فرنسا تفضل سحب قواتها من مالي على الاعتراف بالانقلابيين

مناقشات أوروبية لتكييف إجراءات مكافحة الجهاديين مع الوضع السياسي الجديد في مالي.
السبت 2022/01/29
إعادة الانتشار في دول مجاورة سيناريو ممكن إنجازه

يعكس تلميح فرنسا باستعدادها للذهاب في سيناريو سحب قواتها من مالي وإعادة نشرها في دول مجاورة تصلبا في مواقف باريس من المجلس العسكري الحاكم في باماكو الذي يسعى للمقايضة بين الاعتراف به وتذليل العقبات لتكريس حكمه أو الانفتاح على الخصم الروسي.

باريس - حذر وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان الجمعة من أن القوات الفرنسية والأوروبية لا تستطيع “البقاء على هذا الوضع” في مالي وتدرس طرقا “لتكييف” إجراءاتها لمكافحة الجهاديين في منطقة الساحل، فيما تواصل العلاقات تدهورها بين باريس والمجلس العسكري المالي الذي استعان بمجموعة المرتزقة الروس فاغنر وطلب من القوات الدنماركية المنخرطة في تاكوبا مغادرة البلاد.

وتثير استعانة باماكو بالمرتزقة الروس مخاوف فرنسية من فقدان نفوذها في المستعمرة السابقة كما فقدته في جمهورية أفريقيا الوسطى بعد تغلغل فاغنر في البلاد، ما يهدد المصالح الفرنسية في القارة الأفريقية.

وتصاعد التوتر بين مالي وفرنسا بعدما لم يجر المجلس العسكري انتخابات في أعقاب انقلابين عسكريين حيث دعمت باريس عقوبات إقليمية ودولية على قادة الانقلاب.

ويرى محللون أن السلطات الانقلابية في مالي تحاول استغلال المخاوف الفرنسية من التغلغل الروسي لتثبيت أركان حكمها وانتزاع اعتراف من فرنسا بحكمها وهو ما لم تقبل به باريس.

جان إيف لودريان: فرنسا لا تستطيع البقاء على هذا الوضع في مالي

وقال لودريان “نظرا لانهيار الإطار السياسي والإطار العسكري في مالي لا يمكننا البقاء على هذا النحو”.

وأكد “لا يمكننا البقاء على هذا النحو. من الواضح أن الوضع كما هو لا يمكن أن يستمر”، من دون أن يوضح ما إذا كان يشير إلى انسحاب محتمل لقوة برخان الفرنسية من مالي.

وأضاف “إنه ليس قرارا فرنسيا فحسب بل قرار جماعي وقد بدأنا الآن مناقشات مع شركائنا الأفارقة ومع شركائنا الأوروبيين لمعرفة كيف يمكننا تكييف نظامنا وفقا للوضع الجديد” في مالي.

وشدد وزير الخارجية الفرنسي على ضرورة استمرار مكافحة الجهاديين في المنطقة، مشيرا إلى أن التهديد امتد إلى دول خليج غينيا.

وقال “يجب أن نواصل مكافحة الإرهاب الذي انتشر في جميع أنحاء المنطقة، وليس فقط في مالي”، مؤكدا “يجب أن ننظم أنفسنا لمواصلة مكافحة الإرهاب مع كل الذين هم على استعداد لمحاربته معنا“.

وأعادت فرنسا تنظيم قواتها في مالي في 2021 مما قلص وجودها العسكري في الشمال وعزز دور مجموعة القوات الخاصة الأوروبية تاكوبا التي تم إنشاؤها بمبادرة منها.

لكن العلاقات واصلت تدهورها بين الأوروبيين والمجلس العسكري المالي الذي استعان بمجموعة المرتزقة الروس فاغنر وطلب من القوات الدنماركية المنخرطة في تاكوبا مغادرة البلاد.

ودان لودريان تصريحات مسؤول كبير في المجلس العسكري المالي دعا الخميس وزيرة القوات المسلحة الفرنسية فلورنس بارلي إلى التزام الصمت.

وقال “هذا أمر غير لائق لأن بارلي هي وزيرة القوات المسلحة للجمهورية الفرنسية في الجمهورية التي حشدت جنودها للذهاب والسماح لمالي بالحفاظ على حريتها وسيادتها”.

وأصر لودريان الذي كان وزيرا للدفاع عندما انضمت فرنسا إلى القتال على أن “هناك قتلى فرنسيين من أجل حرية مالي وتصرف المسؤولين الماليين بهذه الطريقة أمر غير لائق”. وقتل 53 جنديا فرنسيا في معارك في منطقة الساحل.

وتأتي تصريحات لودريان بينما عقدت الدول المشاركة في القوة الأوروبية مؤتمرا عبر الفيديو الجمعة يتناول مستقبل مجموعة القوات الخاصة الأوروبية تاكوبا التي أنشئت في 2020 بمبادرة من فرنسا بهدف تقاسم الأعباء في الساحل.

وأعلنت الدنمارك الخميس أنها ستبدأ سحب كتيبتها المؤلفة من نحو 100 جندي من مالي تلبية للطلبات المتكرّرة التي وجّهها إلى كوبنهاغن المجلس العسكري الحاكم في الدولة الأفريقية.

وهذه الفرقة التي تشكل رمزا لفكرة أوروبا الدفاعية العزيزة على إيمانويل ماكرون وتضم نحو 900 جندي اليوم، مهددة بالزوال في الوقت الذي نجحت فيه باريس في إقناع العشرات من الدول بوجوب مساعدتها.

وأعلنت النيجر المجاورة أنها لن تستقبل هذه البعثة على أراضيها. وفي أوج الرئاسة الفرنسية للاتحاد الأوروبي وقبل ثلاثة أشهر من الانتخابات الرئاسية الفرنسية ستكون أي انتكاسة مريرة.

الانسحاب لم يحسم بعد
الانسحاب لم يحسم بعد

وما يزيد من خطورة ذلك هو أن حصيلة أداء تسع سنوات من التدخل بعيدة عن أن تكون مرضية.

واحتفظت الجماعات الجهادية التابعة للقاعدة بقدرات كبيرة في إلحاق الضرر على الرغم من القضاء على العديد من قادتها.

أما الدولة المالية فلم تحاول يوما الاستقرار بشكل دائم في الأراضي المتروكة. وامتد العنف إلى وسط البلاد ثم إلى بوركينا فاسو والنيجر المجاورتين، قبل أن يطال جنوبا شمال كوت ديفوار وبنين وغانا.

وتحدثت مصادر أوروبية عن “مناقشات جماعية بين كل الدول الأعضاء في فرقة عمل تاكوبا، حول العواقب التي وصل إليها مستوى عدم الاستقرار في مالي وتأثيره على العمليات”.

وذكر مصدر فرنسي مطلع على الملف أن الآراء منقسمة بين دول أوروبية ليست مستعدة للعمل مع المجلس العسكري في مالي، وأخرى حريصة على عدم ترك المجال مفتوحا أمام النفوذ الروسي في منطقة الساحل.

عبدالله ديوب: لا نستبعد أي شيء في ما يتعلق بعلاقاتنا مع فرنسا

وفي الواقع يبدو أن فرقة تاكوبا، التي دشنتها فرنسا في مارس 2020 لتقاسم العبء مع شركائها الأوروبيين، صارت مهددة الآن بينما يضاعف العسكريون رسائل العداء تجاه باريس وشركائها معتمدين على شعور معاد للفرنسيين في المنطقة.

وأعلن وزير الخارجية المالي عبدالله ديوب الجمعة أن بلاده “لا تستبعد أي شيء” في ما يتعلق بعلاقاتها مع فرنسا، مؤكدا في الوقت نفسه أن مسألة خروج القوات الفرنسية من منطقة الساحل “ليست مطروحة في الوقت الحالي”.

وقال ديوب ردا على تصريحات لنظيره الفرنسي  إن “مالي لا تستبعد شيئا بالنسبة إلى هذه المسائل إن لم تكن تأخذ بمصالحنا”.

وأكد ديوب أن مالي على استعداد إذا اقتضى الأمر للتخلي عن الاتفاق الدفاعي الموقع مع فرنسا والذي طالبت مؤخرا بمراجعته، مشيرا إلى أن “بعض البنود مخالفة للدستور ولسيادة مالي”.

وتابع “نتوقع ردا سريعا من باريس. وفي حال لم نتلق ردا، تأكدوا أن مالي ستتولى مسؤولياتها”.

وأما بالنسبة إلى المطالبة برحيل القوات الفرنسية، فقال إن “هذه المسألة ليست مطروحة في الوقت الحالي”.

لكنه تابع “إذا اعتبر وجودها في وقت ما مخالفا لمصالح مالي، فلن نتردد في تحمل مسؤولياتنا، لكننا لم نصل إلى هذا الحد”.

5