فان غوخ حلاقا

هولندا هي البلد الأكثر تشددا في الإغلاق باعتباره إجراء وقائيا في مواجهة جائحة كورونا. ولكنها سمحت من أجل استعادة شيء من صورة الحياة الطبيعية لصالونات الحلاقة والنوادي الرياضية والمطاعم والحانات بفتح أبوابها، في حين استمرت أبواب المتاحف وقاعات الموسيقى والمسارح مغلقة.
كان ذلك إجراء غريبا واجهه الناشطون في مجال الثقافة بالاحتجاجات التي لم تكترث بها السلطات. ذلك ما دفع مدراء المتاحف وقاعات الموسيقى إلى القيام باحتجاج غريب من نوعه حين قاموا بتظاهرة تمزج بين الغضب والسخرية.
لقد حولوا باحات المتاحف وقاعات الموسيقى إلى صالونات حلاقة وقاعات لممارسة التمارين الرياضية.
وكان اللافت في الأمر أن يقوم المرء بحلاقة شعر رأسه محاطا بلوحات فنية لا تقدر بثمن في متحف الهولندي فنسنت فان غوخ، أو يقوم عدد من الشباب بممارسة التمارين الرياضية بالقرب من لوحة فيرمير التي تعود إلى عصر الباروك “الفتاة ذات القرط الذهبي”.
لا أتوقع أن فنسنت الذي قطع أذنه في لحظة انهيار عصبي يظن الكثيرون أنها كانت تتويجا لعشق غامض سيغضب لو أنه كان من بين المدعوين لحضور تلك التظاهرة في متحفه. فهو وإن لم يحلم بأن يضم متحفٌ أعمالَه التي لم تنظر إليها الأوساط الفنية الفرنسية في حياته بتقدير كان يدرك أنه سيكون حاضرا في المستقبل باعتباره الرسام المتمرد على قوانين الرسم الغربي وستكون أعماله متاحة للملايين من المشاهدين الذين يتوافدون على بلده من أجل أن يلقوا التحية على عبقريته.
سيكون سيئا بالنسبة إليه أن يتم الحجر على تلك العبقرية بغض النظر عن السبب.
لقد وهب فنسنت بلده هولندا شهرة جذبت الملايين من السياح المولعين بفنه، وهو ما يمكن أن يدفعه إلى اعتبار قرار السلطات الصحية نوعا من الحماقة.
“ألا يزال الهولنديون الذين هربت منهم إلى باريس ومن ثم إلى آرل في الجنوب الفرنسي مفرطين في حماقاتهم؟” سيتساءل فنسنت في تعليق منه على إغلاق متحفه خوفا من الاختلاط فيما تضج المطاعم والحانات بالزبائن الذين لا يرتدون الكمامات وهم يأكلون أو يشربون.
زيارة متحف هي أكثر أمنا من ارتياد مطعم فما من احتكاك في المتاحف، كما أن الزائر لن يحتاج إلى خلع الكمامة ليرى صورا.
غير أننا لو نظرنا إلى الاحتجاج الهولندي من زاوية أخرى سنلاحظ أنه ينطوي على شيء من الجنون لا ينتسب إلى مقولة “الفنون جنون” بل إنه يضعنا في مواجهة الاضطراب الذي تعيشه البشرية في مرحلة الفوضى التي سببها رفض ذلك الفايروس الضيف المزعج أن ينهي زيارته سعيا منه إلى أن يكون مالكا للبيت.