التوتر بين إيران وأذربيجان قابل للتجدد مستقبلا

رغم هدوء التوتر بين طهران وباكو عقب وساطات أنهت صراعا على حدود إيران بين يريفان وباكو، فإن الخلافات بين أذربيجان وإيران لا تزال عميقة وقابلة للانفجار مستقبلا، إذ أن التسوية التي فرضتها كل من روسيا وتركيا هناك كانت على حساب المصالح الإيرانية.
واشنطن - شهدت العلاقات بين أذربيجان وإيران في أكتوبر من العام الماضي توترا واضحا اقترب من التلويح بالمواجهة العسكرية، إلا أن فرص تجددها لا تزال قائمة مستقبلا.
ويقول الباحث الأميركي آدم لامون إنه على الرغم من أن التوترات التي خيمت على البلدين في خريف عام 2021 قد هدأت الآن، فإن الاحتكاكات التي كانت أساس خلافهما لا تزال دون حل، ما يشير إلى أن تقاربهما قد يكون قصير الأجل.
ويضيف لامون أن الاعتراف باحتمال نشوب صراع في المستقبل يتطلب إعادة النظر في الصراع بين أرمينيا وأذربيجان في عام 2020 حول إقليم ناغورني قرة باغ، وهو جيب تديره أرمينيا ومعترف به دوليا كجزء من أذربيجان.
وبعد 44 يوما من القتال، استعادت القوات الأذرية جزءا كبيرا من الإقليم والمناطق السبع المجاورة له من أرمينيا، مما منح أذربيجان السيطرة الكاملة على حدودها السابقة مع إيران، بفضل الدعم العسكري التركي الحاسم والأسلحة الإسرائيلية، ثم أضفى وقف إطلاق النار الذي توسطت فيه روسيا الشرعية على الوضع الراهن الجديد على حساب إيران.
ويوضح لامون أن “مما لا شك فيه أن عجز إيران كان يظهر بشكل كامل طوال الحرب التي سقطت خلالها نيران المدفعية على الأراضي الإيرانية، وتجاهل المقاتلون دعوات طهران إلى وقف إطلاق النار وعروضها للتوسط في التوصل إلى حل”.

آدم لامون: التوتر بين إيران وأذربيجان عميق وقابل للانفجار
وعلاوة على ذلك، وبينما كانت أذربيجان وتركيا تهزمان أرمينيا، الشريك الإقليمي الاستراتيجي لإيران وجارتها الشمالية، دعمت طهران حق أذربيجان في “تحرير” أراضيها “المحتلة”، وهي خطوة محسوبة لقمع القومية الأذرية داخل إيران، والتأكيد على أن القانون الدولي وحده يحدد الحدود الوطنية.
ومع ذلك، فإن انتصار أذربيجان الذي أعقب ذلك لم يؤد إلا إلى شحذ شهيتها. وفي السادس من فبراير 2021، طالب الرئيس الأذري إلهام علييف بمنطقة سيونك جنوب شرق أرمينيا، وهدد بفتح ممر عبرها بالقوة.
وكان طريق النقل هذا الذي يربط أذربيجان بممر نخجوان غربا، والمعروف باسم ممر زانجيزور، هدفا أذريا وتركيا منذ فترة طويلة.
وفي يونيو 2021، وقّع علييف والرئيس التركي رجب طيب أردوغان “إعلان شوشة حول علاقات الحلفاء بين جمهورية أذربيجان وجمهورية تركيا”، وهو خارطة طريق سياسية واقتصادية عززت تحالفهما باتفاق دفاع مشترك وتعهد ببناء ممر زانجيزور.
ومن خلال توحيد أذربيجان كلها، سيربط هذا الممر بين الاتحاد الأوروبي وتركيا وآسيا الوسطى عبر بحر قزوين، مما يعزز هدف تركيا المتمثل في توحيد العالم التركي ووضع أذربيجان كـ”قوة موجهة ذات أولوية” لمبادرة الحزام والطريق الصينية.
ويثير هذا الموقف أسئلة مقلقة لإيران. ومن شأن الجهود الرامية إلى فرض ممر زانجيزور على أرمينيا الضعيفة أن تتجاوز الخط الأحمر لطهران ضد تغيير الحدود الدولية قسرا، مع زيادة النفوذ الإقليمي لتركيا بشكل ملموس.
وراقبت إيران عن كثب العلاقات السياسية والدفاعية المزدهرة لأذربيجان مع تركيا. وتقوم الجارتان، الدولتان اللتان غالبا ما توصفان بأنهما “أمة واحدة، ودولتان” بسبب ثقافتهما وتاريخهما المشتركين، بشحذ القوات المسلحة الأذرية في ما أسماه علييف “نسخة أصغر من الجيش التركي” من خلال التدريب المكثف والتدريبات المشتركة ومبيعات الأسلحة.
وشهدت إيران نتائج هذا التحالف في صراع عام 2020، فقد ساعد توفير تركيا لطائرات دون طيار متقدمة والمرتزقة السوريين أذربيجان على القضاء على القوات البرية الأرمنية.
وعلى الرغم من المصالحة الأخيرة بين أذربيجان وإيران، فإن بعض المحللين يحذرون من أن إعادة توحيد أذربيجان ستطوق إيران في “قوس تركي”، وبالتالي القضاء على اعتماد أذربيجان.
ويشير المحلل فؤاد تشيراجوف إلى أن خطط إيران وأذربيجان لدمج آفاق المنافسة الجيوسياسية العنيفة تضعف من الناحية الاقتصادية. ومع ذلك، فإن السياسات التكاملية اليوم يمكن أن تصبح مصادر نفوذ الغد عندما ترتفع حدة التوترات.
وتفسر هذه الديناميكيات الإقليمية المتغيرة سبب اندلاع التوترات مرة أخرى في خريف عام 2021.
وفي الثاني عشر من سبتمبر 2021، وفي نفس اليوم الذي بدأت فيه أذربيجان وتركيا وباكستان مناوراتها العسكرية “الإخوة الثلاثة 2021” في بحر قزوين إلى الشمال الإيراني، بدأت سلطات الحدود الأذرية في فرض “ضريبة على الطرق” على المركبات الإيرانية.
وأطلق الحرس الثوري الإيراني مناورة عسكرية غير مسبوقة على حدوده مع أذربيجان في الأول من أكتوبر 2021، بعد أيام فقط على الذكرى السنوية لحرب ناغورني قرة باغ، وكانت المناورات الحربية الإيرانية ردا على أكثر من مجرد نزاع حدودي.

وكان المسؤولون الإيرانيون صريحين في أن المناورات كانت ردا على زيادة النفوذ الإسرائيلي في أذربيجان.
ولدى إيران ما يدعوها إلى الارتياب من الشراكة الاستراتيجية بين إسرائيل وأذربيجان، والتي وصفها رئيس الأخيرة ذات يوم بأنها “جبل جليدي”، حيث “يقع تسعة أعشارها تحت السطح”.
ولا تشعر إيران بالقلق من أن أذربيجان تشتري معدات عسكرية إسرائيلية متقدمة بمليارات الدولارات فحسب، بل أيضا من أن الأصول العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية تعمل من الأراضي الأذرية.
ومن غير المستغرب أن نفي باكو وجهودها للتقليل من شأن علاقاتها القوية مع إسرائيل لم يتمكن من تهدئة المسؤولين في طهران.
ويدرك الإيرانيون جيدا أن أجهزة الاستخبارات والأمن لديها كافحت لسنوات لاحتواء حملة اغتيال وتخريب محرجة وفعالة، نسبت على نطاق واسع إلى إسرائيل، استهدفت منشآتها النووية وعلماءها.
ويقول لامون إنه إلى جانب قرار تركيا إرسال مرتزقة سوريين، استنكرهم الرئيس الإيراني السابق حسن روحاني باعتبارهم “إرهابيين حاربتهم إيران لسنوات”، للقتال إلى جانب أذربيجان في حرب ناغورني قرة باغ عام 2020، فإن لدى المسؤولين الإيرانيين سببا للاعتقاد بأن حروب المنطقة تعود إلى الوطن.