مصر في طريقها إلى تشديد العقوبة على انتهاك الحياة الخاصة

تكررت في مصر حوادث الابتزاز وانتهاك الخصوصية حتى أنها فضحت العديد من الضحايا “الأبرياء” وعرّضتهم للتنمر من روّاد السوشيل ميديا التي نشرت حكاياتهم مع التلفيق خارج مصر. ولوضع حدّ لمثل هذه الممارسات، طرح أحد الأحزاب السياسية مشروع تعديل قانوني لتشديد عقوبة الابتزاز وانتهاك الحياة الخاصة.
القاهرة – أحدث مشروع تعديلات قانونية يناقشه البرلمان المصري حاليا حول تجريم الابتزاز الإلكتروني ومنع تصوير الأشخاص دون إذن لمواجهة انتهاك الحياة الخاصة للمواطنين جدلا سياسيا واجتماعيا، حيث لا تزال دوافع البرلمان غامضة، وهل ينطبق على تسريبات يذيعها البعض من الإعلاميين ضد شخصيات معارضة أم لا؟
وتقدم حزب “حماة وطن”، وهو أحد القوى السياسية الداعمة للحكومة، بتعديل تشريعي يغلظ عقوبة انتهاك حرمة الحياة الخاصة والتهديد بها، واستخدام الصور بطريقة غير مشروعة تمهد للابتزاز وتكرس انتهاك الخصوصية والتشهير والأذى.
وقال الحزب إن التشهير بحياة الناس عبر التصوير والتلفيق يتعارض مع كل الأعراف الإنسانية والقانونية، وفي ظل فراغ تشريعي سيظل المجتمع يعاني من الابتزاز.
إيهاب رمزي: المشروع لا علاقة له بالسياسة فهو يكافح كل أنواع انتهاك الحياة الخاصة والحريات الشخصية
وتزامن التشريع الخاص بمكافحة الابتزاز الإلكتروني وانتهاك الخصوصيات مع واقعة انتحار فتاة بعد قيام شبان بتهديدها بصورها الخاصة وتلفيقها لإجبارها على إقامة علاقة غير مشروعة، وأصدرت النيابة العامة مناشدة بسرعة تغليظ العقوبة.
وتستهدف التعديلات المتوقع أن يقرها البرلمان قريبا ترهيب الأشخاص الذين يستسهلون توظيف الصور في الابتزاز، ما يترتب عليه إلحاق الأذى بالضحية ودفعها إلى التخلص من حياتها هربا من مطاردات المجتمع لها.
وأصبح الابتزاز الإلكتروني ظاهرة عصية على الحل في مصر، ومع كل واقعة تُتهم الحكومة بالعجز عن حماية الناس من المتطفلين على حياتهم وتعاملها باستخفاف مع الاستهداف المتواصل ضد السيدات تحديدا، رغم ترسانة التشريعات التي تعاقب على سوء استغلال منصات التواصل الاجتماعي.
وأدى عدم معاقبة من قاموا بتسريب مكالمات خاصة وإذاعتها على الناس إلى التشكيك في الخطوة الجديدة، وما إذا كانت تشمل هذا النوع من الابتزاز، لأنه في النهاية يضر بخصوصية بعض الأشخاص، خاصة من المحسوبين على المعارضة.
وأكد البرلماني والخبير القانوني إيهاب رمزي لـ”العرب” أن الابتزاز يترتب عليه دمار أسر وحالات انتحار، ونتائج ذلك على المجتمع خطيرة، وأنه لا يمكن استمرار حالة الفراغ التشريعي الخاصة بمحاربة انتهاك الخصوصية قائمة، فلا توجد عقوبة للشخص الذي يدفع غيره إلى الانتحار هربا من الوصمة والعار، وهذا يناقض حقوق الإنسان في أن يُعاقب من ابتزه بعقوبات قاسية.
وطرح البعض أسئلة حرجة حول التعديل التشريعي خوفا من التطرق إلى التصوير في ظل هواجس حكومية من الصورة عموما، لكونها صارت أداة ضغط عندما يتم التقاطها ونشرها على شبكات التواصل، وكثيرا ما تكون مقدمة لأزمات مجتمعية.
وسبق أن اتخذت الحكومة المزيد من الإجراءات القانونية لمواجهة الضغط المتصاعد عليها بسبب استغلال بعض الصور بشكل سلبي وتوظيفها في وقائع تشهير وإثارة الرأي العام لأغراض سياسية.
ويرى مؤيدون للخطوة أن قصر العقوبات على منتهكي الحريات الخاصة مقبول، لأن الأغلبية المجتمعية صارت تستسهل الاعتداء على الخصوصيات، شريطة أن يتم توضيح ذلك للرأي العام قبل المصادقة على القانون ومنع استغلاله سياسيا بعد ذلك.
ويخشى البعض من قيام دوائر حكومية باستغلال منع الصورة لاحقا لتجعل منها تهمة تطارد أصحابها تحت مسميات مختلفة بدعوى أنهم ارتكبوا فعلا مخالفا للقانون، وأرادوا انتهاك الخصوصيات، مع أن الصورة نفسها قد لا تستهدف أشخاصا بعينهم.
وأوضح إيهاب رمزي أن المشروع المطروح ليس له علاقة من قريب أو بعيد بالنواحي السياسية، ويستهدف تحقيق المزيد من الضبط ومحاربة التصرفات المشينة التي تؤذي الغير، فمن يقوم بتصوير شخص في غرفة نومه يجب أن يُعاقب، وإذا تجاوز آخر في حق الغير بتصويره خلسة وهو في مكان خاص يجب أن يُعاقب أيضا، بالتالي فالموضوع اجتماعي وإنساني وأخلاقي بشكل كامل.
التعديلات القانونية تستهدف ترهيب الأشخاص الذين يستسهلون توظيف الصور في الابتزاز، ما يترتب عليه إلحاق الأذى بالضحية
وترى بعض الأصوات أن غياب ثقافة احترام الخصوصيات مرتبط بميراث ثقافي، حيث اعتادت حكومات سابقة انتهاك الحياة الخاصة لأفراد عاديين ومعارضين لإرغامهم على الصمت أو إجبارهم على مسار بعينه لا يتفق مع قناعاتهم.
ولأن الأغلبية تفتقد إلى المثل الأعلى اجتماعيا وسياسيا في احترام الحريات الخاصة، فأي تشريع يعاقب المتهمين بالابتزاز، مهما كان شكله، لن يحقق الغرض المطلوب قبل تغيير نهج دوائر تستسهل الابتزاز أحيانا لتكون مؤمنة بالخصوصيات.
وأكد النائب إيهاب رمزي أن التشريع الجديد يكافح كل أنواع انتهاك الحياة الخاصة ويحاسب كل متطفل أو مخترق للحريات الشخصية، أيا كانت صفته، مستبعدا أن يكون وراء التعديلات القانونية أبعاد سياسية يلمّح إليها البعض.
وترى قوى معارضة أنه حال تمرير التشريع بطريقة تضمن عدم دس السم في العسل لتكون العقوبة قاصرة على حماية الحريات الخاصة عموما ومنع انتهاكها من مختلف الجهات والأفراد، فهذا في حد ذاته مكسب للمجتمع وبعض الأصوات السياسية لن تستيقظ على تسريب أو ابتزاز، وهو ما يُحسب للحكومة.