هل ينقذ تهديد واشنطن بالعقوبات انتخابات الصومال

مقديشو - دفع فشل القادة الصوماليين في تنفيذ جدول الانتخابات الرئاسية والبرلمانية أكثر من 5 مرات خلال 18 شهرا، الولايات المتحدة إلى التهديد بفرض عقوبات على كل من يعرقل اتفاقا جديدا بشأن المسار الانتخابي، في خطوة يصفها مراقبون بالمؤثرة والفعالة كون واشنطن الداعم الأول للصومال في مختلف المجالات ونجحت سابقا في الضغط لتعديل المسار عند محاولة البرلمان تمديد ولاية الرئيس محمد عبدالله فرماجو المنتهية لمدة عامين.
وفي الثالث عشر من يناير الجاري قالت الخارجية الأميركية، عبر بيان، إن “انتخابات الصومال تأخرت أكثر من عام عن موعدها”، وإن واشنطن “مستعدة لاتّخاذ إجراءات ضد من يعرقلون إجراءها، إذا لم يتم احترام الجدول الزمني الجديد الذي حدّده المؤتمر التشاوري الوطني”.
ويرى محللون أن هذا التهديد موجه إلى الفاعلين السياسيين والنظام الحالي، لثنيهم عن احتمال تقويض جدول الانتخابات الأخير الذي جرى التوصل إليه خلال المؤتمر التشاوري، في التاسع من يناير الجاري.
واتفق رئيس الحكومة محمد حسين روبلي ورؤساء الولايات الفيدرالية الخمس، في هذا المؤتمر على الانتهاء من انتخابات مجلس الشعب (الغرفة الأولى للبرلمان – 275 نائبا) خلال 40 يوما بين الخامس عشر من يناير الجاري والخامس والعشرين من فبراير المقبل.
وتعثر تنظيم الانتخابات مرارا جراء خلافات حول إجراءاتها، ونشبت أزمة سياسية بين روبلي وفرماجو، وتبادلا اتهامات بالمسؤولية عن فشل العملية الانتخابية.
ويقول مراقبون إن الأزمة بين فرماجو وروبلي زادت من مخاوف شركاء الصومال الدوليين، وفي مقدمتهم واشنطن، من احتمال الانزلاق إلى الفوضى، إذ يرون أن الانتخابات هي المخرج الوحيد من الأزمة في بلد هش يتعافى من تداعيات حرب أهلية اندلعت إثر انهيار حكومته المركزية عام 1991.
وخيم التباطؤ على العملية الانتخابية طيلة عام 2021، جراء خلافات حول إجراءاتها، ولاسيما تشكيل اللجان الخاصة بها، ولذا لم يكتمل إجراء الانتخابات البرلمانية في الخامس والعشرين من ديسمبر الماضي كما كان متفقا عليه، ما استدعى اتفاقا جديدا على موعد ينتهي في الخامس والعشرين من فبراير المقبل.
ومنتصف نوفمبر الماضي، اكتملت انتخابات مجلس الشيوخ (الغرفة الثانية للبرلمان – 54 عضوا)، فيما تتواصل انتخابات مجلس الشعب في بعض الولايات، بينما لم يتحدد بعد تاريخ لإجراء انتخابات رئاسية.
وانتهت ولاية البرلمان في السابع والعشرين من ديسمبر 2020، فيما انتهت ولاية فرماجو في الثامن من فبراير 2021، لكنه مستمر في الرئاسة لعدم اكتمال العملية الانتخابية بعد.
وعلّق روبلي ضمنيا على التهديدات الأميركية بالقول “ندرك الرسائل الصادرة من قبل شركائنا لتنفيذ جدول الانتخابات، وعلينا الالتزام بالسقف الزمني للانتخابات وتحقيق تطلعات الشعب الصومالي من أجل إنهاء الأزمة السياسية”.
واعتبر النائب البرلماني السابق محمد أمين أن “الرسائل الأميركية واضحة وموجهة إلى الشخصيات الفاعلة في العملية الانتخابية، وأتوقع التزام السياسيين هذه المرة بالجدول الذي سيعيد البلاد إلى مسار التداول السلمي للسطلة، بعد أن صار محل شك بسبب الخلافات السياسية”.
وبشأن العقوبات الأميركية المحتملة في حال عرقلة الانتخابات، قال عبدالرحمن عينتي، وزير التخطيط الصومالي الأسبق، في تصريح متلفز مؤخرا، إن واشنطن لديها العديد من الخيارات لفرض عقوبات، منها ما يُفرض على الدول والأشخاص حسب توجه السياسة الخارجية الأميركية تجاه البلاد.
وفي الصومال، يختار شيوخ القبائل وممثلون للمجتمع المدني، بالتعاون مع لجنة الانتخابات على مستوى الولايات، حوالي 30 ألف مندوب ينتخبون أعضاء مجلس الشعب، أما أعضاء مجلس الشيوخ فينتخبهم أعضاء برلمانات الولايات.
ويقول المحلل السياسي عبدالرحمن معلم إن “التهديدات الأميركية مؤثرة وفعالة على السياسة الصومالية”.
ويضيف أن “التهديدات الأميركية في أبريل 2021 أعادت العملية السياسية إلى مسارها الصحيح، بعد إعلان واشنطن استعدادها معاقبة كل من يقوض السلام والاستقرار في البلاد، إثر محاولة البرلمان تمديد ولاية الرئيس فرماجو المنتهية لمدة عامين”.
عبدالرحمن عينتي: واشنطن لديها العديد من الخيارات لفرض عقوبات على الصومال
وتابع عبدالرحمن “تهديدات واشنطن الحالية، والتي تضمنت فرض عقوبات على المعرقلين في حال تأجيل الانتخابات مجددا، تمنح الشعب الصومالي، المتخوف من تداعيات عدم إجراء الانتخابات، نوعا من الأمل، كما تشكل ضغطا على الفاعلين السياسيين”.
وأردف أن هذه “التهديدات ربما لا علاقة لها بنزاهة وشفافية الانتخابات؛ بسبب صيغة الانتخابات غير المباشرة، وهي عملية سهلة التزوير، سواء من قبل النظام الحالي أو رؤساء الولايات الفيدرالية، لكنها (التهديدات) تراعي التزام الفاعلين السياسيين بجدول الانتخابات المتفق عليه”.
ويرى محللون أن رسائل التهديد الأميركية ليست محض صدفة، وإنما تنطلق من رغبة واشنطن الكاملة في إنجاح جهود دعمها للصومال طيلة السنوات الماضية.
ويقول حسن شيخ أستاذ في العلاقات الدولية إن “واشنطن هي الداعم الأكبر للصومال في شتى المجالات، ولا تريد أن تنزلق البلاد إلى مرحلة الفوضى”.
واعتبر بأن واشنطن “تدرك ما يجري في إثيوبيا (جارة الصومال) من تدهور أمني ناجم عن تأخر العملية الانتخابية، ولتفادي هذا السيناريو بدأت تصَّعد لغة التهديدات لإجبار قادة الصومال على إجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية”.
وتحمل التهديدات الأميركية العديد من الرسائل على الصعيد الداخلي، منها ضرورة تخلي قادة البلاد عن خلافاتهم السياسية، وعدم التباطؤ في الانتخابات من قبل رؤساء الولايات الفيدرالية، حيث لم تبدأ ولاية بونتلاند انتخابات مجلس الشعب حتى الآن رغم إجراء بعض الولايات للانتخابات منتصف نوفمبر الماضي.
وتشعر واشنطن أيضا بوجود منافسة في المنطقة من قبل الصين وروسيا، وبهذه التهديدات تهدف إلى تعزيز دورها في البلد الذي يمرّ بمرحلة انتقالية من السهل التأثير عليها سياسيا وأمنيا من قوى خارجية منافسة لها.