الصعيد الآن أولوية لدى السيسي

طفرة تنموية بالمناطق الجنوبية لتحقيق أهداف سياسية وأمنية.
الاثنين 2021/12/27
الوجهة جنوب مصر

القاهرة– يسعى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي لإعادة بناء العلاقة بين الدولة ومناطق الجنوب المعروفة بالصعيد والتي عانت التهميش والإقصاء منذ عقود وهو ما ساعد في تحولها إلى منطقة رخوة تنشط بها المجموعات الإرهابية.

وينصب جدول أعمال السيسي على مدار أسبوع على محافظات جنوب البلاد، والتي شهدت افتتاح عدد من المشروعات التنموية في مناطق ظلت تعاني فترات طويلة من عدم توافر الحد الأدنى من الخدمات والبنى التحتية ما جعلها بيئة رخوة في خاصرة الأمن القومي.

وافتتح السيسي الأحد مشروعات زراعية لأراض صحراوية في محافظة أسوان في أقصى جنوب مصر، وأعاد إحياء مشروع “توشكى” الذي ظل مجمداً نحو عقدين ويستهدف زراعة 200 ألف فدان، إلى جانب افتتاح العديد من الطرق والجسور والمشروعات المتعددة التي تسهم في تحسين جودة الحياة لأكثر من 40 مليون مواطن يقبعون في إحدى عشرة محافظة تقع في جنوب القاهرة.

محسن النعماني: الاستفادة من ثروات الصعيد تتطلب مد أذرع التنمية إلى محافظاته

ووضعت الرئاسة المصرية عنوان “فعاليات أسبوع الصعيد” على أنشطة تركزت على وجود السيسي في محافظات جنوبية مثل: بني سويف وقنا وأسيوط وأسوان، والتي ظلت تعاني من تدني الاهتمام الرسمي بها مقارنة بمحافظات الشمال، مقابل حضور مكثف لتنظيمات متطرفة على مدار سنوات طويلة.

وأرسلت جولات السيسي والمشروعات التي دشنها أخيرا إشارات بأن حضور أجهزة الدولة بات طاغيًا، وأن الهواجس الأمنية آخذة في التبدد تماما، ويجري حصار ما تبقى منها وسدّ جميع المنافذ أمام أيّ محاولات للعودة مستقبلا.

ويريد السيسي أن يعيد فكرة دغدغت مشاعر زعماء سابقين تتعلق بالرغبة في بناء مصر الحديثة على أسس تنموية، ولا يريد أن يكون حاكما عابرا في التاريخ المصري، ولذلك يولي المشروعات القومية اهتماما كبيرا، ما يعني أن لديه مشروعا سياسيا، تأكد أكثر بعد أن قام مؤخرا بتقليص بطاقة الدعم إلى شخصين فقط، في خطوة تهدف أساسا إلى وضع حد للانفجار السكاني.

ويعدّ تسليط الضوء على مشكلات الصعيد وزيادة المشروعات التي تخفف من حدة الأزمات الاجتماعية والاقتصادية تطورا نوعيا في تعامل الدولة المصرية مع الأطراف والمناطق التي عانت من التهميش سنوات طويلة.

ويقطع المشروع الذي يوازن بين التنمية الأفقية وسد الثغرات التي يمكن أن تؤدي إلى أزمات داخلية، الطريق على استثمار جماعات متطرفة للأوضاع الرخوة في بعض الأقاليم البعيدة عن العاصمة، وينهي إشكالية عانت منها الدولة المصرية عندما ركّز البعض من حكامها على القاهرة والمدن القريبة منها وتجاهلوا الصعيد.

ويهدف الرئيس السيسي من خلال تخصيص أسبوع لمشروعات الصعيد إلى دحض انتقادات وجهتها قوى معارضة ذهبت إلى أن التركيز على العاصمة الإدارية القريبة من شرق القاهرة جاء على حساب التنمية في الأقاليم النائية.

ويوحي تتابع افتتاح مشروعات بالصعيد أن الاهتمام بالتنمية في المركز لن يلغي الأطراف، وما تشهده القاهرة الكبرى من تطورات توازيها أخرى في سيناء والصعيد ومحافظات الدلتا في شمال القاهرة، والمحافظات الواقعة قرب الحدود الغربية.

وظهرت عوائد التنمية في الصعيد من خلال انخفاض معدل البطالة من 13 في المئة قبل ست سنوات إلى 6 في المئة هذا العام، وارتفاع حجم الاستثمارات في قطاع الإسكان والمرافق من 9 في المئة إلى 25 في المئة هذا العام.

وتمثل محافظات الصعيد ثلثي المساحة الكلية لمصر، وكانت الأقل نصيبًا من حيث الخدمات العامة والمشروعات التنموية في السنوات الماضية.

Thumbnail

وقال وزير التنمية المحلية الأسبق محسن النعماني لـ”العرب” إن الدولة وجدت أن خطتها لتعزيز الاستفادة من الثروات الموجودة في مناطق جغرافية مختلفة تتطلب مد أذرع التنمية إلى محافظات الصعيد وإعادة صياغة علاقتها بسكانها.

وأضاف أن المشروعات الحالية تخدم سكان الصعيد وتصب مباشرة في صالح تحسين الاقتصاد المصري، وهناك رؤى ترى أهمية الاستفادة من البيئة الخصبة في الصعيد التي تساعد على تنمية الصناعة والزراعة وزيادة معدلات التصدير، لأن تلك المحافظات قريبة من البحر الأحمر ومنه يمكن الانطلاق إلى أسواق جديدة في آسيا وأفريقيا.

وأوضح أن الربط الحاصل بين الصعيد والبحر الأحمر عبر شبكة الطرق الجديدة يستهدف تطوير تلك المناطق وتهيئتها لعملية استثمار واعدة، وتحصينها من انتشار العناصر المتطرفة التي وظفت الصحارى الشاسعة كنقاط انطلاق لها لممارسة عمليات إرهابية تصاعدت وتيرتها في العقود الثلاثة الماضية.

تسليط الضوء على مشكلات الصعيد يعد تطورا نوعيا في تعامل الدولة المصرية مع الأطراف والمناطق التي عانت من التهميش سنوات طويلة

وانتبه النظام المصري مؤخرا إلى خطورة الفراغ الكامن في مناطق الظهير الصحراوي لمحافظات الصعيد، فمحافظة أسيوط مفتوحة على محافظة الوادي الجديد في الصحراء الغربية القريبة من ليبيا، وما مثلته هذه المنطقة من متاعب أمنية.

وكانت بعض المناطق الصحراوية القريبة من الصعيد مسرحاً لعمليات إرهابية، وتحولت بعد عام 2013 إلى مسرح لاستقبال عناصر متطرفة وتدريبهم على استخدام الأسلحة وإعداد العبوات المتفجرة.

وخشيت دوائر أمنية أن تتحول محافظات الجنوب إلى ملاذ لاستقطاب الكثير من الشباب العاطلين عن العمل ويعانون إهمالا من الدولة، وتفريخ عناصر إرهابية جديدة، مع تزايد المخاوف من ظهور موجة إرهابية تأتي من بعض دول أفريقيا.

وأكد الخبير في مكافحة الإرهاب اللواء إيهاب يوسف أن الحكومة تحاول التعامل بإيجابية مع الأدوات التي تستخدمها التنظيمات المتطرفة لاستغلال شبابها، وتركز على تخفيف حدة الاحتياج في بؤر تواجه أزمات معيشية صعبة وتتزايد فيها معدلات الفقر، وتشكل التنمية مقدمة مهمة لإقناع المواطنين بأن الدولة مهتمة بهم، بما يقطع الخطاب التحريضي لدى القوى المتطرفة.

وأشار لـ”العرب” إلى أن سوء التوزيع بالنسبة إلى الثروات ومخصصات التنمية سابقا خلق حالة من الاحتقان في تلك المناطق والذي سوف يكون قابلاً للتصاعد لاحقا، إذا استمر التركيز فقط على المركز وإهمال الأطراف.

ولفت إلى أن سياسات التقشف التي اتبعتها الحكومة في السنوات الماضية كانت لها تأثيرات سلبية على صورة الدولة، في حين أن هناك فراغا ملأته الجماعات المتطرفة.

وتؤدي التوجهات الحالية للنظام المصري إلى نتائج إيجابية على المديين المتوسط والبعيد، لكن هناك حاجة لأن يشعر أبناء الصعيد أن ما يحدث حاليا ليس أمرا مؤقتا، وأن هناك خطة استراتيجية ترمي إلى رفع مستوى أوضاعهم المعيشية.

ولذلك من الضروري أن يكون التوجه الحضاري مصاحبا للمشروعات التنموية خاصة في مجال استصلاح الأراضي الزراعية التي تقلص المساحات الصحراوية الشاسعة والتي يمكن أن يستفيد منها المواطنون بشكل مباشر في محافظات الصعيد.

1