أي خيارات للغرب لمعاقبة روسيا حال هاجمت أوكرانيا

مع تصاعد التحذيرات الاستخباراتية الأميركية بقرب هجوم روسي على أوكرانيا، يناقش القادة الأوروبيون والأميركيون استراتيجية لمواجهة الغزو المحتمل، لكن الحسابات الاقتصادية تعيق بلورة خطة موحدة رغم الإجماع على ضرورة التصدي لموسكو.
بروكسل - تُجبر المخاوف من استغلال روسيا سلاح الطاقة في مواجهة الأوروبيين على عدم تبنّي الدول الأعضاء في الاتحاد الأوربي خطة موحدة لمواجهة موسكو حال هاجمت كييف، إلا أن ذلك لا يعني عدم وضع خطة استجابة عاجلة ذات خيارات متنوعة إذا ما وقع المحظور.
وفي ظل النزاع الأوكراني واستمرار التواجد العسكري الروسي على الحدود الأوكرانية، يجري الغرب حاليا استعدادات خلف الكواليس لأسوأ الحالات التي يمكن تصورها، ألا وهي: غزو روسيا لشرق أوكرانيا.
وإذا تجرأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مهاجمة أوكرانيا رغم كل التهديدات، فمن المنتظر أن يكون رد الفعل سريعا وقاسيا، حيث تعتزم دول الاتحاد الأوروبي مع الولايات المتحدة وبريطانيا في غضون فترة قصيرة للغاية فرض عقوبات مؤلمة بصورة غير مسبوقة.
ولذلك تجري منذ أسابيع نقاشات في دوائر صغيرة بمنتهى السرية، كان آخرها مساء الاثنين الماضي على مستوى القادة خلال مؤتمر عبر الفيديو بين الرئيس الأميركي جو بايدن والمستشار الألماني أولاف شولتس والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وغيرهم.

ليز تراس: ردع بوتين عن غزو أوكرانيا على رأس الأولويات
وذكر البيت الأبيض لاحقا أنه تمت مناقشة المساعي المشتركة لردع أي عدوان روسي جديد على أوكرانيا، والتي من بينها “عواقب وخيمة وتكاليف اقتصادية باهظة على روسيا حال ارتكبت مثل هذه الأعمال”.
ولم يتم نشر تفاصيل هذه المناقشات علنا، لكن مسؤولين في الاتحاد الأوروبي أكدوا مؤخرا أن الخيارات التالية مطروحة على الطاولة: عقوبات ضد مشروع أنابيب الغاز الروسي باتجاه ألمانيا (نورد ستريم2) وعقوبات ضد بوتين ومن حوله وحظر التكنولوجيا إلى جانب استبعاد موسكو من نظام سويفت المالي، لكن محللين يتساءلون بشأن إن كانت هذه العقوبات فعالة؟
وأثار المستشار الألماني شولتس في البداية انطباعا بأنه لا يرى مجالا لمنع تشغيل خط أنابيب الغاز الروسي نورد ستريم2 عندما قال “في ما يتعلق بـنورد ستريم2 فإن هذا مشروع تابع للقطاع الخاص”، وقال مؤخرا إنه “لا بد من مناقشة كل شيء حال حدوث تدخل عسكري ضد أوكرانيا”.
وفي المقابل، أكدت روسيا مخاوف الغرب من أنها -القوة العظمى في مجال الطاقة- قد تغلق صنبور الغاز بنفسها انتقاما من العقوبات.
وفي الوقت الذي تتزايد فيه حدة التوتر تفرض الحسابات الاقتصادية صعوبات شديدة على تبني الولايات المتحدة والدول الأوروبية لموقف صارم مشترك ضد موسكو.
وتشير الأرقام الاقتصادية إلى أن روسيا هي خامس أكبر شريك تجاري للاتحاد الأوروبي وأكبر مصدر للطاقة له، في حين تحتل الولايات المتحدة المركز الثلاثين في قائمة الدول المصدرة للطاقة إلى الاتحاد.
ويقول المحللان الاقتصاديان بن أولاند وأنيا أندريانوفا إنه في ظل ارتفاع معدل التضخم ومعاناة المستهلكين في أوروبا من ارتفاع أسعار الطاقة، يتحرك مسؤولو الاتحاد الأوروبي بحذر نحو فرض عقوبات على روسيا. فالأوروبيون يريدون إجراءات تؤلم روسيا أكثر مما تؤلم دولهم بهدف منع الغزو الروسي المحتمل لأوكرانيا.
وعلى عكس عقوبات سابقة ضد روسيا، قد تستهدف العقوبات المحتملة في حال حدوث السيناريو الأسوأ هذه المرة أصحاب النفوذ المقربين من الكرملين.
ويرى مؤيدو هذه الخطوة أن فرض حظر على أصحاب الشركات المليارديرات ذوي النفوذ السياسي بالنسبة للدخول إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، وبالتالي عدم تمكينهم من قضاء عطلات في الريفيرا الفرنسية أو على جبال الألب، وتجميد استثماراتهم في الاتحاد الأوروبي، قد يدفع إلى حلحلة الكثير من الأمور بصورة أكبر من إجراءات عقابية كثيرة أخرى.
وفي حال وقوع أسوأ السيناريوهات، يمكن أن يضمن حظر تصدير بعض السلع والتقنيات عالية التقنية عدم قدرة المواطنين في روسيا بعد ذلك على شراء هواتف محمولة أو أجهزة كمبيوتر أو أجهزة منزلية غربية. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤثر مثل هذا الحظر على قطاعي تصنيع الأسلحة والطائرات على وجه التحديد.
وسيكون استبعاد محتمل لروسيا من جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) أشبه بـ”قنبلة نووية اقتصادية”، حيث ستؤدي مثل هذه الخطوة إلى خروج مؤسسات مالية روسية من النظام المالي العالمي، لأن “سويفت” هو النظام الأهم في العالم لتبادل المعلومات حول المعاملات المالية.
وستواجه البنوك والشركات الروسية بعد ذلك خطر عدم القدرة على تحويل أموال إلى الخارج بسهولة، كما سيصبح تدفق رأس المال بنفس الصعوبة.
ويمكن أن يؤدي ذلك إلى إبطاء تدفق السلع، لأن الشركات لن تقدر بعد ذلك على تسديد ثمن الواردات أو تحصيل إيرادات الصادرات.
وبديلا عن ذلك يمكن فرض عقوبات تستهدف مؤسسات مالية روسية وتصعيب الاستدانة الحكومية. ومن المفترض أن تقلل مثل هذه العقوبة العواقب على الشركات المصدرة إلى روسيا وتُحجّم من مخاطر قيام روسيا عبر دعم من دول أخرى بتوسيع أنظمة بديلة حالية لنظام “سويفت”.
وردا على سؤال حول ما إذا كانت ألمانيا ترى أنه ينبغي النظر في استبعاد روسيا من نظام “سويفت”، قالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك مؤخرا إن “العصا الأقسى” لا تكون في النهاية “دائما السيف الأذكى”، إلا أنها لم تستبعد في الوقت نفسه مثل هذه الخطوة.
إذا تجرأ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على مهاجمة أوكرانيا رغم كل التهديدات، فمن المنتظر أن يكون رد الفعل سريعا وقاسيا
ويحرص بوتين على الادعاء بأن روسيا تبصق على العقوبات ولن تخضع لأي ضغوط. وهو يقصد أن روسيا عوّضت منذ فترة طويلة خسائر بالمليارات من العقوبات التي تم فرضها بالفعل، وذلك عبر إعادة تنظيم اقتصادها وتنويع مصادر تمويله.
ومع ذلك، يستمر أصحاب الشركات في الشكوى من العقبات التي تعترض التجارة والإنتاج والاستثمار. كما يناقض رئيس المجلس المركزي للمحاسبات في روسيا أليكسي كودرين، أحيانا الكرملين في مسألة تكيف الاقتصاد مع القيود، حيث قال “روسيا لا تزال رغم ذلك تتكبد خسائر بسبب العقوبات”.
وبحسب بيانات رسمية، تأثرت بشكل خاص الصناعات المعدنية والكيمياوية والسيارات والأسلحة وكذلك الزراعة.
وحذر الكرملين مؤخرا بصورة مُلحة من أن العقوبات الحالية المفروضة من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة تشكل انتهاكا للقانون الدولي.
وأوضح بوتين أنه لا يستبعد قطع العلاقات مع الغرب حال فرض الأخير عقوبات غير مسبوقة على روسيا. وقال يوري أوشاكوف مستشار الرئيس الروسي في شؤون السياسة الخارجية “سيكون هذا خطأ فادحا له عواقب وخيمة وكارثية… لكننا نأمل ألا يصل الأمر إلى هذا الحد”.
وتوعدت وزيرة الخارجية البريطانية ليز تراس الأحد، بتوسيع العقوبات ضد روسيا بسبب الأزمة الأوكرانية.
وقالت “ردع فلاديمير بوتين عن اتخاذ ذلك الإجراء (غزو أوكرانيا) هو على رأس الأولويات”.
وتابعت “لهذا السبب نعرض نشر قوات إضافية في إستونيا، ونقدم المزيد من الدعم الجوي عبر البحر الأسود، ونزود أوكرانيا بأسلحة دفاعية للتأكد من أنها في أفضل وضع ممكن إذا حاول فلاديمير بوتين غزو أوكرانيا”.