محاكمة النشطاء الحقوقيين صداع يؤرق الحكومة المصرية

مصر تؤكد رفضها الكامل للتدخل في شؤونها الداخلية ردا على بيان ألماني حول جلسة محاكمة نشطاء أمام القضاء.
الثلاثاء 2021/12/21
السجل الحقوقي يلاحق الحكومة المصرية

القاهرة- ما أن تتجاوز الحكومة المصرية مطبا في ملف حقوق الإنسان إلا وتجد نفسها في مواجهة مطب آخر لا يقل أهمية عن سابقيه، ما جعل الصداع السياسي الذي يصطحبه هذا الملف لا يفارقها بعد أن أصبح شاغلا لدى حكومات غربية عديدة.

ولم تعد الخطوات التي اتخذتها القاهرة في مجال الإفراجات المتتالية وتدشين استراتيجية شاملة خاصة بحقوق الإنسان مؤخرا كافية لتخفيف حدة الضغوط الواقعة عليها، فالشكوك المتراكمة ضاعفت من صعوبة تجسير الفجوة وبات الملف الحقوقي (سيء السمعة) تتعامل معه القاهرة بحساسية جعلتها ترفض الانتقادات الموجهة إليها.

وأعلنت مصر رفضها الكامل للتدخل في الشؤون الداخلية، مع احترام سيادة القانون ودستور الدولة، ردا على بيان ألماني حول جلسة محاكمة ثلاثة من النشطاء أمام القضاء المصري الاثنين.

وقالت وزارة الخارجية المصرية في بيان لها السبت “إن افتراض نتيجة بعينها هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا لما يُمثله ذلك من إهدار للقضاء والعدالة ولمبادئ سيادة القانون، وما ينص عليه الدستور من الفصل بين السلطات”.

◄ الحكومة المصرية واجهت انتقادات مماثلة منذ حوالي عام من قبل البرلمان الأوروبي وأعقبتها انتقادات صدرت من 31 دولة أوروبية، والأمر يتكرر حاليا

وأبدت الخارجية المصرية استغرابها من أن تطلب ألمانيا احترام القانون وتدعو للتدخل والتأثير على أحكام القضاء “وهو ما نرصد معه ازدواجية المعايير”.

ودعا بيان للسفارة الألمانية في القاهرة الجمعة السلطات المصرية إلى إطلاق سراح ثلاثة ناشطين يحاكمون على ذمة تهمة “نشر أخبار كاذبة”، وهم المحامي محمد الباقر والناشطان السياسيان علاء عبدالفتاح ومحمد إبراهيم.

وقضت محكمة جنح أمن دولة طوارئ بالقاهرة الاثنين بسجن عبدالفتاح خمس سنوات، وإبراهيم والباقر بالسجن أربع سنوات، في تهمة الانضمام لجماعة إرهابية (الإخوان) وإذاعة ونشر أخبار وبيانات كاذبة داخل وخارج البلاد.

وقالت السفارة “الحكم المرتقب النطق به بحق الباقر يعد بالنسبة إلى الحكومة الاتحادية إشارة للاتجاه الذي تتطور إليه حالة حقوق الإنسان في مصر.. نتوقع أن تعمل القاهرة على تحقيق محاكمة عادلة”، داعية للإفراج عن النشطاء الثلاثة.

ولم تتجاهل السفارة الألمانية في بيانها تثمين الخطوات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة المصرية لتحسين أوضاع حقوق الإنسان بما في ذلك إطلاق أول استراتيجية مصرية لحقوق الإنسان في سبتمبر الماضي، قائلة “سوف نتابع تنفيذها باهتمام كبير”.

وحملت المضمون الذي صيغ به البيان الألماني لهجة غير معتادة، ولذلك ردت عليها بطريقة مماثلة لم تعر اهتماما بما وصلت إليه العلاقات بين القاهرة وبرلين من تطور.

وصار انشغال بعض الدول الغربية بحالة حقوق الإنسان في مصر منفصلا عن العلاقات الودية التي تربطها بغالبية هذه الدول، فلم تمنع إشادة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي قبل أيام بتطور العلاقات بين بلاده والحكومة الألمانية في عهد أنجيلا ميركل من صدور بيان ينتقد محاكمة ثلاثة من النشطاء.

وتكرر الوضع مع كل من الولايات المتحدة وبريطانيا وهولندا وفرنسا، فضلا عن إيطاليا، وكلها دول شهدت علاقاتها مع القاهرة تقدما كبيرا على مستويات متفاوتة، عسكرية وأمنية وسياسية واقتصادية، ما يعني أن هناك فصلا تاما بين الملفات، وسيظل ملف حقوق الإنسان مستقلا، بما يتطلب مرونة أعلى من الحكومة المصرية.

وأفرج القضاء المصري في السابع من ديسمبر الجاري عن الباحث والناشط الحقوقي باتريك زكي بعد نحو عامين من حبسه بتهمة “نشر أخبار كاذبة”، وهي القضية التي حظيت بتفاعل سياسي كبير في إيطاليا التي منحته جنسيتها وطالبت بالإفراج عنه، على شبح قضية مقتل طالب الدراسات العليا الإيطالي جوليو ريجيني في مصر منذ نحو ستة أعوام ولم تتوصل إلى هوية قاتليه.

وأكدت منظمة المبادرة المصرية للحقوق الشخصية التي عمل بها زكي، قبل اعتقاله، أنه ينتظر محاكمة في فبراير المقبل وهو خارج أسوار السجن هذه المرة بالتهمة ذاتها (نشر أخبار كاذبة)، على خلفية نشر مقال تضمن مقتطفات تتحدث عن التمييز الذي يواجهه الأقباط في مصر.

جمال عيد: هناك مشكلات لإقناع المجتمع الدولي بوجود انفراجة حقوقية

ويشهد موسم فتح ملف حقوق الإنسان رواجا مع كل محاكمة للنشطاء السياسيين والحقوقيين، وكان عدد كبير منهم يتم ترحيله لآجال لاحقة، ومع زيادة حالات التأجيل ظلت الحكومة بمنأى نسبيا عن انتقادات الحكومات، لكن القضية لم يتم تجاهلها لدى منظمات حقوقية دولية تنتعش مع كل محاكمة جديدة.

وحظيت خطوة انتقادات ألمانيا لمصر عبر بيان سفارتها في القاهرة باهتمام، لأن جميع النشطاء المطلوب الإفراج عنهم من المصريين، وهي إشارة إلى أن الاهتمام لم يعد حكرا على الشخصيات التي تحمل جنسية أجنبية بجانب المصرية، فقد سارعت الحكومة المصرية بتصفية عدد كبير من ملفات هؤلاء لتجنب تكرار الصداع السياسي.

ويشير البيان الألماني والتعامل المصري معه إلى أن القاهرة لن ترضخ لأي ضغوط، وعازمة مواصلة منهجها في إدارة هذا الملف بالطريقة التي تريحها، وأن القضاء يحكم في النهاية للتأكيد على إبعاد الملف الحقوقي عن المؤثرات السياسية.

وقال الناشط الحقوقي المصري جمال عيد إن الحكومة تواجه مشكلات على مستوى عدم قناعة المجتمع الدولي بما تقول إنه انفراجة حقوقية، فلم تحقق حملات العلاقات العامة التي دشنتها مؤخرا المرجو منها لأن الأوضاع على الأرض بحاجة لطفرة حقوقية شاملة وعدم الاكتفاء بالإفراج عن عدد محدود.

وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن مصر تصطدم بمواقف الحكومات الصديقة، لأن تلك الحكومات منتخبة وعليها أن تُعلن مواقفها بشكل علني ومستقل، كما أن هناك اتفاقيات شراكة بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي ينص بعضها على تحسين أوضاع حقوق الإنسان، وتبقى الانتقادات بمعزل عن أي تطور سياسي في العلاقات.

وذكر أن الحكومة المصرية واجهت انتقادات مماثلة منذ حوالي عام من قبل البرلمان الأوروبي وأعقبتها انتقادات صدرت من 31 دولة أوروبية، والأمر يتكرر حاليا، ومن المتوقع أن يستمر في ظل عدم وجود تطورات كبيرة في الملف الحقوقي بمصر.

ولعل تسريع وتيرة محاكمات النشطاء السياسيين والحقوقيين أمام القضاء بات خيارا مهما للحكومة المصرية، حيث تضع الكرة في ملعب القضاء وتنهي إشكالية تمديد فترات الحبس الاحتياطي لمدد طويلة، الأمر الذي يقلل من وطأة الاتهامات بشأن وجود نشطاء في السجون بلا محاكمات أملا في سد واحدة من المنغصات الخارجية.

2