الحكومة المصرية تتخلى عن دورها بمنح الضبطية القضائية للنقابات الفنية

القاهرة – فتح نقاش ساخن في البرلمان المصري حول تعديل قوانين نقابات المهن الفنية الباب لطرح تساؤلات عن الأسباب التي دفعت الحكومة إلى التخلي عن دورها ووضع مسؤولية رقابية جديدة في يد نقابات مهمتها الرئيسية خدمة أعضائها والدفاع عن حقوقهم، ما يوجِد سلطة جديدة لتحجيم حرية التعبير والإبداع في وقت تتولى فيه جهات حكومية عديدة مسؤولية الرقابة.
ورفض مجلس النواب الأحد مشروع قانون مقدم من الحكومة يقضي بتعديل بعض أحكام القانون رقم 35 لسنة 1978 بشأن إنشاء نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية، بعد استنكار ورفض نيابيّيْن للمادة التي تخول لوزير العدل بالاتفاق مع نقيب أي من رؤساء النقابات المهنية المعنية سلطة إصدار قرار بتحديد من لهم صفة الضبطية القضائية حال مخالفة أحكام القانون.
ولجأت الحكومة المصرية إلى إدخال تعديلات قانونية تمنح أعضاء النقابات حق التدخل في ضبط ممارسة الأداء الفني بعد أن قضت محكمة القضاء الإداري (مختصة بتنفيذ القرارات الحكومية) بوقف تنفيذ قرار سابق لوزير العدل بمنح الضبطية القضائية لأعضاء من مجالس إدارة نقابتي المهن التمثيلية والمهن الموسيقية، وهو ما تطلب اللجوء إلى البرلمان خشية تعرض قراراتها للنقض أمام القضاء.
وتتعلق صفة “الضبطية القضائية” في الأصل بمنح الذين أوكلت إليهم مهمة تنفيذ القانون صلاحيات للقيام بعملهم الذي يركز أساسا على كشف حالات تجاوز القانون وضبط مرتكبيها، وتُمنح أصلا لرجال الشرطة كونهم تابعين للجهاز الذي أوكلت إليه مهمة تنفيذ القانون، غير أن حالة الفوضى التي مرت بها مصر في السنوات الماضية أدت إلى التوسع في منح الضبطية لجهات إدارية.
الحكومة تسعى إلى رفع المسؤولية عنها تجاه التعامل مع مشكلات تطفو بشكل مفاجئ على السطح وتتعمد إشراك جهات أخرى
وأصدر وزير العدل الأسبق أحمد الزند منذ نحو ست سنوات 17 قرارا يقضي بمنح الضبطية القضائية لموظفين وأعضاء نقابات، وشمل الأمر وزارات خدمية مثل موظفي التربية والتعليم والضرائب العامة التابعة لوزارة المالية، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية توسعًا غير مبرر يقود إلى تقسيم أعضاء المهنة الواحدة.
ويرى مراقبون أن الحكومة تستهدف من وراء تلك القرارات رفع المسؤولية عنها تجاه التعامل مع مشكلات تطفو بشكل مفاجئ على السطح وتتعمد إشراك جهات أخرى كي لا تتحمل بمفردها مسؤولية الجدل حول بعض القضايا، خاصة أنها اتخذت موقفًا غير واضح من أزمة نقابة الموسيقيين مع مطربي المهرجانات ومنعهم من الغناء.
وتصدرت نقابة المهن الموسيقية المشهد وطالتها انتقادات واتهامات من أطراف عدة دون حضور مباشر للحكومة، في حين أنه كان يمكنها أن تفعّل دور جهاز الرقابة على المصنفات الفنية التابع لوزارة الثقافة بدلا من تحويل النقابة المهنية إلى جهاز شرطي، الأمر الذي تكون له تأثيرات سلبية على تحركات المجتمع المدني على الأرض ويظهر باعتباره معاديًا لحرية الإبداع والفكر والتعبير.
واعترض مصطفى سالم، وكيل لجنة الخطة والموازنة في البرلمان المصري، على منح الضبطية القضائية للنقابة قائلاً “لما (عندما) كل النقابات هتاخد (تُمنح) الضبطية القضائية.. مين اللى (من الذي) هيتحبس (سيسجن)”، وتساءل “هل سيقضي هذا القانون على الفن الهابط؟ أريد من الحكومة الإجابة على هذا السؤال”.
وقال نقيب الاجتماعيين عبدالحميد زيد إن “الحكومة لم توضح مبرراتها من الضبطية القضائية للنقابات المهنية، وإذا كانت تسعى لحماية المجتمع فإنها تمتلك من الأدوات الكثير الذي يساعدها على ذلك، وفي الوقت ذاته يجب أن يكون هناك تكامل بين أدوارها وما تقوم به النقابات المهنية لحماية أعضائها”.
وأضاف في تصريح خاص لـ”العرب” أن “النقابة تتولى مهمة ضبط مزاولة المهنة بين أعضائها وهناك قوانين يجري تطبيقها على المخالفين أو من يخالفون القواعد العامة، كما أننا سنكون أمام مشكلة أخرى حال جرى تطبيق الضبطية القضائية، تتعلق بخبرات الأشخاص القائمين على العمل النقابي في ممارسة نشاط آخر قضائي، وبالتالي فإن النقابات عليها أولاً أن تعرف حدود المطلوب منها”.
وأعضاء نقابات المهن الفنية ليسوا من بين موظفي الدولة، إنما هم في الأصل ممارسون لمهن إبداعية ولا تدخل في مجال عملهم اليومي ممارسة دور رقابي على أي نشاط، ودورهم الذي انتخبوا لأدائه يقتصر على خدمة مصالح أعضاء نقاباتهم.
ويتعارض توجه الحكومة مع النص الدستوري وفقًا للمادة “67” التي تشير إلى أن “حرية الإبداع الفني والأدبي مكفولة، وتلتزم الدولة بالنهوض بالفنون والآداب، ورعاية المبدعين وحماية إبداعاتهم، وتوفير وسائل التشجيع اللازمة لذلك”.
وذهبت منظمات حقوقية -اعترضت على قرارات الضبطية القضائية لنقابات المهن الفنية- إلى أن حرية الإبداع “فرع أساسي من حريات الفكر والتعبير وتبقى حقا لصيقا بالإنسان بصفة عامة ودون تخصيص لفئة بعينها دون غيرها ولا يجوز بأي حال تقييدها بحدود الكيانات المنشأة أصلا لحماية حقوق من يمارسون صورا بعينها منها”.
وأوضح الرئيس الشرفي لحزب تيار الكرامة (معارض) أن الحكومة تكرس مفهوم حضور السلطة في كافة النشاطات الإبداعية، وتقود لأن يصبح كل شخص يمتلك حماية قضائية متحكما في الذوق والمزاج والوجدان العام وفقًا لرغبته الشخصية، الأمر الذي تكون له سلبيات عديدة على مستوى التضييق على الحريات العامة.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن “تعامل البرلمان مع القانون أمر إيجابي وانتصار مهم للمؤسسة التشريعية في دعم المجتمع المدني، والنقاشات التي دارت حول القانون أرسلت إشارات بأن هناك احتراما لتوجهات الرأي العام الرافضة لتعامل نقيب الموسيقيين مع أزمة مطربي المهرجانات”.
وأبدى سامي تفاؤله بإمكانية أن يتكرر هذا الموقف في قضايا أخرى مرتبطة بحقوق المواطنين، دون أن يعوّل كثيرا على وجود اختلاف جذري في طريقة تعامل البرلمان مع الحكومة.
ويُعد رفض البرلمان لتعديلات قوانين نقابات واتحاد نقابات المهن التمثيلية والسينمائية والموسيقية أول تشريع حكومي يرفضه مجلس النواب الحالي منذ انعقاده في يناير الماضي، والثاني على مدى 6 سنوات، حين رفض المجلس السابق قانون الخدمة المدنية قبل إقراره مرة أخرى مع إدخال تعديلات عليه.