تجدد الخلاف بين رأسي السلطة يعيد الصومال إلى مرحلة عدم اليقين

تنذر عودة تبادل الاتهامات بين الرئيس الصومالي محمد عبدالله فرماجو ورئيس الوزراء محمد حسين روبلي بتعميق الأزمة السياسية بسبب المأزق الانتخابي وتضع البلاد على مفترق طرق يهدد استقرارها الهش الذي تهدده الجماعات الجهادية والفقر والمجاعة.
مقديشو- اتهم رئيس الوزراء الصومالي محمد حسين روبلي الأحد رئيس البلاد محمد عبدالله فرماجو بعرقلة الانتخابات، ما يؤشر على عودة الخلافات بين رأسي السلطة في مقديشو والتي تضع البلاد، حسب مراقبين، في أزمة مؤسسات خطيرة تعيدها إلى مرحلة عدم اليقين.
وأعلن الرئيس الصومالي السبت أنه سحب من رئيس الحكومة تكليفه بتنظيم انتخابات طال انتظارها ما تسبب في أزمة مؤسسية خطيرة، بسبب “فشله” في مسؤولياته.
وتدور خلافات متكررة بين فرماجو وروبلي بسبب الانتخابات. وقد يؤدي هذا القرار إلى تصعيد جديد على رأس هذا البلد غير المستقر في منطقة القرن الأفريقي.
ويرى مراقبون أن أطماع فرماجو وأجنداته الشخصية هي السبب الرئيسي في المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد، إذ أنه يطمح إلى تمديد ولايته المنتهية منذ الثامن من فبراير الماضي لمدة عامين عبر استمراره في خلق الصراعات السياسية بعد رفض شعبي للتمديد له.
واعتبر فرماجو في بيان أن “رئيس الوزراء فشل في أداء واجبه في إجراء انتخابات على أساس اتفاق السابع عشر من سبتمبر 2020” الموقع منذ أكثر من خمسة عشر شهرا وكان يفترض أن يستخدم كخط توجيهي للاقتراع.
ودعا الرئيس إلى عقد مؤتمر تشاوري يجمع الحكومة الاتحادية والولايات الصومالية وسلطات العاصمة مقديشو لاختيار “قيادة كفوءة” تقوم بالعملية الانتخابية التي تشمل انتخاب نواب مجلسي النواب والشيوخ في البرلمان وكذلك رئيس الجمهورية. وجاء هذا القرار بعد ساعات قليلة من إقالة رئيس مفوضية الانتخابات الذي اعترض عليه الرئيس.
وانتهت ولاية فرماجو الذي يتولى الحكم منذ 2017 في الثامن من فبراير من دون أن يتمكن من الاتفاق مع القادة الإقليميين على تنظيم انتخابات في الصومال الذي يتبنى نظاما انتخابيا معقدا وغير مباشر. وكان الإعلان في منتصف أبريل عن تمديد ولايته لمدة عامين أدى إلى اشتباكات مسلحة في مقديشو.

وفي بادرة تهدئة كلف فرماجو روبلي بتنظيم الانتخابات، لكن في الأشهر التي تلت استمر التوتر بين الرجلين وبلغت المواجهة بينهما أوجها في السادس عشر من سبتمبر مع إعلان رئيس الدولة تعليق الصلاحيات التنفيذية لرئيس الوزراء الذي رفض القرار. وتفاهم فرماجو وروبلي أخيرا على وقف التوتر في أواخر أكتوبر وأصدرا دعوة مشتركة لتسريع العملية الانتخابية.
وانتهت انتخابات مجلس الشيوخ في جميع الولايات باستثناء غالمودوغ وبدأ التصويت في أوائل نوفمبر لمجلس النواب، لكن اختيار رئيس بعد نحو عشرة أشهر على انتهاء ولاية فرماجو لا يزال بعيدا.
وقال روبلي إن فرماجو “لا يريد إجراء انتخابات نزيهة في البلاد، بل ويسعى لاستمرار ولايته من خلال وضع عراقيل أمام جهود نجاح عملية الانتخابات”.
وتحذر الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي من أي محاولة لتنظيم انتخابات جزئية أو عبر عملية لا تكون موضع توافق في البلاد. ويشهد الصومال عدم استقرار منذ 1991 وسقوط النظام العسكري برئاسة الرئيس السابق محمد سياد بري ما أدى إلى تسريع غرق البلاد في حرب فصائل تلاها تمرد بقيادة حركة الشباب الإسلامية المتطرفة.
ويعتقد مراقبون أن أزمة رئيس الدولة والمأزق الانتخابي يصرفان الانتباه عن قضايا أكثر أهمية في الصومال مثل تمرد حركة الشباب الإسلامية الذي يهز البلاد منذ 2007.
وعلى الرغم من طردهم من مقديشو بالقوة من قبل بعثة الاتحاد الإفريقي (أميصوم) في 2011، ما يزال عناصر الحركة يسيطرون على مناطق ريفية كبيرة وينفذون هجمات بانتظام في العاصمة.
وحذر محلل أمني صومالي من أن فراغ السلطة والانقسامات بين الزعماء السياسيين يعطيان دفعة لحركة الشباب المتشددة المرتبطة بتنظيم القاعدة، مشيرا إلى سلسلة من الهجمات في الآونة الأخيرة في جزء يسوده هدوء نسبي من البلاد.
وقال حسين شيخ علي مستشار الأمن القومي السابق بالصومال ومؤسس معهد هيرال البحثي في مقديشو إن حركة الشباب استغلت بالفعل الفراغ الأمني لشن هجمات في أجزاء من وسط الصومال كانت تتمتع بسلام نسبي لعشر سنوات تقريبا. وأضاف شيخ علي “هذا فشل من جانب الرئيس والنخبة السياسية في الصومال والمجتمع الدولي. لم تكن لديهم خطة بديلة للمضي قدما”.
أطماع فرماجو وأجنداته الشخصية هي السبب الرئيسي في المأزق السياسي الذي تعيشه البلاد، إذ أنه يطمح إلى تمديد ولايته المنتهية منذ الثامن من فبراير الماضي لمدة عامين
وتسيطر الحكومة الفيدرالية الضعيفة على قسم من أراضي الصومال، وتعتمد على دعم قوة حفظ السلام للتصدي لتمرد حركة الشباب.
ويشكل الاقتصاد بدوره تحديا كبيرا أمام إجراء الانتخابات في البلاد، حيث تقدر الميزانية المالية للعملية بأكثر من 40 مليون دولار، على أن تدفع الحكومة 10 في المئة منها بواقع 4 ملايين دولار.
ويأتي ذلك بالتوازي مع إعلان وزارة المالية عن أزمة اقتصادية كبيرة وعجز مالي لصرف رواتب الموظفين نتيجة توقف المنح المالية لدعم خزينة الدولة إلى جانب جائحة كورونا التي أثرت سلبا على الاقتصاد وقطاعات رئيسية مختلفة، وهو ما يعيق جهود تنظيم الانتخابات.