قلق تغيرات المناخ أضحى مشكلة نفسية

الخوف والرهاب والغضب والحزن استجابات صحية وعقلانية للتهديدات المناخية.
الخميس 2021/12/23
النضال من أجل التعامل مع أزمة المناخ مطلوب

يتسبب تغير المناخ في زيادة مشاكل الصحة العقلية بين مختلف الأجيال، صغارا وكبارا، ويدق خبراء الصحة النفسية ناقوس الخطر رغم أن الكثيرين يرفضون الحديث عن تغيرات المناخ، ويرجع الخبراء ذلك إلى شعور البعض بأنها محبطة للغاية إلى درجة أنها لا تترك لهم مجالا للنوم. ودعوا إلى النضال من أجل حلحلة أزمة المناخ.

لندن - بدأ ناشط المناخ الألماني ديتر مولر، البالغ من العمر 64 عاما، يفكّر بشكل جدي في تأثير التغير المناخي على الكوكب بينما كان يراقب النجوم في معسكر تخييم بري في إسبانيا منذ عدة سنوات. ويقلقه تغير المناخ الآن كثيرا إلى درجة أنه غالبا ما لا يستطيع النوم.

وقال لمجموعة نقاش افتراضية عن صحوة المناخ “منذ أن أدركت هذا لم أنم الكثير من الليالي. وأستيقظ أحيانا في الليل وأفكر في ما يمكنني فعله وما سيحدث”.

لكن عندما يحاول التحدث إلى أصدقائه حول هذا الموضوع يبدون في عالم مختلف في بعض الأحيان. ويلاقي ردودا تمتد من الرفض الغاضب إلى التناقض المتجدد. وقال “هناك الكثير من الناس الذين لا يرغبون في الحديث عن ذلك، ويقولون إنهم منشغلون بحياتهم اليومية. أشعر أحيانا كأنني من خارج الأرض عندما يتعلق الأمر بموضوع المناخ، وكما لو أنني أرى حقيقة مختلفة”.

ويتسبب تغير المناخ في زيادة مشاكل الصحة العقلية بين مختلف الأجيال، صغارا وكبارا. لكن علماء النفس والنشطاء يقولون إن الكثير من الناس لا يريدون التحدث عن المخاطر المحدقة والمتزايدة التي يسببها التغير المناخي لأنه يُنظر إليها على أنها محبطة للغاية.

تغير المناخ يتسبب في زيادة مشاكل الصحة العقلية بين مختلف الأجيال، لكن علماء النفس يقولون إن الكثير من الناس لا يريدون التحدث عن المخاطر المحدقة والمتزايدة التي يسببها هذا التغير

وتقدم شبكة متنامية من مجموعات الدعم والمناقشة حول المناخ في جميع أنحاء العالم ردا على ذلك مساحات يمكن للناس من خلالها التعبير عن مشاعرهم.

وقالت مارغريت كلاين سالامون، عالمة النفس والناشطة التي بدأت مناقشات صحوة المناخ على الإنترنت حول العواطف المرتبطة بالمناخ العام الماضي، إن “القلق والخوف والرهاب والغضب والحزن كلها استجابات صحية وعقلانية” للتهديدات المناخية، “ولكن هناك هذا النوع من المحرمات الاجتماعية، حيث لا تريد إفساد حفل العشاء بالتحدث عن نهاية العالم”.

وقال خبراء الصحة العقلية المهتمون بقضايا المناخ إن “النضال من أجل حلحلة أزمة المناخ هو استجابة طبيعية لتهديد حقيقي ولا ينبغي اعتباره مرضا أو رفضه على أنه شعور غير منطقي يجب التغلب عليه”.

وقالت أليس ووكر، وهي أخصائية نفسية إكلينيكية تشارك في إدارة مجموعة “كلايمت كافيه” ومقرها بورتسموث، “قد أكون في الواقع أكثر قلقا بشأن الأشخاص الذين ليس لديهم رد فعل على الإطلاق”.

ويكون الخوف أحيانا دافعا إلى التغيير. وتحدثت الناشطة المراهقة غريتا ثونبرج عن النشاط الذي ساعدها في التغلب على خوفها الشديد من ارتفاع درجات الحرارة في العالم.

لكن علماء النفس يقولون إنه “إذا تُركت المشاعر السلبية تتفاقم داخليا فقد تصبح مدمرة وتخلق دوامة من اليأس والذعر. وبينما يمكن للناس عادة مشاركة مخاوفهم مع الأصدقاء المقربين والعائلة يمكن أيضا للآخرين الذين يحاولون التحدث إليهم أن يكونوا غير قادرين على الاعتراف بهذه المشاعر السلبية والتعامل معها”.

ويعتقد مولر أن أصدقاءه وعائلته لا يريدون في الكثير من الأحيان الاعتراف بالخوف والعجز اللذين يصاحبان مواجهة التهديدات المناخية. وقال “إنهم يشبهون بعض المرضى في برنامج ‘رعاية نهاية الحياة’ (حيث يعمل) الذين لا يستطيعون تقبل فكرة اقتراب نهاية حياتهم، وبدلا من ذلك يتشاجرون حول خطط ثانوية للمستقبل أو ينشغلون بالتسوق عبر الإنترنت”.

وقال علماء النفس إن نبذ المخاوف يمكن أن يكون بدوره صادما للأشخاص الذين يعانون من القلق المناخي. وأضافت ووكر “يمكن في الكثير من الأحيان أن يلاقي القلقون ردودا بشأن كيفية وجوب أن نكون أكثر تفاؤلا، أو ما إذا كانت التكنولوجيا ستنقذنا. ويجربون الشعور بالاكتئاب قليلا في دوائرهم الاجتماعية المعتادة”. وتعتبر مجموعتها جزءا من شبكة من المقاهي المناخية على غرار “مقاهي الموت”، وهي شبكة اجتماعات عامة تم تطويرها في سويسرا وبريطانيا من أجل إفساح المجال للمحادثات الصريحة المتعلقة بنهاية الحياة.

وقالت ريبيكا نيستور، عضو مجلس إدارة تحالف علم النفس المناخي الذي يسهل الاجتماعات وطوّر نموذج “مقهى المناخ”، “يعدّ الموت وتغير المناخ من المواضيع المحظورة إلى حد ما”. وأشارت إلى أن الطلب على التدريب لإنشاء مقاه مناخية شهد تصاعدا كبيرا منذ تقرير الأمم المتحدة الأخير عن علوم المناخ في أغسطس، والذي بدا كأنه “إنذار أحمر للبشرية”.

الكثير من الناس لا يريدون التحدث عن المخاطر المحدقة التي تشكلها تغيرات المناخ، لأنه يُنظر إليها على أنها محبطة للغاية
الكثير من الناس لا يريدون التحدث عن المخاطر المحدقة التي تشكلها تغيرات المناخ، لأنه يُنظر إليها على أنها محبطة للغاية

ويتراوح أولئك الذين يسجلون الدخول إلى محادثات المناخ الافتراضية، أو الذين يصلون إلى قاعات المجتمع للمحادثات، بين فئة المراهقين وفئة المتقاعدين، وبين النشطاء ذوي الخبرة وأولئك الذين بدأوا للتو في التعامل مع الموضوع.

ويريد البعض مناقشة قلقهم أو الأسئلة التي تتمحور حول ما إذا كان عليهم إنجاب أطفال في مستقبل غير مؤكد. ويعبر آخرون عن غضبهم على القادة أو الشعور بالذنب تجاه اختياراتهم في الماضي. لكن الأكثر شيوعا بين المشاركين هو الشعور بالعزلة والرغبة في مقابلة آخرين يتعرفون على نفس الشعور بالضيق ويتشاركونه.

وقالت أليس ووكر “نحن بالطبع كائنات اجتماعية ويمكننا الحصول على دعم هائل من التواصل مع الآخرين”، وأضافت “قد يكون من الجيد جدا أن تأتي إلى مجموعة حيث يُسمح لك بأن تشارك وتتحدث عن المشاعر، وأن تدرك أنك لست وحدك”.

وقالت سالامون إن “إجراء المحادثات يمكن أن يؤدي أيضا إلى إحداث التغيير”.

وأضافت في مقطع فيديو عُرض كجزء من مناقشات مجموعة العواطف المناخية أن البشر يميلون إلى قياس التهديدات من خلال النظر في كيفية تفاعل الآخرين من حولهم. وحثّت المشاركين على الاستمرار في محاولة بدء المناقشات مع الأصدقاء والعائلة.

وقال منظمو مجموعات مناخية أخرى إنهم يريدون خلق مساحة حيث يمكن للناس ببساطة التركيز على مشاعرهم دون الشعور بالذنب أو الضغط للوصول إلى نتيجة محددة.

وأشار الخبراء إلى أن هذا في حد ذاته يمكن أن يمنح الناس فرصة للانتقال من حالة الذعر إلى مسار أكثر تفكيرا للمضي قدما، أو يمنحهم مجالا للتعافي عندما يشعرون بالإرهاق بسبب الحملة.

وقالت أليس ووكر إن “التواجد معا يمكن أن يكون أمرا مفيدا للغاية”، مشيرة إلى أن “هناك قوة هائلة في تضامن الكثير من الناس الذين يجتمعون لغرض مشترك من أجل إحداث فَرْق”.

17