للبقاء

وعقب قرار سحب الكتيبة الدنماركية، اجتمع وزراء دفاع وجيوش الدول الأوروبية الـ15 المشاركة في عملية “تاكوبا”، في الثامن والعشرين من يناير، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة.

وبحث المجتمعون إنهاء العملية العسكرية للقوات الخاصة الأوروبية في مالي، وبالتالي ترك المجال مفتوحا لروسيا لملء الفراغ، أو البقاء تحت ضغط المجلس العسكري المالي، الذي يحاول فرض سيادته على البلاد، دون رغبة في عودة قريبة إلى الشرعية الدستورية.

والسؤال كانت الإجابة عليه صعبة، إلى درجة لم يخرج قادة الجيوش الأوروبية بأي بيان ختامي، واكتفوا بمنح أنفسهم أسبوعين قبل حسم مسألة انسحاب “تاكوبا” في مالي، حتى لا يكون قرارهم صادرا عن ردة فعل غاضبة من “الإهانة” التي وجهتها لهم الحكومة المالية.

وكأن قرار انسحاب قوات “تاكوبا” من مالي أصبح محسوما ولم يبق سوى ضوء أخضر من القادة السياسيين لبدء تنفيذ خطة الانسحاب.غير أن وزيرة الجيوش الفرنسية فلورنس بارلي خرجت في اليوم التالي وأعلنت عبر قناة “فرانس إنتر” “يجب أن نلاحظ أن شروط تدخلنا عسكريا واقتصاديا وسياسيا (في مالي) أصبحت أكثر صعوبة، وباختصار، لا يمكننا البقاء في مالي بأي ثمن”.

غير أن قوات تاكوبا المنتشرة في منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو، ليست بالحجم الكبير، ولا تتجاوز 800 عنصر، نصفهم فرنسيون، بينما كانت باريس تأمل أن ترفع هذا الرقم إلى ألفي عنصر، لتعويض تقليص قواتها من 5100 إلى 2500 وحتى 3 آلاف عنصر.

وانسحاب الدنمارك من مالي يعني سقوط حجر كبير في جدار تاكوبا، ما يهدد بانهيار العملية بالكامل، إذ قررت دول أوروبية القيام بنفس الخطوة في إطار التضامن مع كوبنهاغن.

الجيش الدنماركي نوه في بيان أنّ إعادة الجنود والعتاد إلى الدنمارك تحتاج “عدة أسابيع”، ما يعني أن الانسحاب لن يكون فوريا

وفي ظل التهديدات بسحب قوات تاكوبا من مالي، فإن الخيارات المطروحة أمام الأوروبيين تتمثل في سحب كامل قواتهم من المنطقة والعودة بهم إلى الديار مثلما فعلت الدنمارك، خاصة وأن عددها قليل، ولم يثبت جدارته في مكافحة الإرهاب.

والخيار الثاني أن يتم الإبقاء على هذه القوات ومضاعفتها، والبحث عن تفاهمات مع المجلس العسكري، ولو بتعديل الاتفاقيات العسكرية مع فرنسا، والتوقيع على اتفاقيات ثنائية للدول الأوروبية الـ15 مع باماكو، ويعتبر ذلك بمثابة رضوخ لمطالب الحكومة المالية.

وأما الخيار الثالث فيتمثل في الانسحاب من مالي وإعادة الانتشار بالنيجر وبوركينا فاسو فقط، لكن وقوع انقلاب في الأخيرة من شأنه إعاقة هذه الخطة، خاصة وأن الجماعات المسلحة في منطقة الحدود الثلاثة تتحرك بمرونة.

ويثير دخول فاغنر الملعب الفرنسي في مالي قلق باريس، حيث علق لودريان على الأمر في تصريح له الأحد بأن فاغنر “تنهب مالي مقابل حماية المجموعة العسكرية” الحاكمة في البلاد.

ومع وجود فاغنر يصعب على باريس الانسحاب من مالي، لكنّ شركاءها الأوروبيين لا يملكون نفس الحماسة والمصالح للبقاء أكثر في ظل عدم رغبة الحكومة المحلية في استباحة سيادتها دون أن يكون لها الحق في ضبط التواجد العسكري الأجنبي على أراضيها.

5