هدم مبنى تلفزيون المستقبل في بيروت.. هدم رمز

أسوأ ما يمكن أن يحدث لوسيلة إعلامية هو أن تتحول من ناقل للقصة إلى القصة في حد ذاتها، خاصة إذا كانت نهايتها حزينة؛ إذ تحول تلفزيون المستقبل من شعاع من الأمل وشاهد على مشروع رفيق الحريري إلى رمز فشل سياسي وإعلامي لابنه سعد.
بيروت- أثارت صور متداولة على مواقع التواصل الاجتماعي تظهر هدم مبنى تلفزيون المستقبل في منطقة الروشة بالعاصمة اللبنانية بيروت جدلا وحنينا وشماتة بين اللبنانيين. وقال متابعون إن صفحة أخرى من صفحات “الرئيس الشهيد” رفيق الحريري تطوى في بيروت إثر هدم مبنى تلفزيون المستقبل (القديم) في منطقة الروشة؛ إذ كان المبنى شاهدا على بداية شاشة المستقبل ورمزا لإعلام الحريري. وغردت ناشطة:
MokbelRita@
هدم مبنى تلفزيون المستقبل، المحطة الشاهدة على أحلام الرئيس الشهيد رفيق الحريري. #لبنان
وقالت مصادر إعلامية لبنانية إن أرملة رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري نازك الحريري قامت عبر وكيلها بعملية الهدم وعرض الأرض للبيع. لكن ناشطين حاولوا إبعاد الأمر عن عائلة الحريري بنفي علاقة نازك الحريري بالعقار وكشفوا أن العقار بيع في السابق للسفارة السعودية في بيروت وهو عقار تابع لها.
وتمنى معلقون لو تأجل سيناريو الهدم لأن المبنى يستمد قيمته من رمزيته ولو كان قديما ومهجورا. وقال معلق:
وبعد انطلاقة مبهرة عام 1993 تحول تلفزيون المستقبل إلى منافس شرس على الصعيدين المحلي اللبناني ومن ثم الإقليمي العربي خلال التسعينات وفِي مطلع الألفية.
وبسرعة تحوّل ذلك المشروع إلى شعاع من الأمل. وشيئاً فشيئاً غزا “المستقبل” الفضاء بقنواته الموجهة إلى مختلف مناطق العالم، فتحولت القناة الوليدة خلال سنوات إلى شبكة شملت عدة قنوات وصحيفة حملت الإسم نفسه وإذاعة بعنوان “الشرق”.
ويقول فيصل عباس رئيس تحرير “عرب نيوز” السعودية “في الروشة، تعايشَ وعملَ السنّي والشيعي والمسيحي والدرزي جنباً إلى جنب بكل انسجام. كنّا نفطر سوياً في رمضان، قبل أن نعاود العمل تحضيراً لنشرة الثامنة مساء. وكنا نزين المكاتب بشجرة الميلاد في ديسمبر، ونحتفل به على الشاشة وخلفها. وحده ‘المستقبل’ كان ينقل صلاة الجمعة، وعظات الأحد، ويبارك لجميع الطوائف بأعيادهم. وحده ‘المستقبل’ كان يبث نشراته بالعربية والإنجليزية والفرنسية والأرمنية”.
لكن “المستقبل” لم يكن قناة لكل اللبنانيين. ولعل أبرز مثال على ذلك هو الصاروخ الذي أطلقه “مجهولون” على مبنى الأخبار بالروشة عام 2003. وكانت الرسالة واضحة في ذلك الوقت؛ فبغضّ النظر عن شعبيته داخل لبنان وخارجه لم يكن “المستقبل” في أعين البعض سوى امتداد لمشروع الرئيس المغدور رفيق الحريري. بالطبع، تم اغتيال مشروع رفيق الحريري باغتياله شخصياً عام 2005؛ فبعد أن ثبتت نفسها كقناة “الحقيقة لأجل لبنان” سرعان ما جاءها الجواب على أيدي أناس تحركهم على الأرجح نفس الأصابع التي اغتالت الحريري. ففي 2008، وإبان احتلال عناصر حزب الله لبيروت، تم حرق مبنى الأخبار في الروشة، وتصاعدت أعمدة سوداء من الدخان.

بعد انطلاقة مبهرة عام 1993 تحول تلفزيون المستقبل إلى منافس شرس على الصعيدين المحلي والعربي خلال التسعينات وفِي مطلع الألفية
وبالرغم من التضييق والمضايقات بقي موظفو “المستقبل” أوفياء لعملهم ولخط رفيق الحريري، متحملين حتى الضائقة المادية التي عصفت بابنه سعد الذي رسّخ مكانته كزعيم لتيار “المستقبل”، قبل أن يعلن في الثامن عشر من سبتمبر 2019 عن تعليق العمل في تلفزيون ‘المستقبل’ التابع له بعد 26 عاما من تأسيسه، معللا قراره بأسباب مادية، وذلك بعد أشهر قليلة من إنهاء عمل صحيفة “المستقبل”.
في نهاية يناير 2019 أصدرت صحيفة ‘المستقبل’ عددها الورقي الأخير بعد عشرين عاما من بدء صدورها، وتحولت إلى موقع إلكتروني. وكان الحريري أوضح أنّ “المحطة لا تتخذ قرارا بوقف العمل.. بل تعلن نهاية مرحلة من مسيرتها لتتمكن من معالجة الأعباء المادية المتراكمة، وتستعد لمرحلة جديدة تتطلع فيها إلى العودة في غضون الأشهر المقبلة (…) بحلة إعلامية وإخبارية تتلاءم مع الإمكانات المتاحة”.
وأعلنت مصادر مقربة من الحريري في سبتمبر الماضي استعداد تلفزيون المستقبل للعودة إلى البث قريبا؛ فقد كشفت عن بدء التحضيرات التقنية للعودة إلى العمل والبث من جديد.
ونقلت مواقع إعلامية لبنانية عن الصحافي والمحلل السياسي المقرب من تيار المستقبل عبدالله بارودي قوله “سعد الحريري اتّخذ القرار النهائي بإعادة فتح تلفزيون المستقبل”.
أما في ما يتعلّق بالموعد فلفت بارودي إلى أنّ ذلك سيتمّ خلال الشهرين المقبلين، مشددًا على أنّ “الحريري أبلغ المعنيين في تيار المستقبل بهذا القرار الحاسم وقد بدأت التحضيرات التقنية منذ حوالي الشهر لعودة العمل في التلفزيون والبث من جديد”. لكن ذلك لم يحدث.
في المقابل سيطر الحنين على تغريدات الإعلاميين الذين سبق أن عملوا في تلفزيون المستقبل. وقالت الإعلامية كارين سلامة:
وغردت الإعلامية جوانا نصرالدين:
JoannaNasreddi1@
#تلفزيون_المستقبل حيث كانت البدايات والأحلام والإنجازات والإخفاقات والأصدقاء والعائلة ويبقى المكان الأحب والأقرب إلى قلبي والشاهد الأخير على ما صنعه رفيق الحريري.
وقالت الإعلامية نادية بساط:
وقال الإعلامي علي علوية:
Ali_Alawieh@
آلمتني هذه الصورة كثيرا؛ هدم مبنى #تلفزيون_المستقبل في الروشة. هذا المبنى الذي شهد انطلاقتي الإعلامية كما العديد من الزملاء الذين أصبحوا نجوماً. المبنى مثله مثل غيره من الأشياء الجميلة التي تهدم في #لبنان كل يوم. هذا الوطن المحب للفرح أصبح حزيناً مقطّع الأوصال ميتا سريرياً.
في المقابل عبر معلقون عن أملهم في عودة تلفزيون المستقبل قريبا. فيما حاول آخرون البحث عن الأسباب النهاية الحزينة. وكتب معلق:
ولم تخل بعض التغريدات من الشماتة في الابن سعد الحريري الذي حمّلوه مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع. فيما صاغ معلقون عنوانا للمرحلة “سنفروا بحياتكم”. وقال الناشط السياسي فؤاد كبارة:
FouadKabbara@
بعد هدم مبنى #تلفزيون_المستقبل، كيف لها أن تلمع صورة سعد وأحمد وبهية بعد اليوم؟ آه نسيت، ما عاد هناك شيء اسمه حريري.
وقالت مغردة:
tera_hora@
الحريري هدم مبنى تلفزيون المستقبل ليبيع الأرض لأنه بحاجة إلى المصاري، وهدم بذلك حلم أبيه بتأسيس تلفزيون خاص وأحلام الكثير من الشباب والصبايا الذين اشتغلوا في هذه المؤسسة وقضى على ذكرياتهم!
ووجه آخرون رسالة إلى الشامتين. وغردت منسقة إعلام في تيار المستقبل:
وحاول معلقون إسقاط عملية هدم التلفزيون على لبنان بأكمله وقالوا إن “عملية الهدم عميقة في رمزيتها” إذ أن “لبنان بلا مستقبل أصلا”. وقال مغرد في هذا السياق:
vPYhUGW0HE3Gdgj@
هدم مبنى تلفزيون المستقبل بلبنان، كلمة مستقبل لم تعد تنفع في بلد يرجع إلى الخلف كما أن الهدم يؤشر على مرحلة قادمة لتيار المستقبل السياسي الذي يرأسه الرئيس سعد الحريري. صديقي في بغداد أخبرني عن تعثر الحريري في دفع ما تخلد بذمته تجاه مشروع يشارك به لمول تجاري في منطقة الدورة ببغداد مما تسبب في تأخيره!
كما أسقطوا الأمر على المحاصصات السياسية في البلاد. وقال مغرد: