ممنوع الضحك

أضاف الزعيم الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى سلسلة قراراته الغريبة والصادمة قرارا منع بموجبه الضحك في الأيام العشرة التي يتم فيها إحياء ذكرى وفاة والده.
عشرة أيام من التجهم والعبوس. ليس الحدث غريبا في التاريخ. فلو قيل إن الحاكم بأمر الله الفاطمي كان قد أمر المصريين بالتجهم لما شعرنا بغرابة ذلك الحدث.
الطغاة يتشابهون والشعوب تتشابه حين يتعلق الأمر بطاعة الطغاة.
أتذكر أن الكثيرين كانوا يشعرون بالضيق وهم يقرأون لافتات كتب عليها “ممنوع التصوير” بالرغم من أنهم لم يكونوا يحملون كاميرات.
لا أعرف شيئا عن مزاج الشعب الكوري ولكنّ شعبا تحكمه سلالة كيم إيل سونغ لا يمكن سوى أن يكون كئيبا.
من الجد إلى الحفيد مرورا بالأب كانت تعليمات حزب العمال الكوري هي المادة الأولى في ثقافة الجموع التي تجيد صنع الصور المتحركة بأجسادها في الملاعب.
تلك هي صور العمال والفلاحين الذين يهيمون حبا بقائدهم الذي يحافظ على التقاليد الثورية التي تخلى عنها الكثيرون.
كانت كتب كيم إيل سونغ المترجمة إلى العربية تُوزع في مدننا مجانا بطبعات فاخرة فكيف الحال بالنسبة إلى مَن كتب لهم القدر أن يكونوا أبناء للجزء الشمالي من كوريا.
كنا نضحك ونحن نقرأ عبارات سونغ الساذجة التي تُفرض على الكوريين باعتبارها مأثورات خالدة.
أتخيل أن الشعب الكوري صار يبحث عن سبب للضحك السري بعد أن فُرض عليه قرار منع الضحك. حتى الذين لم تكن لديهم رغبة في الضحك صاروا يودون لو أنهم انفجروا ضحكا. بالضبط مثل حال أولئك الذين تزعجهم لافتة “ممنوع التصوير” وهم لا يحملون آلات تصوير.
المنع القسري يُذكر بالحرية المسلوبة. فحين تردد أمام أحدهم المثل القائل “الضحك بلا سبب/من قلة الأدب” فإنك تستفزه إذ تذكره بالحالات الكثيرة التي ضحك فيها من غير أن يكون هناك سبب واضح.
ضحك لأنه شعر بالسعادة مثلا. ضحك لأنه يرغب في أن يضحك.
ولا بأس هنا أن نذكر أن المرء ينزلق أحيانا إلى الضحك بتأثير مباشر من حالة الضحك التي تعم من حوله ولا يعرف سببا لها. في تلك الحالة فإن صفة “قلة الأدب” لن تكون لائقة.
في أكثر الظروف حزنا هناك مواقف تدعو إلى الضحك. يروي ميلان كونديرا حادثة ذلك الشخص الذي سقطت قبعته في حفرة قبر صديقه الذي جاء ليودعه.
بدلا من أن يفكر في صديقه صار يفكر في تلك القبعة التي لم تعد في الإمكان استعادتها. من المؤكد أن كيم جونغ أون ذكر شعب كوريا الشمالية بالضحك بعد أن كان قد نسيه.