"أطياف" فيلم تونسي يكشف أسرار مجتمع فاسد ويثير الجدل

الليل أرض المظلومين المليئة بالعنف والقسوة والمرارة في تونس.
الخميس 2022/01/20
طبقات مسحوقة ولا أحد يبالي بها

على غرار الروايات أو اللوحات أو غيرها من الأعمال الفنية تحاول الكثير من الأفلام الدخول إلى عالم الديستوبيا، ذلك العالم الموحش والقاسي حيث يطال الفساد كل شيء ويسحق الناس بلا رحمة وتتدهور مصائرهم من سيء إلى أسوأ. تعرية هذه العوالم تتطلب جرأة كبيرة، وهو ما نجح فيه السينمائي التونسي مهدي هميلي، ولو أن عالمه الذي يرسمه في فيلمه الجديد “أطياف” واقعي أكثر من كونه خياليا.

تونس- الفيلم الجديد “أطياف” للمخرج الشاب مهدي هميلي هو التجربة الروائية الطويلة له بعد فيلم “تالة مون آمور” (2016)، وصار متاحًا في قاعات السينما التونسية بداية من يوم الأربعاء التاسع عشر من يناير 2022.

وهذا العمل الجديد (أطياف) هو من إنتاج تونسي – فرنسي، ومن بطولة عفاف بن محمود وإيهاب بويحيى والفنانة زازا وسارة الحناشي وسليم بكار. ويدوم العرض ساعتيْن وتتمحور أحداثه حول أمّ تعمل جاهدة في مصنع وتحاول بكل وسيلة تحقيق حلم ابنها ليصبح حارسا محترفا في كرة القدم، لكنها تدخل السجن ظلما بتهمة “الزنا”، ثم تغادره بعد انقضاء مدة الحكم لتشق طريقها بحثا عن ابنها الذي سلك طريق الانحراف.

ويطرح المخرج في فيلمه العديد من القضايا الاجتماعية المتعلّقة بالعلاقات الأسرية، بالإضافة إلى استشراء العنف في المجتمع واستفحال ظاهرة الفساد بعد الثورة، كما لم يُفوّت ربط القضايا الاجتماعية المطروحة في الفيلم بالقضايا السياسية، مسلّطا عدسة الكاميرا على مشاهد العنف والقسوة والوحشية التي تسم المجتمع بمختلف أطيافه.

عالم الليل

مهدي هميلي: أردت أن يكون فيلمي صورة عن الواقع الصادم

لقد ارتكزت أحداث الفيلم على عنصر مهمّ جدّا هو الزمان، وهو “الليل” الذي طغى على مختلف مشاهد الفيلم. وقد وظّف مهدي هميلي زمن الليل لينير العتمة على مظاهر العنف والوحشية بمختلف أشكالها وهي ظواهر استشرت بعد الثورة.

 وتميّزت الحياة الليلية، وفق ما جاءت به أحداث الفيلم، بحوادث الاغتصاب والعنف وتعاطي المخدّرات وممارسة البغاء وغيرها. أما أشكال العنف التي أبرزتها الكاميرا فهي العنف اللفظي والعنف المادي والعنف الرمزي. وعديدة هي أشكال العنف الأخرى، ومنها ما هو على أساس الجنس كالعنف المسلّط على المرأة.

والعالم الليلي لفيلم “أطياف” وظّفه المخرج أيضا لإبراز رغبة الشباب في التحرّر من سلطة الأبوين وكذلك من رقابة المتشدّدين دينيا، وكأن الليل بالنسبة إلى هؤلاء الشباب في الفيلم هو المساحة التي تخرج فيها فئة “المظلومين” دينيا واجتماعيا من السرّ إلى العلن، فالظلمة هي النور وهي الحرية، وفيها تزدهر ممارسة تجارة الجنس وتعاطي المخدّرات وشرب الكحول.

ولكنّ الليل أيضا يكشف عن استشراء الفساد في سلك بعض الأمنيين، وفق الفيلم دائما؛ فالجهاز الأمني من المؤمّل أن تكون مهمته حماية الأفراد، لكنه يُصبح جزءا من الفساد وجهازا يحمي الفاسدين ويتستّر على المجرمين.

يصوّر مهدي هميلي واقعا أكثر عنفا من الواقع ما قبل الثورة وأناسا أكثر وحشية وشراسة. وهذا الواقع الحالي ينبئ بانفجار اجتماعي إذا لم يتمّ التحرّك بسرعة نحو الإصلاح وإرساء القيم الحقيقية للحرية والعدالة واحترام الذات البشرية واحترام الحريات الفردية.

فيلم مثير للجدل

 ولكنّ هذه المشهدية السوداء في الفيلم لم تمحُ بصيصا من الأمل، فهذه الأم التي تبحث عن ابنها بين “أنياب الوحوش الآدمية” وجدت من يدعمها ويساعدها على إيجاد ابنها، ليكون هذا الموقف النبيل شعلة نور في ظلمة حالكة وقد تضيء يوما على كامل البلاد لينقشع الظلم والفساد وتعمّ المساواة والحرية في المجتمع.

☚ الفيلم يطرح العديد من القضايا الاجتماعية المتعلّقة بالعلاقات الأسرية، بالإضافة إلى استشراء العنف في المجتمع

وفي تصريح له بعد العرض المخصّص للصحافيين الذي احتضنته قاعة سينما أميلكار بالمنار مساء يوم الثلاثاء الثامن عشر من يناير الجاري، يقول  هميلي إن “فيلم ‘أطياف’ يمكن اعتباره تتمّة لفيلم ‘تالة مون آمور’ (حبيبتي تالة)، ففي ‘تالة مون آمور’ تحدّثت عن وقائع الثورة عبر شخصية حورية وهي امرأة عالمة في مصنع للنسيج. وفي ‘أطياف’ حافظت على عنصر المرأة في مصنع النسيج عبر شخصية آمال”.

ويضيف المخرج أنه بصدد الإعداد لفيلم جديد يحمل عنوان “مواسم جنات” ليكون ثلاثية أعماله السينمائية عبر شخصية نسوية هي “جنات” تشتغل أيضا في مصنع للنسيج وتقود النساء لإعادة تشغيل المصنع بعد إفلاسه. ويؤكد هميلي أن هذه الواقعة قد جدّت بالفعل لذلك يحرص على إكمال هذا الفيلم.

وتجدر الإشارة إلى أن فيلم “أطياف” يتضمّن مشاهد وألفاظا عنيفة، مما يجعله موجّها بالأساس إلى الفئة العمرية ما فوق 16 سنة.

والعمل مثير للجدل إذ يخترق التابوهات مثل الجنس والمثلية وعوالم الليل والعنف الاجتماعي والاغتصاب وغيرها من القضايا الشائكة. لكن إثارة الجدل وفق المخرج تعود إلى أن العمل لم يشاهد جيدا في تونس.

ويضيف هميلي “الفيلم يتحدث عن واقع البلاد، أردت أن يكون فيلمي صورة عن هذا الواقع الصادم من خلال حكاية يخرج منها المتفرج بفكرة”.

ويوضح أن العمل فيه جزء ذاتي، فقد صور في أمكنة عاش فيها سابقا، وتحدث عن قصص أناس يعرفهم، أناس يعانون صعوبات اجتماعية، ويعتقد أن هذا مهم.

والفيلم أبعد من قصة بحث أم عن ابنها بعد خروجها من السجن، إنه يكشف عوالم تونس الخفية التي يراها الجميع ولا يريدون الاعتراف بها.

والعمل كما يقر مخرجه “مهم اجتماعيا، ويجب أن تشاهده أجيال الشباب، وأدعو رئيس الجمهورية قيس سعيد وحرمه إلى مشاهدة الفيلم لفهم الواقع بصورة أخرى، فهو يحكي عن شريحة اجتماعية ممحوقة والمخدرات ومشاكل الواقع التي لم يُحك عنها سابقا بالشكل المطلوب”.

14