محادثة بين تبّون وماكرون: الجزائر غير قادرة على قطع علاقاتها بفرنسا

الجزائر - بعثت المحادثة الهاتفية التي جمعت الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون بنظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون السبت برسائل مفادها أن الجزائر غير قادرة على القطع نهائيا مع فرنسا رغم الشعارات التي يرفعها تبّون ودوائر السلطة.
وبحث تبون السبت مع ماكرون العلاقات الثنائية للمرة الأولى بعد أشهر من أزمة بين البلدين.
وأفادت الرئاسة الجزائرية في تغريدة “تلقى اليوم (السبت) رئيس الجمهورية عبدالمجيد تبون مكالمة من نظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون تطرقا فيها إلى العلاقات الثنائية”.
وأضافت “كما جدد الرئيس الفرنسي الدعوة إلى الرئيس (تبون) لحضور القمة الأفريقية – الأوروبية ببروكسل (…) وبحث الرئيسان أيضا آفاق انعقاد اللجنة العليا المشتركة”.
وتعتبر هذه المكالمة بين تبون وماكرون الأولى منذ أشهر عديدة عقب تأزم العلاقات بين البلدين بسبب تصريحات للرئيس الفرنسي بحق الجزائر وُصفت بـ”المسيئة”.
المكالمة هي الأولى منذ أشهر عقب تأزم العلاقات بسبب تصريحات للرئيس الفرنسي بشأن الجزائر وُصفت بالمسيئة
واستدعت الجزائر سفيرها بباريس مطلع أكتوبر الماضي على خلفية تصريحات ماكرون، ولم يعد إلى ممارسة مهامه إلا مطلع العام الجاري.
وجاء سحب السفير الجزائري على خلفية تصريحات نقلتها صحيفة “لوموند” عن ماكرون تساءل فيها عمّا إذا “كانت هناك أمة جزائرية قبل الاستعمار الفرنسي (1830 - 1962)”.
واتهم الرئيس الفرنسي النظام الجزائري بـ”الاستثمار في ريع الذاكرة وتنمية الضغينة تجاه فرنسا”.
وإثر ذلك قررت الجزائر حظر تحليق الطيران العسكري الفرنسي العامل في الساحل الأفريقي ضمن قوة “برخان” في الأجواء الجزائرية.
وفي الثامن من ديسمبر الماضي زار وزير الخارجية الفرنسي جون إيف لودريان الجزائر، وعبّر عن رغبة بلاده في “إذابة الجليد وسوء التفاهم” الحاصل بين البلدين في محاولة للتهدئة.
وتسعى فرنسا لترميم علاقاتها مع الجزائر غير أن ما يصفه مراقبون بتصعيد النظام الجزائري غير المحسوب مع باريس يهدد المساعي الفرنسية.
ودعا لودريان من الجزائر إلى عودة “العلاقات الهادئة” بين البلدين بعد التوتر الشديد الذي شهدته منذ أشهر.
وقال بعدما استقبله الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون “أتمنى أن يعود بلدانا إلى نهج العلاقات الهادئة وأن يتمكنا من التطلع إلى المستقبل”.
وأضاف “نأمل أن يؤدي الحوار الذي نعيد إطلاقه اليوم إلى استئناف المحادثات السياسية بين حكومتينا عام 2022 بعيدا عن جراح الماضي التي يجب أن نواجهها خاصة بالنظر إلى سوء التفاهم الذي علينا تجاوزه”.
وتابع “خلال حديثي مع الرئيس تبون ركزنا على تعاون تترجمه انطلاقة حوار فعلي بيننا كشركاء في ملفات تتعلق بأمن البلدين، وأن الجزائر وفرنسا تواجهان تحديات كبيرة إقليميا ودوليا بخصوص الإرهاب في الساحل والهجرة غير الشرعية والقضايا الاقتصادية”.
ويشير مراقبون إلى أن فرنسا تريد إعادة ترتيب تحالفاتها في شمال أفريقيا لمواجهة النفوذ الروسي والتركي المتزايد في المنطقة، ولأجل ذلك سعى الوزير الفرنسي لجلب انتباه الجزائريين بالحديث عن المصالح المشتركة، والتحديات الإقليمية التي تمس أمنهما الإقليمي معا، لكن الجزائريين يعتقدون عكس ذلك تماما ويرون أن وجودهم إلى جانب تركيا وروسيا يصب في صالح حساباتهم.
الرئيس الجزائري صرح في وقت سابق بأن بلاده “متمسكة بمواقفها وقراراتها بشأن العلاقات مع باريس، وأنها لن تبادر بأي شيء، إلا إذا استقبلت إشارات جادة وحقيقية من طرف الفرنسيين"
وصرح تبون في وقت سابق بأن بلاده “متمسكة بمواقفها وقراراتها بشأن العلاقات مع باريس، وأنها لن تبادر بأي شيء، إلا إذا استقبلت إشارات جادة وحقيقية من طرف الفرنسيين، وأنه أيضا لا يمكن القيام بأي شيء تجاه من أهان الجزائريين في تاريخهم وذاكرتهم”.
وعبّر عن ضغط بلاده على الفرنسيين بالقول “لقد باتت الطائرات الفرنسية العسكرية التي تشتغل في مالي تستغرق تسع ساعات في رحلتها، بعدما كانت مدة الرحلة خمس ساعات”، في إشارة إلى “مفعول قرار الحظر على تكلفة المؤسسة العسكرية الفرنسية خارج حدودها”.
وبعد هذا التصعيد يبدو أن الجزائر بدأت تتراجع في علاقتها مع فرنسا خاصة وأن علاقاتها مع المحيط العربي متوترة في ظل الأزمة التي تثيرها مع المغرب بسبب الصحراء المغربية.
ويرى مراقبون أن كلا البلدين، الجزائر وفرنسا، في حاجة إلى بعضهما البعض ولا يمكنهما التخلي عن بعضهما بسهولة.
ففرنسا تفاقمت مخاوفها من تراجع دورها في المنطقة بسبب التغلغل الروسي في مالي، كما أعربت وزيرة الجيوش فلورنس بارلي في تصريح لها لوسائل إعلام محلية عن قلق بلادها “من تمدد نفوذ قوات فاغنر في مالي، وتوجه السلطات الجديدة في باماكو إلى التمرد على التزامات بلادها السابقة”.
وأضافت “دول الاتحاد الأوروبي تدعم الموقف الفرنسي في مالي، والانزعاج الأوروبي من التغلغل في منطقة الساحل سيترجم في مقاربة جماعية لاحقا”، لكنها لم تكشف عن طبيعتها ولا آلياتها.