حزب المحافظين البريطاني أمام تحدي مكافحة الإسلاموفوبيا

يواجه حزب المحافظين الحاكم في بريطانيا مجددا اتهامات بتغذية الإسلاموفوبيا في صفوفه، وهو ما يعمق الجدل المجتمعي بشأن جدوى الاستراتيجيات الحكومية في مكافحة الظاهرة ما دامت عاجزة عن تطويقها داخل المؤسسات السياسية.
لندن - يواجه رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون دعوات إلى إجراء تحقيق بعد أن قالت نائبة عن حزب المحافظين إنه جرى إبلاغها بأنها أقيلت من منصبها الوزاري لأن عقيدتها الإسلامية “تجعل زملاءها يشعرون بعدم الارتياح”، ما يضع الحزب الحاكم أمام تحدي مكافحة الإسلاموفيا داخله قبل الحديث عن مكافحتها داخل المجتمع.
ونقلت وكالة “بي.أي ميديا” البريطانية عن نصرت غني قولها إنه عندما تم إبلاغها باستبعادها من منصب وزيرة الدولة للنقل في عام 2020 أبلغها مسؤول عن الانضباط في البرلمان بأن “إسلامها” كان قضية مثارة خلال اجتماع لبحث إجراء التعديل الوزاري في مقر الحكومة في داوننغ ستريت.
وقالت غني “كان الأمر أشبه بلكمة في البطن. شعرت بالذل والضعف”، فيما ذكر نائب رئيس الوزراء البريطاني أن غني لم تقدم شكوى رسمية بشأن مزاعم بأنه تمت إقالتها من منصبها الوزاري بسبب ديانتها الإسلامية.

نصرت غني: كان الأمر أشبه بلكمة في البطن، شعرت بالذل والضعف
وقال دومينيك راب نائب رئيس الوزراء البريطاني الذي يتولى أيضا منصب وزير العدل الأحد إن مثل تلك الشكوى ستكون هناك حاجة إليها لبدء تحقيق رسمي بشأن الحادث.
وأضاف راب لتريفور فيليبس مذيع قناة سكاي نيوز الأحد “مع عدم القيام بذلك، لن يكون هناك أي تحقيق محدد”، مؤكدا أن مزاعم غني “خطيرة بشكل لا يصدق”.
وتسببت مزاعمها الصادمة خلال حوار مع صحيفة صنداي تايمز في إدانات فورية من مشرعي حزب المحافظين وأيضا من أحزاب المعارضة، مع مطالب بإجراء تحقيق.
وفي خطوة مثيرة قال مارك سبنسر كبير مسؤولي الحكومة للانضباط الحزبي إنه الشخص الوحيد الذي تحدث مع غني، وعلى الرغم من ذلك نفى بشدة استخدام الكلمات التي ادعتها غني.
وقال في بيان على تويتر “لضمان عدم انجرار أحد آخر من الانضباط البرلماني في هذه القضية، فإنني أعلن عن نفسي بأني الشخص الذي تتناوله ادعاءات عضو البرلمان نصرت غني في هذه الليلة”.
وتابع “هذه الاتهامات عارية تماما عن الصحة وأعتبرها تشهيرا. أنا لم استخدم مطلقا تلك الكلمات التي نسبت إلي”.
وبعد أن أكد أعضاء الحزب لغني أنهم ليسوا معادين للإسلام، تم إبلاغها لاحقا أنه إذا استمرت في إثارة مخاوف بشأن إقالتها، سيتم نبذها من قبل زملائها وسيتم تدمير سمعتها.
وأصبح مسؤولو الانضباط الحزبي في الحكومة في دائرة الضوء بعد أن اتهمهم النائب عن حزب المحافظين وليام راغ بـ”ابتزاز” منتقدي جونسون من أجل منعهم من محاولة الإطاحة به.
وذكر مكتب جونسون أن رئيس الوزراء كان على علم باتهامات غني في ذلك الوقت، وأنه دعاها إلى تقديم شكوى رسمية.
وقال متحدث باسم داوننغ ستريت “بعد علمه بهذه الادعاءات الخطيرة للغاية، التقى رئيس الوزراء بنصرت غني لمناقشتها”.
وأضاف “ثم كتب إليها معربا عن قلقه الشديد وداعيا إياها إلى بدء إجراءات شكوى رسمية. ومن ثم لم تقم بذلك. لا يتسامح حزب المحافظين مع أي نوع من التحيز أو التمييز”.
ووصف وزير العدل دومينيك راب تصريحات غني بأنها “ادعاء خطير للغاية”، لكنه قال لبرنامج “صنداي مورنينغ” في “بي.بي.سي” إنه من المحتمل أن يكون هناك تحقيق لا أكثر إذا قدمت غني شكوى رسمية.
وأجرى المفوض السابق للمساواة وحقوق الإنسان سواران سينغ تحقيقا في مزاعم رهاب الإسلام داخل حزب المحافظين قبل عامين.
وقام بتحليل 727 حادثة منفصلة تم تسجيلها بين عامي 2015 و2020 ولم يجد أي دليل على “إسلاموفوبيا مؤسسية”، لكنه انتقد شخصيات بارزة في الحزب بمن في ذلك جونسون.
ووجد حزب المحافظين البريطاني نفسه في موقف دفاعي بعد الانتقادات التي طالته والتي من المرجح أن تجبره على إعادة ضبط سياساته لمسح الصورة النمطية المتجذرة تجاهه كونه أحد مغذي نزعة الكراهية للمسلمين باعتبار أن تفشي مشاعر الإسلاموفوبيا من بين أكثر المشكلات التي قد تفتك بوحدة المجتمع.
وتم اتهام جونسون نفسه لكتابته مقالا في عام 2018 عندما كان وزيرا للخارجية وصف فيه المسلمات اللواتي يرتدين النقاب بـ”صناديق البريد” أو “لصوص المصارف”، واعتبر التقرير أن ذلك يعطي الانطباع بأن “الحزب وقيادته لا يحترمان الجاليات المسلمة”.
وأعرب جونسون عن “أسفه” وردّ في التقرير قائلا “هل سأستخدم بعض الكلمات التي أساءت في مقالاتي السابقة الآن؟ كلا، ليس الآن بعد أن أصبحت رئيسا للوزراء”.
وكان حزب المحافظين الحاكم قد واجه طيلة السنوات الأخيرة انتقادات على خلفية تورط عدد متزايد من مسؤوليه في وقائع متعلقة بظاهرة الإسلاموفوبيا.
تصريات غني خلال حوار مع صحيفة صنداي تايمز تسببت في إدانات فورية من مشرعي حزب المحافظين وأيضا من أحزاب المعارضة، مع مطالب بإجراء تحقيق
وأشارت العديد من التقارير والإحصائيات طيلة السنوات الأخيرة إلى أن جونسون وحزبه ساهما بشكل كبير في جعل كراهية المسلمين ظاهرة مقبولة اجتماعيا حيث أصبحت أكثر انتشارا من معاداة السامية.
وبدأت الحكومة البريطانية منذ سنوات باتخاذ خطوات عملية لمكافحة جرائم الكراهية كان من بينها إطلاق مجموعات عمل مناهضة لجرائم الكراهية ضد المسلمين عام 2012 بالتعاون مع المجتمع المدني، لتشكّل منصة للمسلمين ضحايا هذا النوع من الجرائم للحديث مع هيئات حكومية تتولى مسؤولية معالجة هذه القضايا.
وأطلقت وزارة الداخلية البريطانية في 2016 خطة عمل تتعلق بمكافحة جرائم الكراهية ومنها جرائم الكراهية ضد المسلمين وكيفية مساعدة الضحايا، كما قدمت الحكومة في ذلك العام قرابة 2.4 مليون جنيه إسترليني كدعم لأفراد الأمن في أماكن العبادة ومنها مساجد تعرضت أيضا لجرائم الكراهية.
وهاجمت رابطة المسلمين في بريطانيا الأحد حزب المحافظين، قائلة “تسرب الإسلاموفوبيا إلى الحمض النووي لحزب المحافظين يعني أنه يعيد إنتاج نفسه دون تفكير، وإن إنكار هذا الرهاب من الحزب هو اختبار للولاء بالنسبة إلى المسلمين المحافظين”.
وكان تقرير حكومي نشر مؤخرا عن العنصرية وتناول دور العرق في الفوارق الاجتماعية في بريطانيا قد أثار انتقادات عديدة، حيث خلص إلى أن بريطانيا ليست عنصرية بنيويا، وأنها نموذج للدول ذات الأغلبية البيضاء في التعامل مع الأقليات العرقية.
وأفادت دراسة استقصائية حديثة نهاية العام الماضي بأن المسلمين هم المجموعة الأكثر تعرضا للتعصب الديني في بريطانيا، كما أنهم الأكثر احتمالا لتبني مواقف سلبية تجاه أتباع الديانات الأخرى.
ويعيش في بريطانيا حوالي 3 ملايين مسلم، يتوقع أن يصل عددهم عام 2030 إلى 5.5 مليون.