طلال معلا يشكّل من الميثولوجيا لوحات معاصرة تسرد الجرح السوري

دمشق – عندما اختار الفنان التشكيلي والباحث الجمالي السوري طلال معلا أن يجسّد المرأة السورية في معرضه الفردي الجديد “عروس ومأدبة” المقام حاليا في صالة “ألف نون” الدمشقية، استعاد عبر سبع وعشرين لوحة عالما من الميثولوجيا والأساطير موغلا في الزمان والمكان السوريين.
وتنوّعت لوحات المعرض من حيث الحجم والأدوات والتقنيات المستخدمة، إذ اعتمدت بشكل كبير على الأكريليك وأخرى على الحبر ومواد مختلفة وانتمت إلى المدرسة الرمزية والتعبيرية بدلالاتها المختلفة، ومنها لوحة “العشاء الأخير” التي احتوت وجوها حيادية لا تعبّر عن شيء وتشي بحالة تحوّل نحو الجماد.
وعن المعرض يقول الناقد سامر إسماعيل “استطاع معلا في “عروس ومأدبة” أن يعكس خبرته النظرية عبر اللوحة ليتوّج مرحلة طويلة من جهد يعتمد المفاهيم والعمل النقدي المكثف، ويقدّم لوحة للزمن وللمستقبل من صميم ألم المعرفة بأساليب مختلفة كرّست صاحبها كبصمة متفرّدة في عالم التشكيل السوري”.
وبيّن مدير صالة “ألف نون” الفنان التشكيلي بديع جحجاح أن معرض معلا عبارة عن صورة اشتياق للفرح في سوريا وتجسيد لحالة ترقّب الأمل بالانفراج، لافتا إلى أن المرأة في لوحات معلا ترمز لمواضيع شتى من الوطن وما يعتريه من حرب وحصار وتطلعه للأمل وسط كل الآلام.
وحفلت لوحات المعرض بتشكيلات وأجساد ووجوه جديدة، خاصة الأخيرة، التي أتت فاقدة لملامحها كي تستعيدها على إيقاعات التقنين الحاد، والأمل الصارخ باستعادة ترف العيش.
وهو الذي يُقيم مأدبة في زمن النزف، مأدبة للعروس، كعنوان وإشهار للغياب، غياب الفرح في وطن مأزوم وحلم محترق على أعتاب مأدبة وقيامة في آن واحد.
عن هذه المفارقة بين المأدبة ببعدها الاحتفالي والقيامة بما ترمز إليه من حساب ومحاسبة، يقول معلا “العمل الفني شيء ورؤى الفنان شيء آخر، العمل الفني هو جزء صغير من كينوينة الفنان، يعتمد العمل على التوليدات الشعرية لأجزاء من سرد ما يشعره الفنان تجاه الحقيقة، والمعلوم أن الحقيقية هي حالة متبدلة، ومن هذه الأجزاء الصغيرة يتشكّل العمل الفني الذي ينطوي على سرد حقائق مختلفة لا يمكن أن تشكّل مرجعيات بالنسبة إلى الفنان، فكل عمل فني يبدأ من الصفر وينتهي بالمطلق، ليعيد مرة أخرى تشكيل الأفكار، في هذه الحالة فإنه يطوّر العلاقة من ذاته من جهة، وممّا تقتضيه الصورة لتصل إلى الآخرين من جهة أخرى”.
ويواصل “عادة ما يراقب الفنان تجربته ليصل إلى حقيقة الموقف، والمواقف على صلة بالأحداث والمستقبل والأساطير الصغيرة التي يحدثها الفنان، هناك جدلية دائمة بين الفنان وموضوعه كجدلية الإنسان مع الموت، لذلك تتوالد الصور وتتحقّق في الوجود من بعضها البعض، ومن الموضوعات بشكل عام كالوجوه مثلا”.

ويؤكّد معلا “أنا أرسم المواضيع عبر الوجوه، والوجه هنا هو وسيط رغم أنه يمتلك سلطة الحكاية، لذلك لا يمكن اعتبار التكرار هو تكرار بالمعنى الحرفي ما دامت المواضيع التي يحملها متغيرة كل مرة، وهو ما يجعل العمل أكثر حيوية ودورانا كونه يلامس الفعل الإنساني الخلاق، وتموضعه ضمن اللوحة يجعله خارج القوانين، أنا أصوّر وأرسم وأعبّر بالطريقة التي أفكّر بها”.
وعن الغموض البادي في بعض مفرداته التشكيلية وثيماته التعبيرية، يقول “ما يبقى هو اللوحة أو الفن، فالفنان زائل، أما جوهر العمل فيقوم على عدم اكتمال الصورة كي تبقى مختبرا مفتوحا على توالد الرؤية والسؤال، والغموض هنا هو نتيجة لعدم اكتمال الصورة الدائم”.
ويعترف “ما زلت أقدّم تجربة غير مكتملة حتى الآن، وتجربتي تائهة بين تجارب الآخرين تتوق إلى لحظة اكتمالها، وأن تفصح عن أسرار تحقّقها، وأن يتمكن الآخر من رؤيتها رؤية بصرية وبصيرية، هذه التجربة هي نوع من الممارسة الإنسانية الواعية لحقيقة الفن، والكشف عن ظواهر موجودة ولكنها غير مرئية”.
والمتأمل في جل أعمال معلا يلاحظ وجوها ذات أشكال وأساليب وألوان متخاصمة ومتآلفة، حادة وبريئة، قاسية ومرحة تعكس ربما سيرته هو، أي سيرة آلامه، كما أنها تبدو في أحايين كثيرة سيرة كل إنسان سوري. كأن الفنان يُريد أن يحدّث العالم من خلالها عن إرث مديد فيما هو يتوغّل بمزاج متجانس، مفكّكا عناصرها الجمالية ليعاود تكوينها.
ويقول الفنان والناقد التشكيلي عمار حسن عن معرضه الجديد “لوحات الفنان معلا تنتمي إلى فترات مختلفة من تجاربه، إذ تحتوي على العديد من الإشارات التعبيرية والتجارب التشكيلية، وكل لوحة تنتمي إلى تجارب لها خصوصيتها”، مشيرا إلى عنوان المعرض “العروس والمأدبة” جاء متسقا مع ما تحمله اللوحات من رمزية، حيث الأولى برأيه عاجزة عن الخصوبة والتجدّد في حين أن المأدبة تمثل البشر الذين تحوّلوا لالتهام بعضهم.
والفنان طلال معلا، من مواليد بانياس عام 1952، خرّيج كلية الآداب قسم اللغة العربية، درس تاريخ الفن المعاصر في إيطاليا. وهو فنان وناقد وشاعر ينشر في الصحافة العربية والأجنبية. شغل العديد من المناصب الإدارية لدى مؤسّسات ثقافية وفنية عربية، وله مجموعة من الأفلام الوثائقية والبرامج التلفزيونية عن الفن التشكيلي. وهو عضو في عدد من الاتحادات والنقابات والتجمعات الفنية في سوريا والعالم، وله مؤلفات في الفن التشكيلي، ونظّم عددا من المعارض الفردية، وشارك بأخرى مشتركة داخل سوريا وخارجها. وأعماله مقتناة في سوريا وعدد من الدول العربية والغربية.
