"الدوم".. مسابقة حكومية تنقّب عن مستقبل الإعلام المصري

الاعتماد على المسابقات لإيجاد المذيعين يكشف تراجع دور ماسبيرو في تقديم الكفاءات.
الأربعاء 2022/02/02
تحمل عثرات البدايات

وسّعت الشركة “المتحدة للخدمات الإعلامية” المالكة والمسؤولة عن إدارة أغلب المؤسسات الصحافية والقنوات وشركات الإنتاج في مصر، دائرة البحث عن وجوه إعلامية عبر تنظيم مسابقة لاكتشاف المواهب في مجال التقديم التلفزيوني برعاية وزارات وهيئات تستهدف التنقيب عن الكفاءات في المحافظات المختلفة.

القاهرة- تستعد فضائية “أون.أي” المصرية لعرض حلقات برنامج “الدوم” خلال الفترة المقبلة، ويشمل إلى جانب اكتشاف مواهب التقديم التلفزيوني مجالات التمثيل والغناء، بعد انتهاء مرحلة اختيار المتسابقين، حيث طافت لجان التحكيم خلال شهري نوفمبر وديسمبر الماضيين 27 محافظة مصرية وأعادت الاهتمام بمسارح قصور الثقافة التي شهدت مسابقات تمهيدية وجذبت الآلاف من الشباب للتقديم فيها.

وتُعبّر الخطوة عن حاجة الجهات القائمة على ملف الإعلام إلى إدخال دماء جديدة تتماشى مع حاجات الجمهور المتطورة، ما يؤكد أن هناك أزمة في الوصول إلى كفاءات يمكن أن تشكل مستقبل الإعلام في ظل شكاوى عديدة كشفت عنها قيادات في بعض القنوات من تدني مستوى الثقافة واللغة وغياب القدرة على الإقناع من جانب بعض الوجوه الشبابية التي ظهرت مؤخراً ولم تتمكن من جذب الجمهور إليها.

يتوافق هذا الاتجاه مع رغبة حكومية تستهدف الخروج من دائرة برامج “التوك شو” التقليدية لتقديم المزيد من البرامج المتخصصة التي حقق بعضها نجاحات عبر الاستعانة بكوادر شبابية، كما هو الحال بالنسبة إلى برنامج “مصر تستطيع” الذي يقدمه الإعلامي أحمد فائق على فضائية “دي أم سي”، وقصواء الخلالي التي تقدم حاليا برنامجها الثقافي “المساء مع قصواء” على فضائية “سي.بي.سي”، وبرنامج “جروب الماميز” على فضائية “مدرستنا” المتخصصة في الشأن التعليمي من منظور اجتماعي وتقدمه الإعلامية الشابة ياسمين نورالدين.

خالد البرماوي: المسابقة الحكومية تستهدف الوصول إلى موهوبين جدد

وبعثت الشركة “المتحدة للخدمات الإعلامية” إشارات على أن معيار الكفاءة سيكون على رأس أولويات الاختيار في قنواتها تحديداً على مستوى الوجوه التي سوف تظهر على الشاشة، وسوف تخضع لسياسة تحريرية يصعب الحياد عنها، وأن مشاركة شخصيات أكاديمية ومهنية في عمليات الاختيار تشي بإمكانية تحقيق نتائج إيجابية والوصول إلى كفاءات مثل التي حققت نجاحات بعد أن ظهرت على المنصات الإلكترونية.

ويرى خبراء الإعلام أن خطوات الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية لا تنفصل عن التغييرات التي شهدتها على مستوى إعادة تشكيل مجلس إدارتها ليضم شخصيات متخصصة في الاقتصاد والإعلان والدراما والاستثمار والعلاقات العامة، ولديها رؤية بشأن إمكانية إحداث تطوير بشكل أكثر احترافية بعد أن واجهت اتهامات عديدة بممارسة الاحتكار والاعتماد على وجوه بعينها.

وقد وقعت الشركة المشرفة على المسابقة برتوكولات تعاون مع النقابات الفنية والمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام بهدف الارتقاء بمستوى العاملين لديها وأكدت على “أن النقابات المهنية لها دور في مسائل التدريب والتأهيل لإعداد أجيال مدربة بشكل متطور”.

وقال الإعلامي محمد سعيد محفوظ، رئيس مؤسسة “ميديا توبيا”، إن “الدولة المصرية تسعى خلال هذه المرحلة لصناعة نخبة في كافة المجالات وإنعاش القوة الناعمة بدماء شابة، والظهور في الداخل والخارج بمظهر أكثر حيوية وانطلاقاً، وخطواتها السابقة عبر البرنامج الرئاسي للقيادة وغيرها من المبادرات الشبابية دفعت بالصفوف الشابة في الإعلام إلى مقاعد المذيعين وتحملت عثراتهم في البداية، حتى صاروا أكثر تمرساً، وهناك توجه لفتح المزيد من النوافذ الإبداعية خلال المرحلة المقبلة”.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن “الشركة المتحدة ابتكرت فكرة برنامج المواهب ‘الدوم’ الذي استعانت فيه بترشيحات من وزارة الشباب والرياضة إلى جانب تصفيات من كافة المحافظات، وممن أعرفهم من المشاركين، والاختيارات كانت موضوعية، على أن يتم توظيف المواهب الفائزة بعد انتهاء التصفيات في قنوات الشركة المتحدة وأعمالها الفنية”.

ويؤكد وضع إدارة المسابقة شروطًا للمشتركين بأن يكونوا من فئة الشباب في المرحلة العمرية ما بين 21 إلى 28 عامًا أن هناك رغبة في أن يجري تجهيز تلك الكوادر بالشكل المطلوب والاعتماد عليها في برامج مخصصة لفئة الشباب الذين تحاول جهات حكومية جذبهم إلى الإعلام الرسمي بأساليب وأدوات متباينة، ما يشي بأن المسابقة تعد ضمن شعار “معركة الوعي” الذي ترفعه الحكومة والجهات المسؤولة عن إدارة الإعلام لمخاطبة العقول الشبابية.

محمد سعيد محفوظ: الدولة المصرية تسعى لإنعاش القوة الناعمة بدماء شابة

ويعتقد خبراء الإعلام أن الاعتماد على المسابقات العامة يعود إلى تراجع الدور الذي لعبه اتحاد الإذاعة والتلفزيون المعروف بـ”ماسبيرو” على مدار تاريخ الإعلام المصري باعتباره المفرخ الأول للإعلاميين والعاملين في القنوات الفضائية المختلفة، وأن توقف تعيين كوادر جديدة في التلفزيون الحكومي وضع الفضائيات الخاصة في أزمة، ما جعلها تعتمد أحيانا على الترشيحات أو مسابقات الإعلان عن وظائف وفي الأغلب تستعين بكوادر بعينها جرى تجهيزها لأن تكون بديلة عن الوجوه القديمة.

وقال الصحافي المتخصص في الإعلام الرقمي خالد البرماوي إن “المسابقة تستهدف الوصول إلى موهوبين جدد، مثل النماذج التي أثبتت قدراتها الإعلامية من خلال تقديمها محتويات مصورة عبر ‘يوتيوب’ ومنصات إعلامية إلكترونية أخرى بما يتماشى مع رغبات جمهور مواقع التواصل ومحاولة تحقيق الأمر ذاته بالنسبة إلى التلفزيون”.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن “تطورات سوق الإعلام بحاجة إلى البحث عن نماذج تستطيع أن تُوَائم بين رصانة الإعلام التقليدي وأسلوب الإعلام الرقمي الذي يستقطب الشباب، وهناك قطاعات واسعة من شباب الأقاليم لديها مواهب دون أن تكون لديها القدرة على الوصول إلى وسائل الإعلام التي تتركز في العاصمة القاهرة، بالإضافة إلى أن المسابقة تتيح الوصول إلى نماذج ذات خلفيات ثقافية واجتماعية متعددة بحاجة إلى أن تكون حاضرة على مستوى الفضائيات”.

وأشار إلى أن المسابقة التي تعقد لأول مرة على نطاق واسع قد تشهد بعض الأخطاء على مستوى اختيار الكفاءات أو كيفية توظيفها بالشكل الأمثل، إلى جانب أنها قد تصطدم بنفس أزمات المسابقات الشبيهة في مجالات أخرى والتي لم تؤد في النهاية إلى حدوث تطور على مستوى اكتشاف المواهب، الأمر الذي انعكس على مستوى الأداء الإعلامي أو الفني والغنائي، ولذلك يجري التعامل مع الخطوة الحالية في إطار التجربة ثم تقييم مدى نجاحها أو فشلها.

ويقلل بعض الخبراء من إمكانية إحداث طفرة على مستوى الأداء الإعلامي طالما ظلت القيود المفروضة على حرية الرأي والتعبير موجودة، مشيرين إلى إمكانية أن تجد الكفاءات الجديدة نفسها أمام مأزق التوفيق بين التعبير عن ذاتها بطلاقة وجرأة تتطلبهما مسألة جذب الشباب وبين سقف محدود يصعب تجاوزه، ومن ثم سوف تدور في فلك تجارب أخرى لديها مهارات التقديم التلفزيوني لكنها لم تنجح في استقطاب الجمهور إليها.

ويعد ذلك أحد الأسباب التي تجعل بعض الفضائيات المصرية في حالة تبديل وتعديل مستمريْن على مستوى الوجوه الإعلامية في برامج “التوك شو” وغيرها من البرامج التي لم تحقق عوائد إعلانية وتشكل عبئاً في العديد من الأحيان، وبدا أن هناك اضطرارا للعودة إلى وجوه قديمة جرى استبعادها في فترات سابقة لاستعادة الجمهور.

16