النهضة تستخدم توصيفات لرسم "مشهد نضالي" يستعيد عهد بن علي

تونس – قالت أوساط سياسية تونسية إن إصرار حركة النهضة على وصف إيقاف قوات الأمن لنائب رئيس الحركة نورالدين البحيري بـ”الاختطاف” يهدف إلى رسم “مشهد نضالي” يستعيد الحكايات التي كانت تروجها الحركة وتيارات أخرى خلال عهد الرئيس الراحل زين العابدين بن علي.
ووصفت هذه الأوساط ما تقوم به النهضة بأنه اعتداء على الدولة وتحريض على أجهزتها الأمنية التي تحاول الحركة إظهارها في صورة العصابات الخارجة عن القانون تارة وفي شكل أجهزة خاضعة لسلطة مستبدة تارة أخرى. ولفتت الأوساط ذاتها إلى أنه من حق النهضة الاحتجاج على اعتقال البحيري دون مذكرة إيقاف لكن التحريض ضد رجال الأمن يؤكد اتهامها باستعداء الأجهزة الأمنية والعسكرية، وهو الاتهام الذي لطالما وُجه إليها سابقا.
وتصر النهضة على اعتبار الاعتقال “اختطافًا” رغم أنها تقول إنه تم على يد رجال أمن وإن وزارة الداخلية تجاوبت مع طلب نقابة المحامين ومكنت عميدها إبراهيم بودربالة من لقائه، كما أصدرت بيانا أكدت فيه إخضاع البحيري للإقامة الجبرية وفقا للقانون المنظم لحالة الطوارئ.
وجاء إخضاع البحيري للإقامة الجبرية في سياق الحديث عن مخططات إرهابية لضرب الاستقرار في البلاد، ولاسيما بعد أن حثّ الرئيس قيس سعيّد على الانتباه إلى “ما يُدبّر من بعض الخونة، الذين باعوا ضمائرهم للمخابرات الأجنبية”.
الإخوان يعتبرون أن تحرير الأمن والقضاء من سلطتهم يمكن أن يقود إلى نهايتهم
ويقول مراقبون إن اعتقال البحيري يأتي في إطار محاولة قيس سعيد محاصرة التغلغل الإخواني في القضاء، على غرار ما حدث في المؤسسة الأمنية، لافتين إلى أن هذه خطوة أولى على هذه الطريق التي ستكون شاقة بسبب تشعباتها.
وفي أوائل ديسمبر الماضي أعلن الرئيس التونسي عزمه الإعلان عن إجراءات جديدة في غضون أيام. وأكد قيس سعيّد في لقاء جمعه بممثلين عن القضاة أنه يستعد للإعلان قريبا عن مراحل جديدة حتى “تستعيد الدولة والقضاء عافيتهما”، معبرا عن غضبه من التأخير في حسم القضايا ومتهما بعض القضاة بالفساد.
في المقابل يتحرك الإخوان لمواجهة ما يعتبرونه خطرا محدقا بوجودهم التنظيمي والسياسي، ويعتبرون أن تحرير الأمن والقضاء من سلطتهم يمكن أن يقود إلى نهايتهم، وهو ما بات يطرح احتمالات جدية حول إمكانية دخول الإخوان في معركة كسر عظام مع الرئيس سعيد، وذلك بالاعتماد على تجييش الشارع في إطار تحالفات مع التيارات اليسارية واليمينية المتشددة التي طالما جيرتها حركة النهضة لفائدتها حتى قبل سقوط بن علي، وهي اليوم تسعى لإعادة تجميعها في بوتقة مواجهة الرئيس والسلطات المركزية والأجهزة السيادية، بما فيها الجيش والمؤسسة الأمنية.
والتقط الرئيس الأسبق محمد المنصف المرزوقي هذه الإشارة ودخل على الخط بحكاية بدت عراكا في الشارع بين أخيه وشخص آخر، وحولها إلى اتهام يدعي فيه أن أجهزة الأمن ترسل من يقوم بضرب المرزوقي الأخ.
واتهم المرزوقي -حليف حركة النهضة في الحكم زمن الترويكا (2012 – 2014)- أجهزة الأمن التونسية “بالاعتداء الجسدي العنيف” على شقيقه نجيب، وروى عبر صفحته الرسمية على فيسبوك تفاصيل الاعتداء نقلا عن شقيقه.

وقال “كل هذه المعطيات موقعة من طرف البوليس السياسي الذي رأيناه في صولته وجولته الملحمية ضدّ البحيري (نائب رئيس حركة النهضة) وزوجته وكم أنا متعود على أساليبه وتقنياته خبرتها على امتداد ثلاثة عقود”.
ومصطلح “البوليس السياسي” كان يطلق على أجهزة الأمن في عهد بن علي (1987 – 2011)، التي يقول معارضون إنها كانت تلاحقهم.
والبحيري (63 عاما) انتمى إلى حركة النهضة منذ 1977، وشغل فيها عدة مناصب، خاصة إدارة الجناح الطلابي للحركة في الجامعة، إلى أن أصبح عضو المكتب السياسي والمكتب التنفيذي ومجلس الشورى منذ 1981، قبل أن يصبح مسؤولا عن القسم السياسي فيها، وسُجن في الفترة الفاصلة بين فبراير وسبتمبر 1987.
وفي السابع من نوفمبر 1988 مثّل الحركة في التوقيع على الميثاق الوطني بمشاركة مختلف مكونات الحياة السياسية والفكرية والاجتماعية في البلاد. وبعد أن توترت العلاقات بين الإخوان والنظام بسبب محاولة الانقلاب على بن علي وتم اعتقال أغلب قياديّي الحركة، قام البحيري بمهمة منسق لجنة المحامين المدافعين عنهم أمام المحكمة العسكرية في 1992.
وفي ظل الملاحقات الأمنية والقضائية للعناصر الإخوانية حافظ البحيري على علاقات هدنة مع النظام حيث واصل عمله في مجال المحاماة صحبة زوجته المحامية سعيدة العكرمي.
وبعد فوز حركة النهضة في انتخابات المجلس الوطني التأسيسي التونسي في الثالث والعشرين من أكتوبر 2011 وحصوله على مقعد فيه عن دائرة ولاية (محافظة) بن عروس تم تعيين البحيري في منصب وزير العدل، حيث قام بتجميد العشرات من القضاة بزعم الفساد في عهد النظام السابق. لكن الكثير من مناوئيه اتهموه بوضع اليد على المؤسسة القضائية والسيطرة على القطاع في ممارسة اعتيادية لدى الإخوان، وبتعمد تجميد قضاة محسوبين على النظام السابق لترهيب زملائهم وتوجيههم إلى خدمة أهداف حركة النهضة واستعمال منصات المحاكم كأدوات للضغط السياسي والابتزاز المالي والاقتصادي.