مصر توسع مشاركة القطاع الخاص لتسريع التنمية

الحكومة تعد وثيقة تتضمن أسسا جديدة أكثر انفتاحا ومرونة لنشاط الشركات غير المملوكة للدولة.
الخميس 2022/01/13
تعلم معنا طرق ربط حديد التسليح

كشفت الحكومة المصرية أنها تعكف على إعداد وثيقة بالتعاون مع مجموعة من الخبراء تتضمن ملامح جديدة للمرحلة المقبلة تتمحور بالأساس حول تعزيز دور القطاع الخاص بشكل أكبر وأكثر مرونة في التنمية الاقتصادية، بعد أن كانت القاهرة طيلة سنوات محل اتهامات بتقويض نشاط الشركات غير المملوكة للدولة.

القاهرة- وسعت القاهرة رهانها على الشراكات بين القطاعين العام والخاص كأحد أبرز الخيارات في تنويع مصادر التمويل وتعظيم دور المنشآت الخاصة في دفع النمو وتسريع التنمية الصناعية بالبلاد.

وأعلن رئيس الحكومة مصطفى مدبولي عن التمهيد لعقد اجتماع موسع مع منظمات الأعمال المختلفة عقب إعلان ملامح الوثيقة التي وصفها بـ”المهمة”.

وعقد الرئيس عبدالفتاح السيسي مؤخرا اجتماعا مع المجموعة الوزارية الاقتصادية ووجههم إلى ضرورة تعظيم دور القطاع الخاص ومشاركته في كل جهود التنمية التي تتم على أرض مصر لتسريع وتيرة التنمية الصناعية.

وتقلل الخطة من فحوى الاتهامات التي وجهت للحكومة بشأن تعمدها تقويض دور القطاع الخاص، وهو ما ألمح إليه رجل الأعمال نجيب ساويرس مرارا بمطالبته أجهزة الدولة بأن تكون جهة تنظيمية وليست مالكة للنشاط الاقتصادي، في إشارة إلى تمدد المؤسسة العسكرية في بعض الأنشطة.

محمد سعدالدين: رسم صورة جديدة عن الاستثمار وبداية للمشاركة الفاعلة

واعتبر ساويرس المنافسة بين القطاعين الحكومي والخاص غير عادلة، وأن الشركات المملوكة للدولة أو التابعة للجيش لا تدفع ضرائب أو رسوما جمركية، وأن المستثمرين الأجانب خائفون بعض الشيء.

ورغم كبر حجم القطاع الخاص، الذي يسهم بنحو 72 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي ويستوعب 78.4 في المئة من العمالة، إلا أنه يواجه مشاكل هيكلية تحد من قدرته على دفع التنمية بالشكل المأمول.

وسعت السلطات في السنوات الماضية لحل عدد كبير من مشكلاته، أبرزها التخلص من ظاهرة انقطاع التيار الكهربائي، وتمهيد البنية التحتية وسهولة النقل عبر شبكة طرق كبيرة جرى تدشينها، فضلا عن سهولة تأسيس الشركات إلكترونيا أو عبر مقر هيئة الاستثمار.

ويئن البعض من أصحاب المصانع الصغيرة من صعوبة الحصول على التراخيص بسبب تعقيدات الهيئة العامة للتنمية الصناعية وارتفاع رسوم التجديد التي تضاعفت.

ويأتي ذلك في الوقت الذي تعطلت فيه بعض المصانع عن العمل مع مساعي الهيئة للحرص على أولوية جمع الأموال من المستثمرين دون تقديم الخدمات اللازمة لذلك.

ويطالب رجال أعمال بضرورة أن تفسح الدولة الطريق أمام القطاع الخاص للمساهمة بشكل أكبر في مشاريع الطاقة، فضلا عن مزاحمة قطاعات حكومية شركات الاستثمار العقاري وقيامها بدور السمسار والمتاجرة في أراضي الدولة، ما تسبب في قفزات غير مسبوقة بأسعار الوحدات السكنية الخاصة.

وأدى قيام الدولة بإطلاق مشروعات عديدة للإسكان الاجتماعي إلى ركود المبيعات لدى شركات التطوير العقاري في القطاع الخاص.

وتستثنى من ذلك الشركات الكبرى التي تدشن مدنا مليونية لفئات محدودة بالمجتمع، في مقدمتها مجموعة طلعت مصطفى القابضة التي أسست “مدينتي” و”الرحاب” وأخيرا مدينة نور بالعاصمة الإدارية وشركتي سوديك وبالم هيلز للتعمير.

هاني توفيق: على المستثمرين تحديد سبل التعاون والشراكة مع الحكومة

ورغم أن الحكومة فتحت المجال أمام القطاع الخاص لإنتاج الكهرباء من المصادر المتجددة، إلا أن الاتهامات تطاردها وتعتبرها بأنها تمتلك قدرات تنافسية عالية من شأنها غل يد الشركات الخاصة في توسيع نطاق أعمالها.

وربما تفتح الخطة الجديدة للحكومة الباب أمام القطاع الخاص للمشاركة في إدارة شركات قطاع الأعمال العام التي تعاني من سوء الإدارة، والتي اتهم السيسي المسؤولين عنها بالتقصير قبل أيام قليلة.

ويتطلب تمكين القطاع الخاص عدة آليات منها تحديد القطاعات الرئيسية التي تستمر بها الدولة، وكذا التي تخرج منها، بجانب التي تتخارج بشكل تدريجي، فضلا عن إعادة إصلاح القطاع العام من خلال الإبقاء على الشركات الكبرى في القطاعات الاستراتيجية والأكثر أولوية، والتخلي عن الشركات في القطاعات الأقل أهمية، حتى تفسح المجال للشركات الخاصة.

كما ينبغي على السلطات استمرار التواصل مع القطاع الخاص بإنشاء لجان استشارية وتنظيم اجتماعات دورية وجلسات حوارية سنوية والمتابعة الدائمة، لاسيما إذا ما تم الكشف عن الوثيقة التي أعلن عنها مدبولي.

وكذلك، يجب على الحكومة التزام المراجعات الدورية مرة كل عامين على الأقل لتحديد ما إذا كانت الشركات الحكومية لا تزال ضرورية وفقا لمنظور استراتيجي أم إسناد إدارتها للقطاع الخاص تحت مظلة هيئة حكومية للإشراف وإدارة أصول الدولة لأنها المالك وكذا تنظيم الشركات الإنتاجية التي ستكمل بها الدولة.

وقال محمد سعدالدين نائب رئيس اتحاد المستثمرين المصري، إن “الدولة لم تقوض عمل القطاع الخاص خلال الفترة الماضية لأن تدخلها كان ضروريا، ومن يدعي غير ذلك لا يدرك طبيعة الاستثمار بالبلاد”، مشيرا إلى أن المشاريع الجديدة التي تتم على أرض الواقع تنفذها شركات مصرية.

وأوضح في تصريح لـ”العرب” أن الوثيقة تؤكد أن الدولة تسعى لرسم صورة جديدة بأنها لم تعرقل عمل أي استثمار لرجال أعمال بالبلاد.

وتوقع سعدالدين أن تكون تلك الوثيقة بداية لمشاركة فاعلة بين القطاعين العام والخاص، فقد آن الأوان لوجود إدارات رشيدة لقطاع حكومي دمرته عقول تربت على
البيروقراطية.

وأشار إلى أن مشاركة الجيش في تنفيذ بعض المشروعات والمشاركة في الحياة الاقتصادية خلال الأعوام الماضية كانت ضرورة ملحة، إذ لعب دورا إشرافيا مهما لتنفيذ مشروعات البنية التحتية بسواعد مصرية ومنشآت خاصة.

وقال إن “دخول الجيش في بيع المنتجات الغذائية أنقذ المجتمع المصري من جشع القطاع الخاص في فترات حالكة السواد مرت بها البلاد ولم يدخل بغرض منافسة التجار أو تقليص حجم تعاملاتهم في الاقتصاد”.

◄ قيام الدولة بإطلاق مشروعات عديدة للإسكان الاجتماعي أدى إلى ركود المبيعات لدى شركات التطوير العقاري في القطاع الخاص

وأعلن صندوق مصر السيادي عن طرح شركات القوات المسلحة في البورصة بعد تصريحات للسيسي قال فيها “نحن مستعدون لدخول القطاع الخاص شريكا معنا في الشركات التي تم تأسيسها بالفعل وهي شركات ناجحة”.

وأكد في ذلك الوقت أن الجيش لا يستهدف الاستحواذ الاقتصادي من مشروعات جهاز الخدمة الوطنية، لكن يريد إيجاد فرص عمل سريعة وحل بعض المشكلات الاقتصادية وتحقيق التوازن في الأسواق.

ويشير هاني توفيق رئيس الاتحاد العربي للاستثمار المباشر السابق إلى أن السنوات الماضية شهدت مزاحمة حكومية للقطاع الخاص بالفعل، لكن حان وقت تعزيز مشاركته ليتوافق مع برنامج الإصلاح الهيكلي.

وذكر لـ”العرب” أنه كان يجب صدور تلك المبادرة من رئيس الوزراء بعد عقد مؤتمرات لإصدار قرارات من جانب اتحادات الصناعات وجمعيات المستثمرين والغرف التجارية والمجالس التصديرية ورجال الأعمال لمناقشة مشكلات الاستثمار وطرق حلها.

ومن المهم أن تتواصل منظمات الأعمال إلى سبل تعزيز مشاركة القطاع الخاص في التنمية، ثم ينتهي ذلك بلقاء مع رئيس الحكومة لتنفيذ واعتماد ما يجتمع عليه كل أطراف منظومة الاستثمار في مصر.

 

11