"خدعة الحرب" تدفع لجان المقاومة إلى تأجيل مظاهرات بالخرطوم

الخرطوم - ألغت لجان المقاومة بولاية الخرطوم، لأول مرة منذ بدء الاحتجاجات، المظاهرات المزمعة الأربعاء بالعاصمة السودانية، داعية إلى تنظيمها غدا الخميس للمطالبة بـ"حكم مدني"، وذلك عقب طرح الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا "إيغاد"، مبادرة لتسهيل الحوار بين كافة الأطراف لإيجاد حل جذري للأزمة السودانية.
وقالت اللجان في بيان "نعلن لجموع الشعب السوداني إلغاء مليونية (مظاهرة) الثاني عشر من يناير المعلنة، والخروج للشوارع في مليونية غدا الخميس الثالث عشر من يناير في جولة أخرى من أجل إسقاط الانقلاب العسكري".
وبررت اللجان قرار الإلغاء بـ"الحرب خدعة"، قائلة "الفعل الثوري يتّخذ أشكالا عديدة تجتمع كلها في الهدف النهائي وهو إسقاط الانقلاب العسكري وتصفية أركانه، والحرب خدعة".
وأسفرت الاحتجاجات التي شهدتها الخرطوم والعديد من الولايات السودانية خلال الأسابيع الماضية، عن سقوط 63 ضحية منذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي.
وكان تجمع المهنيين السودانيين، دعا إلى الخروج في احتجاجات الأربعاء، استكمالا للتظاهرات السابقة التي انطلقت في أكتوبر، للمطالبة بسلطة انتقالية مدنية ورفض استمرار مجلس السيادة الانتقالي برئاسة الفريق عبدالفتاح البرهان، في الحكم.
وأكد المكتب السياسي لتنسيقيات لجان المقاومة في الخرطوم في بيان، في أعقاب لقاء مع القائم بأعمال السفارة الأميركية بالخرطوم براين شوكان، تمسكه بسلمية المظاهرات، مشيرا إلى أن "القوات الأمنية هي من تقوم بأعمال التخريب والنهب".
وقال البيان "رحبنا بكل الجهود الدولية الداعمة للتحول الديمقراطي ولخيارات شعبنا في حكم مدني كامل، بما لا يتعارض مع السيادة الوطنية واستقلال اقتصادنا الوطني".
وكانت السلطات السودانية أعلنت في وقت متأخر ليل الثلاثاء إغلاق جسرين بالعاصمة الخرطوم، عشية دعوة أطلقتها تنسيقيات لجان مقاومة مدينة الخرطوم للمشاركة في مظاهرات مليونية، الأربعاء.
ونقل التلفزيون الرسمي عن شرطة ولاية الخرطوم تنويها للمواطنين بإغلاق جسري "النيل الأبيض" (يربط أم درمان بوسط الخرطوم) و"المَكْ نمر" (يربط الخرطوم بحري بوسط الخرطوم) أمام حركة المرور، اعتبارا من مساء الثلاثاء.
ودعت شرطة المرور بالعاصمة السودانية المواطنين إلى استخدام الجسور الأخرى.
وشهدت بعض مناطق العاصمة السودانية الثلاثاء مظاهرات ليلية دعائية لاحتجاجات الأربعاء للمطالبة بالحكم المدني.
وتأتي هذه المظاهرات في ظل مساع تبذلها الهيئة الحكومية للتنمية بشرق أفريقيا "إيغاد"، وتقديمها مبادرة "لتسهيل الحوار بين كافة الأطراف لإيجاد حل جذري للأزمة".
وجاءت مبادرة إيغاد عقب إعلان رئيس البعثة الأممية المتكاملة لدعم الانتقال في السودان "يونيتامس" فولكر بيرتس، بدء مشاورات "أولية" منفردة مع الأطراف السودانية كافة، تمهيدا لمشاورات يشارك فيها أصحاب المصلحة الرئيسيون من المدنيين والعسكريين، بحسب تصريحات له الأحد والاثنين.
و"إيغاد" منظمة حكومية أفريقية شبه إقليمية تأسست عام 1996، تتخذ من جيبوتي مقرا لها، وتضم كلا من إثيوبيا، كينيا، أوغندا، الصومال، جيبوتي، إريتريا، السودان وجنوب السودان.
ورحبت عضو مجلس السيادة بالسودان سلمى عبدالجبار، لدى لقائها برئيس بعثة إيغاد بالسودان، عثمان حسن بليل الثلاثاء، بمبادرة المنظمة للمساهمة في تجاوز الراهن السياسي بالبلاد، واتجاه السكرتير العام للمنظمة ورقنا جبيهو لتبني مفاوضات مع أطراف العملية السياسية.
وثمّنت دور المنظمة في ترسيخ دعائم الاستقرار والتنمية بدول الإيغاد، دون تفاصيل عن البنود التفصيلية للمبادرة.
والتقى عضو مجلس السيادة شمس الدين كباشي الثلاثاء بالخرطوم الممثل الخاص للاتحاد الأفريقي لدى السودان محمد بلعيش، لمناقشة الأزمة السياسية في البلاد.
وقال بلعيش في تصريحات إعلامية، وفق بيان منفصل صادر عن مجلس السيادة، إن "اللقاء تطرق إلى أنجع السبل للوصول إلى التعافي الوطني في السودان، وتجاوز الأزمة السياسية الحالية".
ولفت بلعيش إلى "الجهود المبذولة من أجل توسيع القاعدة السياسية وإشراك كل القوى في تدبير ما تبقى من مرحلة، وصولا إلى انتخابات حرة ونزيهة وديمقراطية تشكل طريقا يؤدي إلى الاستقرار والسلام والازدهار في السودان".
وأوضح أن "الجسر الذي يؤدي إلى واحة الاستقرار هو المصالحة الوطنية"، وشدد على "أهمية الإسراع في تشكيل حكومة ذات كفاءات"، داعيا جميع الفرقاء إلى "وضع رؤية وخطة موحدة من شأنها تشكيل خارطة طريق للفترة المقبلة".
ومنذ الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، يشهد السودان احتجاجات ردا على إجراءات اتخذها قائد الجيش البرهان، أبرزها فرض حالة الطوارئ، وحل مجلسي السيادة والوزراء الانتقاليين، وعزل رئيس الحكومة عبدالله حمدوك، واعتقال مسؤولين وسياسيين.
وعطّل البرهان في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي استكمال انتقال السلطة إلى المدنيين، عبر اعتقال رئيس الوزراء وغالبية القادة المدنيين وتعليق عمل مجلس السيادة.
ورغم تعهد البرهان بإجراء انتخابات عامة في منتصف 2023، استمرت الاحتجاجات على الانقلاب وعلى التسوية التي وافق بموجبها رئيس الوزراء حمدوك على العودة إلى منصبه في الحادي والعشرين من نوفمبر، وهو ما اعتبره المتظاهرون "خيانة".
وفي يناير الحالي أعلن حمدوك استقالته، مؤكدا أنه حاول إيجاد توافقات لكنه فشل، وحذر من أن البلاد تواجه "منعطفا خطيرا قد يهدد بقاءها"، وأنه كان يسعى إلى تجنب "انزلاق السودان نحو الهاوية"، وذلك بعد ساعات على سقوط ثلاثة قتلى خلال مظاهرات، وفق "لجنة أطباء السودان" (غير حكومية).