منديل أم كلثوم

عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ازداد في الآونة الأخيرة، تسليط الضوء على صورٍ ولقطات من الحياة الخاصة لنجوم السينما والطرب من الفنانين.
وفي هذا التظهير الممزوج بالمديح والتأسّي على زمن مضى، يكمن المعنى الموضوعي بأن الزمن الراهن نزل الى الحضيض، وأن الزمن الماضي هو المرتجى، على الرغم من حقائقه السياسية وطبائع وملكية المؤسسات التي رعت الإنتاج السينمائي والموسيقي.
تتضمن الاسترجاعات صوراً عائلية وملامح طبائع وتفصيلات من الحياة الخاصة.
ومن الأمثلة الجديدة، ظاهرة الاصطناع، تناولت إحدى المواد منديل أم كلثوم، الذي مسحت به دموعها عندما كانت تغني قصيدة “الأطلال” للشاعر إبراهيم ناجي.
وسبب الدمع أن التقدم في السن ورحيل الأصدقاء من الملحنين والموسيقيين، جعلها تشعر بدنوّ الأجل. ذلك علماً بأن القصيدة الأغنية كانت بين يدي أم كلثوم منذ العام 1962 وقد تأخرت تأديتها لأربع سنوات بسبب خلاف مع الملحن السنباطي على المقطع الأخير الذي لاقى استحسان الجمهور عندما غنت أم كلثوم الأغنية في العام 1966.
وفي الحقيقة لم تكن أم كلثوم في مستهل الستينات قد تقدمت كثيراً في السن لكي تتفاعل مع البيت الأخير الذي تقول فيه: يا حبيبي كل شيء بقضـاء ما بأيدينـا خلقنا تعساء، ربمـا تجمعنا أقدارنا، ذات يوم بعد ماعز اللقاء..
وفي الحقيقة هذه لقطة مفتعلة، لكن لمنديل أم كلثوم قصة أخرى، تحدّث عنها مرة الشاعر الفلسطيني محمود درويش. فقد كانت أم كلثوم قد تعرفت على مساعدتها الفلسطينية المسيحية مريم داوود، التي لازمتها حدّ الالتصاق.
ومريم تلك هي التي جعلت أم كلثوم تغادر تحفظها واحتشامها المبالغ فيه، وتتخلص من هذه الحالة، وأن مريم قالت لها: في بلادنا الجميلة وتحديداً في مدينة عكا الساحلية التي هزمت الغزاة والخوف بسواعد أبطال المدينة التي تصنع المناديل الحريرية بلون الأرجوان.
فقد كان الرجال والنساء في عكا، يجدلون من الحرير حبالاً، لكي يتسلقوا السور بعد الخروج من البحر والصعود من جديد، للوقوف على الأبراج العالية لمراقبة الغزاة ومنهم نابليون وجنوده الذين هُزموا على أسوار عكا.
وبسبب تلك المناديل كان أهالي عكا يهتمون ببناء أجسامهم وعضلاتهم ويستشعرون القوة، بينما كانت المناديل تستخدم من قبل أهالي عكا لكسر حاجز الخوف والرهبة عند القفز من السور إلى البحر، حيث يأتون إلى نقطة على السور تسمى “الطاقة”. وهو اللفظ العامي الفلسطيني الذي يعني النافذة، التي ترتفع نحو عشرة أمتار، ويقفزون منها إلى البحر.
أيامها قالت مريم داوود لأم كلثوم هناك مثل شعبي يقول “لو عكا بتخاف من البحر ما سكنت عالشط، وأنت يا ثومة، صوت كيسكن قلوب الناس، وفي حنجرتك جوقة إنشاد وأوركسترا ساحرة، وشمسك ضاربة مثل شمس عكا التي لا تغطيها شموس، لذا عليك التخلص من الخوف والرهبة الشديدة، وأنصحك عندما تقفين على المسرح أنت مسكي بيديك منديل تفرغي فيه ما يصيبك من قلق، وأيضاً تجففي به ما يتصبب بين يديك من عرق”.
ويقول درويش إن أم كلثوم عملت بنصيحة مساعدتها، وحملت المنديل الذي لم يعد يفارقها في كافة حفلاتها الغنائية وأصبح المنديل يتمايل مع رقة وجمال صوتها وموسيقى أغنياتها..
هذه الرواية أقرب إلى المنطق، لاسيما وأن حكاية مريم داوود مع أم كلثوم كانت في موضع التركيز، وربما سبباً في بعض التلميحات التي حاولت النيل من سيدة الغناء العربي. فمريم كانت ترافق أم كلثوم كظلها في كل مكان.