مجلس أمن قومي أردني أم مخابرات موسّعة

مخاوف من أن يتم التعامل مع هذه السلطة الجديدة على أساس أنها سلطة ملكية لا تجوز مساءلتها بذريعة أنها تحمي "المصالح العليا للدولة".
الأربعاء 2022/01/19
سلطة فوق محاسبة البرلمان

عمان – أثارت الصلاحيات الممنوحة لمجلس الأمن القومي المستحدث في الأردن جدلا واسعا بين الدوائر السياسية والإعلامية والشعبية وسط تساؤلات حول طبيعة هذا المجلس هل هو إدارة مخابرات موسعة بصلاحيات توازي صلاحيات الحكومة أم جهاز تنسيق بين الإدارات المعنية؟

وقالت أوساط سياسية أردنية إن المشكلة الرئيسية التي تدفع المراقبين إلى التساؤل عن هوية هذا المجلس هي الوجود الأغلبي لممثلي الأمن والدفاع والمخابرات داخله، فضلا عن ارتباطه مباشرة بالعاهل الأردني الملك عبدالله الثاني، فهو من يدعو إلى انعقاد المجلس، وهو من يصادق على قراراته ويسمح بتنفيذها أو يتركها معلقة.

عامر السبايلة: يؤدي إلى تداخل السلطات وإضعاف الحكومات

ويضم المجلس في عضويته كلا من رئيس الوزراء، ووزراء الدفاع والخارجية والداخلية، وقائد الجيش ومدير المخابرات ومدير الأمن العام، إضافة إلى عضوين يعينهما الملك بإرادة ملكية منفردة.

وأضافت هذه الأوساط أن كل الدلائل تشير إلى أن المجلس سيكون تابعا للديوان الملكي وليس جزءا من السلطة التنفيذية التي قد تجد نفسها في وضع من يتلقى التعليمات لتنفيذها، في حين أنه يفترض أن تكون هي المشرفة على كل تفاصيل ملفات الأمن والدفاع والسياسة الخارجية.

وتساءلت الأوساط ذاتها عما إذا كان هذا المجلس سيكتفي بلعب دور استشاري كما يقضي بذلك النص القانوني المؤسس له أم أنه سيتحول إلى حكومة ظل تصدر قراراتها بالتنسيق مع المؤسسة الملكية، فيما تكتفي الحكومة الفعلية بتنفيذ سياساتها ومواجهة الانتقادات خاصة من البرلمان الذي يريد أن يصادق بنفسه على السياسات العامة ويتابع تنفيذها.

وأكد رئيس مجلس النواب المحامي عبدالكريم الدغمي أن مجلس الأمن القومي والسياسة الخارجية جزء من السلطة التنفيذية التي تخضع بكل فروعها لرقابة البرلمان، وذلك ردا على النائب أحمد القطاونة الذي استغرب إنشاء مجلس الأمن القومي في الدستور، معتبرا أنه بمثابة إنشاء سلطة رابعة غير خاضعة للرقابة.

ويتخوف مراقبون أردنيون من أن يتم التعامل مع هذه السلطة الجديدة على أساس أنها سلطة ملكية لا تجوز مساءلتها بذريعة أنها تحمي “المصالح العليا للدولة” ولا يمكن أن تكشف الأسرار الأمنية لأي جهة بما في ذلك الحكومة والبرلمان، ما يجعلها سلطة فوق المحاسبة.

ويضيف المراقبون أن المشكلة الرئيسية في مجلس الأمن القومي الجديد هي الغموض الذي قد يحوله إلى جهاز مخابرات موسع يعيد الأردنيين إلى سنوات سابقة حين كانت المخابرات تسيطر على كل شيء وتقف وراء التعيينات في مختلف المواقع القيادية في الدولة، ما يجعل رئيس الحكومة مجرد واجهة وكذلك الوزراء.

عبدالمنعم العودات: الهدف هو رفع مستوى التنسيق بين مؤسسات الدولة

ويشير هؤلاء إلى أن جهازا جديدا بهذه الصلاحيات قد يوفر مدخلا لمراقبة السياسيين والنشطاء ويلتف تدريجيا على الإصلاحات السياسية الجديدة التي تسعى نظريا لتوسيع دائرة مشاركة الأحزاب، وهو ما يتناقض مع ما تقوله الدوائر الحكومية من أن تأسيس المجلس يرمي إلى النأي بالأجهزة الأمنية عن التجاذبات السياسية.

لكن بعض المراقبين يقولون إن مجلس الأمن القومي هو مؤسسة استشارية في الملفات الأمنية داخليا وخارجيا، وإن الأردن لا يحتاج إلى أن يحوله -بشكل مموّه- إلى مؤسسة مخابرات بوجود مؤسسات مخابرات فاعلة وجهدها الأساسي موجه إلى الخارج مثلما جاء في رسالة الملك عبدالله إلى مدير المخابرات في فبراير من العام الماضي.

وقد جاءت الرسالة لتؤكد الرغبة في إعادة هيكلة مؤسسات الدولة الأردنية وأجهزتها من منظور مختلف يبعد جهاز المخابرات عن الشأن الداخلي ويجعل منه جهازا بمهمة واضحة، وهي “تركيز كل طاقاته في مجالات اختصاصه المهمة والحيويّة للأمن الوطني والعمل الاستخباري المحترف بمفهومه الاستخباري المحترف”.

وهناك مخاوف من أن تتحول السلطة الجديدة -التي سيمتلكها المجلس لارتباطها بالمؤسسة الملكية بشكل مباشر- إلى عنصر من عناصر البيروقراطية واحتكار القرار بدلا من أن تكون عنصرا فعّالا في تقديم برامج وأفكار جديدة.

وقال المحلل السياسي الأردني عامر السبايلة “إذا كان السبب خلف إنشاء المجلس هو الرغبة في إيجاد تناغم بين الأجهزة ومنع تغولها على بعضها بعضا، فأعتقد أنه لن يستطيع القيام بذلك؛ لأنه باختصار نموذج مدستر (نسبة إلى الدستور) لمجلس السياسات الذي يصيغ السياسات في الأردن على مدار السنوات العشرين الماضية”.

وأضاف أن “الطريقة التي تم بها إقرار هذا المشروع يمكن أن تؤدي إلى تفريخ مراكز القوى وزيادة حالة تداخل السلطات وإضعاف الحكومات، والتي يفترض أن تخضع عادة للمساءلة والمراقبة”.

وكان رئيس اللجنة القانونية النيابية عبدالمنعم العودات قد أكد أن المجلس بصيغته التي أقرتها اللجنة يهدف إلى رفع مستوى التنسيق بين مؤسسات الدولة كاملة وعدم تغول مؤسسة على أخرى.

وأضاف أن بناء القرارات الاستراتيجية والسياسية يتم بين أذرع الدولة كاملة، الأمنية والسياسية، من أجل تحقيق التكامل للحفاظ على استقرار السياسة الخارجية والإقليمية وثباتها، ولكي تبقى المؤسسات الأمنية دوما على الحياد وبوصلتها الحفاظ على أمن البلد واستقراره.

1