بطاقة تموينية لاثنين: هل اتخذ السيسي أكثر قراراته جرأة وأبعدها تأثيرا

خطوة تضغط لتنظيم الإنجاب والتصدي للانفجار السكاني.
الخميس 2021/12/23
قطيعة مع القدرية المصرية

القاهرة – تخلى الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي، من خلال قرارات تتعلق بقصر الدعم الموجّه إلى الملايين من الأسر على شخصين فقط وإيقافه تماما عن المتزوجين حديثا، عن محرمات قيدت تحركات رؤساء سابقين اعتبروا المساس ببطاقة التموين أو إدخال تعديلات جوهرية على نظامها من الأمور التي يصعب الاقتراب منها، وبهذه الخطوة يكون السيسي قد اتخذ أكثر قراراته جرأة وأبعدها تأثيرا.

وقال السيسي إنه لن تتم إضافة أفراد ببطاقات التموين لأكثر من فردين، مؤكدا أنه لن يتم أيضا إصدار بطاقات جديدة للمتزوجين حديثًا. وأضاف متسائلا “كيف يتم الإنفاق على متزوج جديد، والدولة في حاجة إلى هذه الأموال لإنشاء مشروعات تنموية؟”.

وينسجم القرار المصري مع توجهات متزايدة في الغرب نحو الحد من مسؤولية الدولة عن دعم الأسر؛ ففي بريطانيا مثلا أوقفت الدولة “منحة الأطفال” للطفل الثالث، وحصرتها في طفلين فقط لمنع تحول الأسر إلى أسر منجبة بدلا من أن تكون أسرا منتجة.

جهاد عودة: ترشيد الدعم خطوة متأخرة، يجب تطبيقها بحذر في ظل الغلاء

وفي بادرة ذكية، يكون القرار بعيدا عن استفزاز أي فئة شعبية بشكل مباشر لأنه سيؤثر بشكل لاحق وليس آنيا، على الرغم من أنه يمس الجميع.

وربط متابعون بين القرار المفاجئ وبين تقلبات أسعار السلع في العالم التي تستورد مصر جزءا كبيرا منها، خاصة القمح، وتكلف خزانة الدولة مبالغ طائلة، ورأوا أن الخطوة “ذكية وسوف تكون لها تأثيرات إيجابية بعيدة المدى”.

ويشير الإجراء الجديد إلى بعد نظر ورغبة في التحلل من بعض الثوابت التي أثرت سلبا على اقتصاد البلاد، فهو لم يحرم الأسر الفقيرة من الدعم تماما واشترط تقديمه في حدود وضوابط معينة بما يجنّب هدر نسبة كبيرة من المواد التموينية التي عانت الكثير من الحكومات السابقة من صعوبة ضبط منظومتها.

وجاء حديث السيسي بعد أن صدم المصريين في أغسطس الماضي بقوله “إن الوقت قد حان لزيادة أسعار الخبز”، وتطرق حينئذ إلى هذه القضية لأول مرة منذ يناير 1977 عندما تراجع آنذاك الرئيس الراحل أنور السادات عن رفع الأسعار بعد أعمال شغب.

وعندما وجد السيسي ردود فعل غير مواتية تحول دون تنفيذ قرار رفع الدعم عن الخبز بسهولة تم تأجيله وعاد بشكل مبتكر وأكثر نفعا عبر تقنين العمل ببطاقة التموين.

ويوفر برنامج الدعم الواسع في مصر مواد (مثل الخبز والأرز والسكر) لنحو 60 مليون مواطن، حيث يقع حوالي 30 في المئة من السكان تحت خط الفقر.

وتصدر بطاقات التموين من خلال وزارة التموين والتجارة الداخلية، وكان بإمكان الأسر المستفيدة منها إضافة أفراد جدد بشكل روتيني إلى بطاقات الدعم.

وقال السيسي باللهجة العامية المصرية أثناء افتتاحه مشاريع تنموية بمحافظة أسيوط في جنوب القاهرة “يمكن إصدار بطاقة تموين ثانية لحد بيتزوج لأن لو بقى بيتزوج ومنتظر الدولة تعطيك بطاقة تموين، أنت مش قادر تصرف.. إزاي (كيف) يعني، لا دا (هذا) كلام مش (غير) مضبوط”.

وأضاف “دي (هذه) ثقافة تشكلت في وجدان الناس مش (غير) موجودة غير في بلدنا احنا (نحن)..اشتري الحاجة بأقل من ثمنها، آخد الخدمة بأقل من ثمنها، وكمان أما (عندما) أخلف.. حد يأكلي (يصرف عليهم ماديا) عيالي”.

ونجحت طريقة الصدمات التي يتبعها السيسي في تمرير عملية الإصلاح الاقتصادي الكبيرة بأقل قدر من التكاليف السياسية ما يشجعه على استكمالها بخطوات موازية.

لما أخلّف حد يأكلّي عيالي
لما أخلّف حد يأكلّي عيالي

واستقبل البعض حديث السيسي بحالة من الرفض جراء الاقتراب من ملف الدعم الحكومي للأسر البسيطة وتقليص المستفيدين إلى اثنين في كل أسرة، مع حرمان المتزوجين الجدد من سلع مدعومة يعتمدون عليها لمواجهة الصعوبات المعيشية.

وينظر النظام المصري بريبة إلى ملف الدعم، ولا يمر عام إلا ويقوم برفع أسعار بعض السلع المدعومة، وفي كل مرة يختبر صمت المصريين، وإن كانت بعض الآراء تتحدث أحيانا عن وصول الشارع إلى مرحلة متقدمة من الغضب المكتوم.

ويرى مراقبون أن تحجيم الدعم واقتصاره على فردين يستهدفان أيضا الضغط على الأهالي لتنظيم عملية الإنجاب في ظل الانفجار السكاني الذي صار يلتهم جزءا كبيرا من معدلات التنمية، ولم يعد المواطن العادي يشعر بأن الحكومة تفعل له شيئا.

القرار المصري ينسجم مع توجهات متزايدة في الغرب نحو الحد من مسؤولية الدولة عن دعم الأسر؛ ففي بريطانيا مثلا أوقفت الدولة منحة الطفل الثالث

ويجبر رفع الدعم عن المتزوجين الجدد تحديد عدد الأبناء، ما يوفر على الحكومة مبالغ ضخمة تستطيع من خلالها الإنفاق على مشروعات خدمية تمس حياة كل فئات المجتمع بعيدا عن قصْر قيمة الدعم على سلع توجه إلى شريحة بعينها.

واستبعد الخبير السياسي جهاد عودة أن يتسبب قرار السيسي في بلوغ الغضب حد الاحتجاج، لأن المصريين ذاقوا مرارة عدم الاستقرار السياسي، لكن الأمر سيترك انطباعات سلبية تضع على عاتق الحكومة مسؤولية تعويض هؤلاء ببرامج اجتماعية تخفف من الضغوط الواقعة عليهم كي لا يخسر النظام شعبيته.

ووصل الانفجار السكاني في مصر إلى مستوى مرتفع، حيث يتم إنجاب طفل كل 15 ثانية، وارتفع عدد المصريين لأكثر من 105 ملايين نسمة في الداخل، وهو الملف الذي تتعامل معه الحكومة كملف لا يقل خطورة عن الإرهاب.

وقال جهاد عودة لـ”العرب” إن “ترشيد الدعم إلى الحد الأدنى خطوة متأخرة، لكن يجب تطبيقها بحذر في ظل الغلاء العام وصعوبات المعيشة وعدم قدرة البسطاء على العيش على الحد الأدنى من الحياة الكريمة، فهؤلاء أكثر ما يشغلهم الحفاظ على السلع المدعومة التي يتحصلون عليها عن طريق بطاقات التموين شهريا”.

وتعوّل الحكومة على برامج الحماية الاجتماعية التي دشنتها وتستهدف البسطاء لامتصاص غضب هذه الشريحة، حيث لم يعد يستهوي الحكومة الاستمرار في تقديم دعم لا يظهر للعامة في صورة إنجاز مشروعات مختلفة، وتريد أن تستفيد من أموال الدعم في توجيهه نحو خدمات يحصل منها المواطنون على مردود مباشر.

1