المغرب أمام تحدي استبدال آليات احتواء اقتصاد الظل

تزايد قلق الخبراء والأوساط الاقتصادية في المغرب من أن يؤدي النشاط المتنامي للسوق السوداء على عكس التدابير التي تقوم بها الدولة إلى نتائج سلبية في ظل تأثيرات قيود الإغلاق، والتي يبدو أنها كانت لها آثار عكسية حيث ارتفعت أعداد من يعملون في هذا القطاع أكثر مما هو متوقع.
الرباط - فجر تباطؤ السلطات المغربية في معالجة ملف الاقتصاد الموازي، القديم - الجديد، الجدل داخل الأوساط الاقتصادية مرة أخرى بعد أن نشر المجلس الاقتصادي والاجتماعي مؤخرا تقريرين اقترحا بين طياتهما حزمة من الإجراءات العاجلة والمحفزة لامتصاصه لرفد خزينة الدولة بعوائد إضافية تعزز من معدلات النمو مستقبلا.
ويبدو أن حكومة عزيز أخنوش ستواجه تحديا كبيرا خلال فترة حكمها لاستبدال الآليات التي كانت متبعة طيلة العشرية الأخيرة في ترويض اقتصاد الظل في السجلات الرسمية للدولة بعد أن أثبتت التجربة أنها لم تحقق نتائج تذكر حتى الآن.
وكشف تقرير “مقاربة مندمجة للحد من حجم الاقتصاد غير المنظم بالمغرب” وآخر بعنوان “الإدماج الاقتصادي والاجتماعي للباعة المتجولين”، عن أرقام صادمة حول عدد من يعملون في القطاع غير الرسمي. وقال معدوهما إن “الاقتصاد غير المنظم بمعناه الواسع يظل ظاهرة مستعصية في المنظومة الاقتصادية المغربية”.

أحمد الشامي: يجب اعتماد توجه أكثر صرامة للحد من الأنشطة غير الرسمية
وأشار التقريران اللذان قدمهما المجلس، للغرفة الثانية للبرلمان هذا الأسبوع، أن ما بين 60 و80 في المئة من القوى العاملة بالبلاد يعملون في الاقتصاد غير المنظم، والذي بات مصدر قلق، بحيث يصل حجمه إلى نحو 30 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، الأمر الذي يؤثر بشكل متفاوت على مختلف القطاعات الاقتصادية.
وهذا الرقم أكثر بنحو 10 في المئة من بيانات كان قد نشرها الاتحاد العام لمقاولات المغرب في 2018 والتي أشارت إلى أن التجارة السوداء بالبلاد تمثل نحو 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي ما يعادل 10 في المئة من صادرات البلاد.
ونسبت وكالة الأنباء المغربية الرسمية إلى الشامي قوله إن “الاستراتيجية يتعين أن تكون مُعززة بمؤشرات قياس ملموسة حسب نوع العراقيل التي تم تسجيلها وحسب فئة الفاعلين في القطاع غير المنظم”.ودعا رئيس المجلس أحمد الشامي إلى وضع استراتيجية مندمجة وواقعية تهدف مرحليا إلى الحد من حجم الاقتصاد غير المنظم. وأكد على ضرورة اعتماد توجه أكثر صرامة يهدف إلى القضاء “على الأنشطة غير المشروعة والمستترة وعلى ممارسات الوحدات الإنتاجية غير المنظمة المنافسة للقطاع المنظم”.
وأضاف أنه “ينبغي أن يمكّن تنزيل الاستراتيجية من تقليص حصة الشغل غير المنظم تدريجيا إلى 20 في المئة من إجمالي فرص العمل، وهي نسبة قريبة من المتوسط المسجل لدى مجموعة من البلدان المتقدمة”.
ويتعين أن تشمل هذه النسبة بالخصوص الأنشطة المعيشية وكذا الوحدات الإنتاجية غير المنظمة ذات القدرات المحدودة.
وفي مايو الماضي قال البنك الدولي إن “ما يزيد عن 70 في المئة من إجمالي العمالة، وما يقرب من ثلث الناتج المحلي الإجمالي في الأسواق الناشئة والدول النامية، يندرج تحت مظلة القطاع غير الرسمي”.
واعتبر البنك حينها الاقتصاد غير الرسمي “عائقا أمام التعافي الاقتصادي، إذا لم تعتمد حكومات الدول الناشئة والنامية مجموعة شاملة من السياسات لمعالجة أوجه القصور”.
ومن بين أبرز المقترحات الرئيسية للمجلس حتى يتم الحد من التجارة السوداء بالبلاد إزالة الحواجز التشريعية والتنظيمية والإدارية عبر مراجعة النصوص القانونية المتقادمة أو التي تبين عدم إمكانية تطبيقها التي تحول دون الاندماج في القطاع المنظم.
وعلى سبيل المثال العمل على تحسين وضع المشاريع الذاتية من خلال رفع العتبة القصوى لرقم المعاملات السنوي، التي يمكن أن يصلها صاحب المشروع وتخويله إمكانية تشغيل اثنين أو ثلاثة من العمال.
وإلى جانب ذلك مراجعة آلية المساهمة المهنية الموحدة والواجبات التكميلية التي تسمح بالدخول إلى منظومة الحماية الاجتماعية وذلك بما يمكن من ملاءمة مبلغ المساهمة مع القدرات المالية لكل شخص.
ويطالب المجلس بتعزيز العرض المتعلق بالمواكبة في مجال الدعم التقني وتقديم الاستشارة، عبر تقديم خدمات ملائمة لتوجيه مختلف أصحاب المشاريع العاملين بالاقتصاد غير الرسمي الراغبين في الشروع في الاندماج في القطاع الرسمي، مع ضمان الدعم الكامل لتغير صيغة مشاريع وفق القوانين المعمول بها.
وتحتاج السلطات كذلك إلى وضع برنامج متعدد السنوات لمواكبة عملية تنظيم الحرف والمهن، وبلورة إطار مرجعي أو دفتر تحملات لكل مهنة، يحدد المؤهلات والكفاءات اللازم توفرها من أجل مزاولتها، وذلك من أجل عصرنة هذه المهن وتيسير اندماجها في ما بعد.
80
في المئة من القوة العاملة بالبلاد تنشط في السوق السوداء وفق المجلس الاقتصادي والاجتماعي
وبالإضافة إلى ذلك، تأسيس مناطق أنشطة اقتصادية تضم أماكن للإنتاج معروضة للإيجار، مع الحرص على أن تكون مساحتها وسعر الإيجار ملائمين لحاجيات الوحدات الإنتاجية الصغيرة جدا.
ويتطلب الأمر كذلك ملاءمة وتنويع وتيسير وسائل التمويل، لاسيما من خلال توسيع نطاق أهداف صندوق محمد السادس للاستثمار، لتشمل مسلسل إدماج الاقتصاد غير المنظم، واقتراح عروض تمويلية بشروط أكثر تفضيلية لفائدة الشباب والنساء الراغبين في الانتقال إلى القطاع المنظم.
ومن بين أهم مقترحات المجلس الاقتصادي والاجتماعي تأسيس بورصة للمناولة المشتركة لتشجيع أصحاب المشاريع بأموالهم الذاتية على تقديم ترشيحات مشتركة للمنافسة على الصفقات العمومية.
ويرى المجلس أنه من الضروري التمييز على مستوى الإطار التنظيمي للصفقات العمومية بين الحد الأدنى من حصة الطلبيات المخصصة لأصحاب المشاريع الذاتيين، وبين تلك المخولة للشركات الصغيرة والمتوسطة.
وفضلا عن ذلك كله، يرى المجلس أنه يجب تعزيز المراقبة والتفتيش على مختلف المستويات التي تمثلها الجهات الحكومية المعنية مع الحرص على أن تكون العقوبات رادعة بالقدر الكافي ومتناسبة مع مستوى خطورة المخالفة.
وتهم هذه التوصية بشكل خاص تجارة الجملة غير المنظمة وكذلك الممارسات التجارية في الخفاء التي تقوم بها بعض الشركات العاملة بشكل قانوني.