سوء الإدارة يقوض خطة إصلاح القطاع العام في مصر

فاجأ الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي المسؤولين عن وزارة قطاع الأعمال العام وشركاتها التابعة باتهامهم مباشرة بالتقصير وسوء إدارة منشآت الحكومة لعدم تحقيق النجاح المأمول وغياب الحوكمة والترشيد، رغم البيانات العديدة الصادرة عن الوزارة والتي تفيد بحدوث فورة في تطوير البنية التحتية ونظم العمل والإصلاح الإداري، وهو ما يعطي إشارة البدء بالشروع في المزيد من الخصخصة.
القاهرة - قال الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، خلال أسبوع مشروعات الصعيد أخيرا، إن هناك ثلاثة عوامل لنجاح أي مشروع، هي: الإدارة والتسعير والحوكمة، مؤكدًا أنها غير متوافرة لدى قيادات القطاع العام في البلاد، لأن مجالس الإدارات “فلوسها بالكوم” (يقصد أموالها كثيرة) ولم تقم بترشيد النفقات.
وسعت السلطات المصرية لمواجهة خسائر الشركات التي تراكمت على مدى عقود ووصلت إلى مستويات قياسية، مع عودة وزارة قطاع الأعمال العام سنة 2016 بعد غياب 12 عامًا إثر دمجها في وزارة الاستثمار تارة وفي وزارة التجارة والصناعة تارة أخرى، حيث تم إلغاؤها من هيكل مجلس الوزراء عام 2004.
وعانت الشركات الحكومية من تشوهات في هياكلها المالية على مدى عقود، فضلاً عن مشاكل العمالة، ما أفقدها آليات المنافسة في السوق وتراجع معدلات إنتاجيتها وتفاقم معدلات ديونها.

رشاد عبده: مجاملات في التعيين وكارهون للقطاع العام يقودون الشركات
ويبلغ عدد شركات قطاع الأعمال في مصر نحو 118 شركة، وتعمل الحكومة على دمج بعضها ليصل عددها بعد الدمج إلى 82 شركة.
وخطت القاهرة خطوات عدة مؤخرا لإنقاذ الشركات الحكومية بضخ تمويلات جديدة والتعاقد مع شركاء أجانب لنقل خبراتهم، وكل ذلك باء بالفشل وتمت تصفية بعض الشركات، وفي مقدمتها شركة “الحديد والصلب” و”القومية للإسمنت” و”الدلتا للأسمدة”.
وأدخلت الحكومة الصندوق السيادي لإنقاذ الأصول غير المستغلة، لكنه يسلك اتجاهًا معاكسًا ويعقد صفقات استثمارية كبرى مع القطاع الخاص المحلي والأجنبي في قطاعات مربحة مثل التعليم والطاقة المتجددة، ولم تظهر خطواته في جذب المستثمرين لتطوير الشركات الحكومية حتى الآن.
وتراجعت ديون شركات قطاع الأعمال إلى 640 مليون دولار حتى العام 2021، بعد تسوية مديونيات مع عدد من الوزارات -مثل وزارة البترول ووزارة الكهرباء- وذلك بمبادلة أراض مملوكة لشركاتها بعد أن بلغت ديونها 2.8 مليار دولار عام 2018.
ويعاني هذا القطاع الحيوي من سوء الإدارة، ويضم شركات تعمل بقطاعات تضم السياحة والأدوية والكيماويات والنقل البري والبحري والتشييد والبناء والصناعات المعدنية والغزل والنسيج والملابس، وكلها تحقق خسائر منذ عقود.
ولجأت الحكومة إلى حلول سهلة في الفترة الماضية كتصفية الشركات والقلاع الصناعية بداعي وقف نزيف الخسائر وعدم وجود جدوى اقتصادية من وراء استمرارها.
وقال رشاد عبده، أستاذ الاقتصاد في جامعة القاهرة، لـ”العرب” إن “سوء الإدارة هو سبب انهيار شركات الحكومة الكبرى، كما أن القيادات التي تديرها تفتقر إلى الخبرات أو كارهة لوجود القطاع العام وتفضل الخصخصة”.
ولم تكن هذه هي المرة الأولى التي يتهم فيها الرئيس المصري قيادات القطاع العام بالتقصير، فقد مازح الوزير السابق خالد بدوي في أحد اللقاءات خلال العام 2018 قائلاً “اوعى تزعل من اللي هقولهولك، الزميل يجي ويروح يغطس ما يطلعش”، في إشارة إلى عدم القدرة على تطوير الشركات الحكومية.
وتساءل رشاد عبده “من يختار قيادات وزارة قطاع الأعمال؟ بالتأكيد ليس رئيس الجمهورية، وإنما ‘شلة’ من الاقتصاديين أو من بعض الوزراء في المجموعة الاقتصادية تلتف حول رئيس الوزراء وترشح له أسماءً يتم اختيارها بناء على الثقة فقط”.
وتابع “يقوم الوزير بإعادة تشكيل مجالس إدارات الشركات القابضة وفق المحسوبيات والمجاملات، وهو الحاصل بالفعل مع الوزيرين السابقين وأيضًا الوزير الحالي، وفي النهاية تكون الشركات هي الضحية”.
واستبعد عبده التوسع في برنامج الخصخصة الحالي، لأن الحكومة لم تنجح في تسويق عدد كبير من شركاتها المستهدفة لبيع حصص منها في البورصة المصرية عبر البرنامج الجاري.
وبدأت وزارة قطاع الأعمال العام أولى خطواتها على طريق التعافي عندما تولاها الدكتور محمود محيي الدين المدير التنفيذي في صندوق النقد الدولي، قبل إلغائها حين كانت تحت مسمى وزارة الاستثمار وقطاع الأعمال، لكن بعد رحيله عن الوزارة ثم انفصالها بدأت طريق الانهيار.
ولم يؤت دمج الشركات الذي انتهجته وزارة قطاع الأعمال العام أية ثمار اقتصادية، وهو ناتج عن الضغوط البرلمانية على الوزير الحالي واتهامه بتسببه في زيادة عدد الشركات الخاسرة.
وترتبت على ذلك خطة لدمج 23 شركة غزل ونسيج وصباغة وتجهيز في 9 شركات، إلى جانب دمج 9 شركات لتجارة وحليج الأقطان في شركة واحدة مخصصة لهذا النشاط، فتراجع عدد الشركات الخاسرة دون حدوث نشاط اقتصادي يقلل الخسائر.
وما يؤكد أن سوء الإدارة يقوض خطط القاهرة لتطوير القطاع الحكومي عدم قدرة شركات الغزل والنسيج المصرية على إنتاج قميص فاخر من الأقطان فائقة الطول والطويلة وقادر على المنافسة عالميًا.
ولم تنجح وزارة قطاع الأعمال في إعادة هيكلة شركة النصر للسيارات وإنتاج السيارة الكهربائية بعد أن أعلنت عن طرحها بمصر مطلع يناير المقبل، لكن فاجأت الوزارة المستهلكين بفشل المفاوضات مع الشريك الصيني في نوفمبر الماضي.
ويلعب وجود إدارات ذات كفاءة يتم اختيارها تبعًا للمهنية وبعيدًا عن المحسوبية دورًا حاسمًا في إحياء شركات قطاع الأعمال، حيث لديها أصول ضخمة تقدر بنحو 52 مليار دولار، يمكن استغلالها وتوفير منتجات قادرة على منافسة القطاع الخاص.
وتكمن أزمة الشركات الحكومية في الإدارة والتوسع في الخصخصة الذي يقابله غضب شعبي لأن عمليات بيع الشركات العامة تشوبها مشكلات كثيرة منها تقييم الأصول وأسلوب البيع والشفافیة، ولذلك تلجأ بعض الدول إلى خصخصة الإدارة.

محمود حسنين: خصخصة الإدارة هي الحل الأمثل لمواجهة الأزمة
وتعني هذه الأداة بقاء ملكية رأسمال القطاع العام في يد الدولة وتتنافس شركات القطاع الخاص في الحصول على عقود تخول لها حق الإدارة، مقابل مزايا محددة مثل حصة في الإنتاج أو حصة في الأرباح من خلال عقود التأجير والإدارة.
وأكد محمود حسنين، أستاذ الإدارة الاستراتيجية بجامعة الأهرام الكندية في القاهرة، أن خصخصة الإدارة حل مثالي لمواجهة أزمة سوء الإدارة، وتشمل التعاقد مع خبراء من القطاع الخاص أو مؤسسات محترفة متخصصة في هذا المجال لتسيير وإدارة الوحدات الاقتصادية المملوكة للدولة في مقابل أتعاب معینة تدون في العقود.
وأضاف لـ”العرب” أن “مواجهة سوء الإدارة بتلك الأداة تتم بالتزامن مع إعطاء الإدارة الخاصة الحرية المنضبطة في إعادة هيكلة الشركات والاستعانة بالخبرات المناسبة واللازمة لإعادة نجاحها وتحقيق المزايا التنافسية على المدييْن القصير والطويل”.
وأوضح أن من أهم المزايا التي يحققها هذا البرنامج زيادة مساهمة الشركات بعد نجاح إعادة الهيكلة في دفع عجلة التنمية الاقتصادية، ونمو المنشآت الصغيرة والمتوسطة في الكيانات الاقتصادية المختلفة، وتقوية الابتكار بالربط مع الجامعات وزيادة عدد شركات الابتكار، وتدريب العاملين ورفع كفاءتهم التكنولوجية.
وتوجد بعض التحديات في طريق خصخصة الإدارة، منها اختلاف الأهداف بين الإدارة المحترفة والحكومة، وبعض المشكلات القانونية في العقود وتوزيع السلطات والمسؤوليات والإجراءات الجمركية، ومشكلات فنية خاصة باستيراد المواد الخام والمستلزمات المختلفة وإعادة تدريب العاملين ومدى قدرتهم على استيعاب التكنولوجيا الحديثة.
ويمكن حل هذه المعوقات باستخدام استراتيجية متكاملة لخصخصة الإدارة تعمل فيها كل الإدارات والحكومة على تذليل تلك المعوقات في ظل دعم كامل من الدولة إذا كانت عازمة على تطوير منشآتها.