أمل ضعيف في المحادثات الروسية – الأميركية بشأن أوكرانيا

فلاديمير بوتين يلقي بباقي دول الاتحاد الأوروبي في أحضان الناتو.
الثلاثاء 2022/01/11
مفاوضات يسودها التشاؤم

بدأت الولايات المتحدة وروسيا مفاوضات قابلة للانهيار السريع في جنيف الاثنين في مسعى من جانب واشنطن لمنع غزو روسي محتمل لأوكرانيا دون الرضوخ للمطالب الأمنية الكبيرة من جانب الكرملين.

جنيف - باشر الروس والأميركيون الاثنين محادثات حساسة جدا غير معروفة النتائج، تشمل خطر حصول غزو روسي لأوكرانيا فضلا عن الهندسة الأمنية الأوروبية التي تريد موسكو إعادة رسمها حتى لا يتسع حلف شمال الأطلسي ( الناتو) باتجاه حدودها.

وكشفت لهجة نائب وزير الخارجية الروسي سيرجي ريابكوف عقب عشاء جمعه بنظيرته الأميركية ويندي شيرمان الأحد أن حوارا حادا جرى بين الطرفين لا ينبئ بإمكان تقديمهما تنازلات.

وتطالب موسكو بالحصول على ضمانات أمنية عبر معاهدات تشمل منع أي توسع مقبل لحلف شمال الأطلسي وخصوصاً في أوكرانيا. وأكدت أنها لن تقدّم أي تنازلات بهذا الشأن.

وقال ريابكوف لوكالة ريا نوفوستي قبل اللقاء “أنا غير متفائل، ولكننا سنشرح بإلحاح أنه دون إيجاد حل لهذه المسألة الرئيسية لن يكون هناك حوار بنّاء”.

وأكّدت شيرمان من جهتها خلال عشاء العمل “دعم الولايات المتحدة للمبادئ الدوليّة (المتعلقة) بالسيادة والسلامة الإقليميّة ولحرّية الدول ذات السيادة في اختيار تحالفاتها”، بحسب بيان أصدرته وزارة الخارجيّة الأميركيّة.

وكتبت على حسابها في تويتر أنّ الأميركيين سيستمعون إلى “مخاوف روسيا ويشاركونها” مخاوفهم، ولكنهم لن يتطرّقوا إلى مسائل لها علاقة بـ”أمن أوروبا دون حلفائهم”. ويبدو أن الكرملين يفضل لقاء ثنائيًّا روسيّا – أميركيا.

واعتبر وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا من جهته في تغريدة على حسابه في تويتر أنّ “مطالب (فلاديمير) بوتين غير مشروعة وتؤثر على السلام والأمن الدوليّيْن”.

سيرجي ريابكوف: أنا غير متفائل، لكن نأمل في إيجاد حل للأزمة

وفي حين ينتشر عشرات الآلاف من الجنود الروس على الحدود مع أوكرانيا التي تشكل مسرح نزاع منذ ثماني سنوات مع انفصاليين موالين لروسيا، دعا وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الكرملين إلى تجنّب “اعتداء” جديد على أوكرانيا.

وقال بلينكن الأحد لشبكة “سي أن أن” الأميركية “هناك مسار للحوار والدبلوماسية.. المسار الآخر هو مسار المواجهة”. وأضاف “نحن على وشك معرفة الطريق التي يريد الرئيس (فلاديمير بوتين) سلوكها”.

وتدشن محادثات الإثنين أسبوعاً دبلوماسياً ساخناً. ويرتقب عقد اجتماع بين حلف شمال الأطلسي وروسيا في بروكسل الأربعاء، قبل أن يحصل لقاء الخميس في فيينا مع منظمة الأمن والتعاون في أوروبا، منصة الحوار بين الشرق والغرب المنبثقة عن الحرب الباردة.

وقال ميكاييلو (29 عاماً) -وهو عسكري أوكراني على خطوط المواجهة- إنّ “تقديم ضمانات حول عدم التزامنا بحلف شمال الأطلسي لن يوقف فلاديمير بوتين”، وأضاف “يريد الوصول إلى وحدة سوفييتية”.

وهددت الدول الغربية الكرملين بعقوبات “هائلة” في حال هاجمت موسكو أوكرانيا.

وضمت موسكو في 2014 شبه جزيرة القرم الأوكرانية ردا على ثورة موالية للغرب في كييف، وهي متهمة بمساندة الانفصاليين شرق البلاد.

وحذر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -الذي أجرى محادثات مع نظيره الأميركي جو بايدن مرتين منذ بدء هذه الأزمة- من أنّ فرض عقوبات جديدة سيشكل “خطأ فادحاً”. وهدد برد “عسكري وتقني” إذا واصل خصومه “هذا النهج العدائي”.

ويؤكد الكرملين أن الغرب هو الذي يستفز روسيا عبر نشر قوات عسكرية عند حدودها أو تسليح الجيش الأوكراني. ويطالب بتوقيع اتفاقين لمنع أي توسع مقبل لحلف الأطلسي ووضع حد لأي مناورات عسكرية غربية في جوار الحدود الروسية.

وحذر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ الجمعة من “خطر فعلي لاندلاع نزاع جديد”. وقال الاثنين خلال استقباله نائبة رئيس الوزراء الأوكرانية أولغا ستيفانيشينا إنّ محادثات هذا الأسبوع لن تحل كل المشاكل، ولكنْ ثمة أمل في أن “يتم الاتفاق على المسار الواجب سلوكه”.

وفي ما يتجاوز الأزمة الأوكرانية تأمل واشنطن انتهاز فرصة هذه المحادثات لإحراز تقدم في ملفات أخرى مثل نزع الأسلحة.

وتزداد المخاوف في الغرب بوجه عام، وفي أوكرانيا على نحو خاص، من احتمال قيام روسيا بغزو الأراضي الأوكرانية، في ظل تحركات عسكرية روسية على حدود البلاد.

Thumbnail

وليس هناك شك في أن الخوف من غزو روسي من شأنه أن يخلف تداعيات خطيرة بالنسبة إلى أوروبا، وربما يدفع دول أعضاء في الاتحاد الأوروبي وغير منحازة -أي لا تنتمي إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو)- إلى السعي للانضمام إلى الحلف العسكري.

وقد لا يكون هناك تهديد وشيك، فلم تعلن روسيا أنها قررت الغزو، ولكن الاستخبارات الغربية والأوكرانية تتوقع أن يحدث ذلك في أي وقت.

واستغل رئيس فنلندا ساولي نينيستو خطابه للعام الجديد في التأكيد على أن بلاده احتفظت بخيار السعي للحصول على عضوية الناتو في أي وقت.

ويقول المحلل السياسي أندرياس كلوث إن الحلف، الذي حافظ على السلام خلال حقبة الحرب الباردة، يحاول الآن التوصل إلى صيغة بشأن كيفية الرد حال غزو روسيا لأوكرانيا.

ويرى كلوث أن الفكرة التي توحي بها تعليقات نينيستو مفادها أن هذه الدول الست (فنلندا والسويد والنمسا وإيرلندا وقبرص ومالطا) قد تسيء فهم الإنذار الذي وجهه بوتين إلى الغرب.

ولم يذهب الرئيس الفنلندي إلى هذا الحد، ولكن بطريقته الدبلوماسية ذكّر مواطني بلاده فقط بأن “مساحة فنلندا للمناورة وحرية الاختيار تشمل أيضا إمكانية الانحياز العسكري والسعي للحصول على عضوية الناتو، إذا قررنا نحن ذلك”. وحرية الاختيار تلك هي ما يسعى بوتين بالضبط لحرمان دول مثل أوكرانيا ومولدوفا وجورجيا منها.

وبعد انتهاء الحرب العالمية الثانية أعلنت فنلندا نفسها دولة غير منحازة، في محاولة عملية ويائسة إلى حد ما للحفاظ على سيادتها بالقرب من التنمر الشيوعي الهائل.

أما الدول الخمس الأخرى فتاريخها مختلف. وكان نهج النمسا قريبا للغاية من فنلندا؛ فقد أعلنت النمسا عدم انحيازها في الخمسينات من أجل إنهاء احتلال قوات الحلفاء المنتصرة في الحرب الثانية، ومن بينها الاتحاد السوفييتي الذي اشترط أن تكون البلاد على الحياد. ورغم هذا يستند النهج النمساوي العملي والضمني حاليا على علاقة صداقة نسبية مع موسكو. ولكن لن يصلح ذلك إذا تحول بوتين إلى مصدر تهديد.

وهذه الديناميكية أكثر وضوحا في قبرص، التي جذبت أموالا ضخمة من روسيا، وأحيانا توصف بأنها حساب بنكي روسي داخل الاتحاد الأوروبي. وباستثناء ذلك لا يوجد ما يمكن أن يقف في سبيل انضمام الجزيرة إلى الناتو، وهو أمر من شأنه أن يعزز الاستقرار في قبرص رغم الصراع بين القبارصة اليونانيين والأتراك.

5