مصر تمول بالديون المستدامة برنامج "حياة كريمة"

تعتزم الحكومة المصرية طرق باب سندات التنمية المستدامة لتمويل المشروعات التي يجري تنفيذها من خلال المبادرة الاجتماعية "حياة كريمة" التي تهدف إلى تحقيق التنمية المُتكاملة لأكثر من نصف سكان البلاد عبر تطوير البنية التحتية والاستثمار في رأس المال البشري وتخفيف الأعباء الاقتصادية عن هذه الشريحة.
القاهرة - تسعى الحكومة المصرية بخطى حثيثة لتنويع مصادر اقتراضها من الخارج للحصول على سيولة نقدية من خلال التمويلات العالمية المبتكرة لتمويل المشاريع النافعة اجتماعيا في التعليم والصحة والإسكان والنقل.
وبحثت وزيرة التعاون الدولي رانيا المشاط مع ممثلي الأمم المتحدة بمصر مؤخرا سبل إصدار سندات التنمية المستدامة لتمويل المبادرة وتنفيذ الأهداف المرجوة من تنمية قرى الريف وتعزيز التأثير الإيجابي للمشاريع المنفذة وتطوير حياة المجتمعات المستهدفة بما يحقق الأهداف الأممية للتنمية المستدامة.
وتشبه سندات التنمية المستدامة نظيرتها من السندات الخضراء، لكن بدلا من تمويل مبادرات كفاءة الطاقة والطاقة المتجددة توجه الأموال إلى مجموعة واسعة من المشاريع النافعة إلى شريحة عريضة من المجتمع تعاني من الفقر.
ويعد هذا النوع من السندات جديدا على السوق المصرية ولا توجد قواعد محددة لإصداره أو جهات مخول لها المشاركة، ويمكن أن تلجأ الحكومة لإصدارها وفق الضوابط الحالية إلى آليات صدور السندات الخضراء لتسرّع طرحها بالأسواق الدولية.
وشهدت الساحة العالمية أخيرا سباقا بين الحكومات والشركات في طرح إصدار سندات التنمية المستدامة بشكل أكبر مما هو متوقع، فيما طالب معهد التمويل الدولي الأسواق الناشئة بالمزيد للحاق بالركب، حيث تُظهر العديد من المؤشرات أنها لا تزال بعيدة عن هذا الاتجاه.
وهذه هي المرة الأولى التي تتجه فيها السلطات المصرية نحو سندات التنمية المستدامة بغية تطوير خدمات الرعاية الصحية والتعليم، وتحديث شبكات الطرق وبناء المساكن وتحسين خدمات الصرف الصحي والكهرباء في القرى بحلول منتصف العام المقبل.

ولدى القاهرة سندات التنمية المستدامة التي ترتبط بالشركات المقيدة في البورصة فقط، ويُسمح لها بإدراج سندات تحت ذلك النوع تقابلها حوافز للاستثمار من صناديق استثمار الملكية الخاصة والمتخصصة وصناديق أدوات الدين.
وأطلق الرئيس عبدالفتاح السيسي مبادرة “حياة كريمة” عام 2019 بغية تطوير القرى المصرية وبدأت برفع مستوى معيشة المواطنين في 277 قرية من القرى الأكثر فقرا والتي يعيش نحو 70 في المئة من سكانها تحت خط الفقر، عبر تحديث البنية التحتية وتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية والتعليم وخدمات الرعاية الصحية، فضلاً عن توفير فرص العمل وتمكين المرأة.
وشهدت المبادرة مرحلة تجريبية في العام المالي قبل الماضي وركزت على تطوير بعض المناطق الأكثر فقرا، وخصصت نحو 860 مليون دولار لتطوير 375 قرية.
وقال علي الإدريسي أستاذ الاقتصاد بمدينة الثقافة والعلوم المصرية لـ”العرب” إن "الخطوة الحالية تأتي في إطار الانفتاح الاقتصادي على أسواق السندات الدولية، وهي خطوة تالية للسندات الخضراء السيادية التي أطلقتها مصر كأول دولة في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خلال 2020 لمشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة".
وتحتاج القاهرة إلى تمويلات ضخمة للمبادرة، لاسيما بعد أن توسعت فيها خلال ديسمبر 2020 بعد توجيه السيسي أن تشمل أكثر من 4500 قرية و58 مليون نسمة أو 56 في المئة من السكان، ويتم تنفيذها حتى العام المالي المقبل.
وأوضح الإدريسي أن إطلاق السندات الجديدة يعزز من توفير التمويل اللازم لمبادرة “حياة كريمة”، لأنه يصعب توفير تمويلها محليًا، ما يدعم نجاحها وتحسين الأحوال المعيشية التي تظهر في النهاية على الأداء الاقتصادي للأفراد، وتجني البلاد ذلك في مراحل لاحقة من خلال ارتفاع معدلات النمو الاقتصادي.
وقدرت الحكومة التكلفة الإجمالية للمبادرة بين 45 و50 مليار دولار، كما تعمل المبادرة على دراسة كل منطقة مستهدفة بشكل منفصل لمعرفة ما تحتاجه من البرنامج الاجتماعي للسكان، وبناءً على ذلك يخصص عدد من المشاريع المحددة والميزانية المطلوبة لكل قرية.
ومن شأن السندات الجديدة زيادة الديون الخارجية لمصر والتي تمثل عبئا كبيرا على السلطات، لكن الرهان على تلك السندات في أنها تشبه نظيرتها الخضراء، لذلك لن تزيد من أعباء الدين الخارجي بشكل مقلق.

وتراجع معدل الدين العام كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي المقدر بنحو 363.1 مليار دولار إلى قرابة 90.6 في المئة خلال العام المالي الماضي من مستويات 108 في المئة بنهاية عام 2017، وهي معدلات مقبولة بالنظر إلى ارتفاع الديون بالأسواق العالمية.
وحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري في يوليو الماضي فقد ارتفع حجم الدين الخارجي بنحو 5.6 مليار دولار في الربع الأول من العام المالي الجاري ليسجل 134.8 مليار دولار، مقارنة بنحو 129.2 مليار دولار بنهاية العام المالي السابق، ما يمثل نحو 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ومن المتوقع نجاح طرح سندات التنمية المستدامة في الأسواق العالمية، لأن مصر تعدّ من أكبر دول العالم التي تحدد سعر فائدة حقيقي على سنداتها، خاصة أن معدلات التضخم في الحدود المقبولة إذا جرت مقارنتها بدول أخرى منافسة، فضلاً عن مؤشرات الاقتصاد الكلي الإيجابية بشهادة مؤسسات دولية عززت الإقبال على السندات المصرية.
وأوضح وليد جاب الله عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع لـ”العرب” أن الحكومة تنتهج أسلوبًا يهدف إلى تنويع محفظة تمويلها من الخارج، يستند على استغلال فرص التمويل رخيص التكلفة لتحقيق متطلبات التنمية في البلاد.
وأشار إلى أن المبادرة الحالية في حاجة إلى تمويلات ضخمة لذلك تلجأ الحكومة إلى الأسواق الدولية من خلال دور وزارة التعاون الدولي أو مساهمات المجتمع المدني، متوقعا عدم تكبد الدين الخارجي أعباء إضافية بسبب السندات الجديدة مع الفائدة المنخفضة للغاية على تلك السندات.
ولا يوجد شعور بالقلق تجاه معدلات الديون إذا كانت آخذة في الانخفاض كنسبة من الناتج المحلي، وهو أمر متوقع للحالة المصرية، كما أن القروض تهدف إلى التمويل المستدام الذي يدفع معدلات النمو الاقتصادي للارتفاع وزيادة الناتج المحلي للبلاد.
وأطلقت وزارة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج العام الماضي مبادرة لجمع تمويلات لمبادرة “حياة كريمة”، وأعلنت وزيرة الهجرة نبيلة مكرم أنه تم جمع تبرعات من المصريين بالخارج تقدر بنحو 320 ألف دولار، وأن المغتربين يسعون لدعم المبادرة ماديا ومعنويا منذ انطلاقها.