محاولة مصرية جديدة لإنقاذ مصانع النسيج الحكومية

تخوض مصر محاولة جديدة لإنقاذ صناعة الغزل والنسيج التي تئن على مدى عقود بسبب الإهمال وتخلّف تكنولوجيا التصنيع، مع إبرام وزارة قطاع الأعمال العام اتفاقيات تمويل مع ثلاثة بنوك أوروبية من سويسرا وإيطاليا وألمانيا لشراء ماكينات وآلات حديثة بقيمة تتجاوز نصف مليار يورو.
القاهرة - تترقب الحكومة المصرية الإفراج عن الشريحة الأولى من قرض أوروبي يقدر بنحو 355 مليون يورو (400.2 مليون دولار) لتطوير خطوط إنتاج مصانع النسيج التي تدهورت وتعمل بتكنولوجيا تعود إلى الستينات من القرن الماضي.
وتراهن القاهرة على خطة الإنقاذ لتحويل الشركة القابضة للغزل والنسيج إلى تسجيل أرباح تقديرية سنوية تصل إلى نحو 192 مليون دولار وانتشالها من الخسائر الحالية التي تقدر بنحو 160 مليون دولار سنويا.
وشرعت الحكومة في إحياء صناعة الغزل والنسيج منذ العام 2016 مع عودة وزارة قطاع الأعمال العام ضمن خطة شاملة لتطوير شركات الحكومة.
وترتب على الخطة دمج 23 شركة غزل ونسيج وصباغة وتجهيز في 9 شركات، إلى جانب دمج 9 شركات لتجارة وحليج الأقطان في شركة واحدة مخصصة لهذا النشاط، ليصبح في البلاد نحو عشر شركات غزل ونسيج قادرة على المنافسة.
وتستهدف خطة الدمج زيادة التخصص في عمليات الإنتاج ودمج الأنشطة والشركات التي تعمل في مجالات متشابهة للحد من تكرار نفس الأنشطة في أكثر من شركة.

أحمد مصطفى: تطوير خطوط الإنتاج سيتم بآلات سويسرية وألمانية وإيطالية
وتعتزم الحكومة الانتهاء من إنشاء أكبر مصنع في العالم للغزل والنسيج بمدينة المحلة الكبرى، في إطار خطة الإنقاذ أيضا وضبط بوصلة تجارة القطن المحلي والاعتماد على تكنولوجيا إنتاجية بالتعاون مع شركة ريتر السويسرية، وهي الشريك الرئيسي في تطوير مصانع الغزل الحكومية.
ورصدت القاهرة نحو 1.5 مليار دولار لتطوير شركات الغزل والنسيج، موزعة على شراء الآلات والمعدات بقيمة 640 مليون دولار، وعلى الأعمال المدنية بقيمة تبلغ نحو 448 مليون دولار، والقيمة المتبقية على التدريب وبعض الأعمال الأخرى.
ويعد شراء المعدات الحديثة بداية تشغيل مصانع الغزل والنسيج الحكومية بكفاءة تعزز جودة المنتجات وملاءمتها للتصدير، بشرط تهيئة بيئة الاستثمار وحماية الأسواق المصرية من منتجات الغزول والأقمشة المستوردة، خاصة من دول شرق آسيا، وتعهد الشركات بتوفير الغزول اللازمة لتغطية الأسواق محليًا وتصدير الفائض.
وتواجه الخطة الحالية تحديا، إذ يفرض ذلك على الحكومة التوسع في زراعة القطن قصير التيلة، لأن شركات الملابس والمنسوجات المصرية تعتمد على النوع الأخير، ولا يوجد سوى جزء ضئيل للغاية يستخدم القطن طويل التيلة، وهو دليل على انخفاض إنتاج مصر من القطن طويل التيلة من 12 مليون قنطار إلى 1.5 مليون قنطار حاليا.
كما تدخل شركات النسيج في منافسة مع قرب تدشين أكبر مدينة صينية للنسيج بالبلاد في مدينة السادات وتعتمد على تقنيات تكنولوجية متقدمة.
وتضم المدينة 592 مصنعا، وهي من أكبر المناطق الصناعية المتخصصة في مصر، وقد حظيت باهتمام كبير من السلطات التي قررت تصنيفها ضمن المشروعات القومية.
وقال أحمد مصطفى رئيس الشركة القابضة للغزل والنسيج لـ”العرب إن “الشركة سعت إلى تدبير ذلك القرض لشراء الآلات الحديثة لشركات الغزل والنسيج والملابس الحكومية بدعم من وزارة قطاع الأعمال العام وفي إطار خطتها لتطوير القطاع”.
وتتضمن خطة تطوير صناعة الغزل والنسيج استكمال تطوير 7 محالج جديدة لتوفير أقطان نظيفة وقابلة للتتبع كمدخلات لصناعة الغزل والنسيج والصباغة والتجهيز، من أجل توفير مدخلات ذات جودة عالية لصناعة ملابس جاهزة يقوم بها القطاع الخاص.
وأوضح مصطفى أن الشريحة الأولى من القرض توجه إلى شراء آلات ومعدات حديثة من الموردين السويسريين، وتخصص الشريحة الثانية التي تحصل عليها الحكومة خلال العام المقبل لشراء ماكينات ومعدات إيطالية وألمانية.
وتفرض التحديات المستقبلية على الحكومة أن تواكب المتغيرات العالمية في زراعة القطن، وتعتمد على القطن قصير التيلة لأن نسبة استخدام طويل التيلة ضئيلة عالميا.

ويمثل القطن طويل التيلة 4 في المئة فقط من الإنتاج العالمي، ويستحوذ قطن بيما الأميركي على 90 في المئة، ولا يمتاز بنفس جودة القطن المصري الناعم بفضل طبيعة الطقس، والنسبة المتبقية تستحوذ عليها البرازيل والهند والصين والسودان ومصر.
ورحب محمد المرشدي، رئيس غرفة الصناعات النسيجية في اتحاد الصناعات المصرية، بخطوة الحكومة لشراء المعدات الحديثة، لكنه حذر من استمرار استخدام القطن المصري طويل التيلة لإنتاج الغزول والأقمشة.
وقال لـ”العرب” إنه “إذا تمسكت الحكومة باستخدام القطن طويل التيلة في تلك الآلات فسوف يترتب على ذلك خروج المنتجات المصرية من المنافسة المحلية والعالمية وعدم القدرة على تصدير الأقمشة، لأن شركات الملابس المحلية تعتمد على الأقمشة الواردة من دول جنوب شرق آسيا أو جنوب آسيا خاصة من الهند وباكستان”.
ويأتي في مقدمة المعوقات التي تعرقل استخدام القطن المصري في المصانع الحكومية عند بدء استخدام الماكينات الحديثة أن تكاليف حلج وتهيئة الأقطان طويلة التيلة مرتفعة كما أن الأقمشة الناتجة عنها باهظة الثمن أيضًا.

محمد المرشدي: عدم الاعتماد على القطن قصير التيلة لا يضمن نجاح التجربة
وأوضح المرشدي أن الأذواق العالمية تغيرت منذ سنوات عديدة، إذ أصبحت موضة الكاجوال بارتداء الجينز والتيشيرت هي السائدة، وهي تحتاج إلى قطن قصير التيلة ما يمثل ضغطًا على الصادرات المصرية من الملابس لمحدودية الأسواق التي تعتمد على الملابس المصنوعة من القطن طويل التيلة.
وتسببت أزمات قطاع الغزل والنسيج خلال السنوات الماضية في مغادرة عدد كبير من العمالة السوقَ، لكن حال تطوير المصانع وبدء الإنتاج ستعود تلك العمالة إلى المصانع، كما يسهل تدريبها على استخدام المعدات الحديثة، إذ رصدت وزارة قطاع الأعمال ميزانية منفصلة للتدريب.
وتمتاز الآلات الحديثة المستخدمة في مصانع الغزل والنسيج بأنها تعزز جودة الخامات والأقمشة الناتجة من القطن قصير ومتوسط التيلة، وتزيد منافسة نظيرتها المتولدة عن القطن طويل التيلة، ولذلك يعتبر استخدام النوعين الأول والثاني أقل تكلفة وأكثر قدرة على المنافسة عالميًا.
وينذر استمرار الاعتماد على القطن طويل التيلة بعد تطوير المصانع الحكومية بانهيار صناعة الغزل والنسيج في مصر، لأن العائد الاقتصادي من وراء استخدامه غير مجدٍ لشركات الملابس، ما يدفعها إلى الاستمرار في شراء الأقطان المستوردة.
ويلعب تأسيس مصنع الغزل والنسيج الذي تدشنه الحكومة في مدينة المحلة الكبرى دورا حاسما في إنتاج الغزول الرفيعة المصنوعة من القطن المنتج محليا لزيادة القيمة المضافة وتقليل تكلفة تحويله إلى أقمشة، في خطوة تعزز الاستفادة من سمعته العالمية وإمداد الشركات المحلية.
ووفق الشركة القابضة للغزل والنسيج تتنوع عمليات الإنتاج اليومي للمصنع الجديد على نحو 15 طنا من الغزول الرفيعة و15 طنا أخرى سميكة، فضلا عن أنه يشجع على الإنتاج والتشغيل لمجموعة مصانع النسيج والصباغة والتجهيز داخل مدينة المحلة التي لم تشهد شركاتها ضخ استثمارات منذ أكثر من خمسة عقود.