ميقاتي يدعو إلى إبعاد الحكومة عن الخلافات السياسية

بيروت - دعا رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي الخميس جميع الأطراف في البلاد إلى إبعاد الحكومة عن الخلافات السياسية، وذلك في ظل إصرار حزب الله على مقاطعة جلسات الحكومة إلى حين تنحية قاضي التحقيق في انفجار مرفأ بيروت طارق بيطار.
وجاءت دعوة ميقاتي خلال إشرافه على الاجتماع الثاني لـ"اللجنة التسييرية الوطنية لتنفيذ الخطة الوطنية حول المرأة والسلام والأمن" الذي عقد في السرايا الحكومية.
وقال ميقاتي "صحيح أن العمل الحكومي مستمر عبر الاجتماعات الوزارية التي نعقدها أو عبر الوزارات والإدارات المختصة".
وأضاف "لكن عدم انعقاد مجلس الوزراء يشكل ثغرة أساسية نعمل على معالجتها بهدوء وروية، لجمع الشمل الحكومي من جديد".
ولفت إلى أن "الدعوة إلى جلسة لمجلس الوزراء في الظروف الحالية المتشنجة، ومن دون تأمين الحد الأدنى من التفاهم، ستكون كمن يؤجج الخلاف، ما يؤدي إلى تفاقم الأمور وتصبح أكثر تعقيدا".
وأضاف "لم يعد الوقت مناسبا للتعطيل أو المكابرة أو فرض الشروط والشروط المضادة، فيما مستويات الانهيار تتطلب تضافر كل الجهود للمعالجة".
وأكد أن "المطلوب من الجميع التخلي عن اعتبار الحكومة متراسا للكباش السياسي الذي لا طائل منه"، في دعوة واضحة إلى إبعاد الحكومة عن الخلافات السياسية.
وجاءت تصريحات ميقاتي بعد أكثر من شهرين على تعطيل جلسات الحكومة، ما يحول دون قدرة مجلس الوزراء على اتخاذ الإجراءات لمواجهة الأزمات المتفاقمة التي تضرب لبنان، ولاسيما الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
وجلسات مجلس الوزراء متوقفة عن الانعقاد منذ الثاني عشر من أكتوبر الماضي، بعد طلب وزراء "حركة أمل" وميليشيات "حزب الله" تدخل الحكومة لكف يد القاضي طارق بيطار، لكن الطلب قوبل برفض عدد آخر من الوزراء ورئيسي الحكومة والجمهورية.
وتعرّض المحقق العدلي في قضية انفجار مرفأ بيروت القاضي بيطار في الفترة السابقة لانتقادات من بعض القوى السياسية، ومن بينها حزب الله الذي تحدث عن "استنسابية" يمارسها في الاستدعاءات القضائية.
وفي الرابع من أغسطس 2020 وقع انفجار ضخم في مرفأ العاصمة اللبنانية بيروت، أسفر عن مقتل أكثر من 200 شخص وإصابة نحو 6 آلاف آخرين، فضلا عن دمار مادي هائل في الأبنية السكنية والمؤسسات التجارية.
وفي محاولة جديدة لمغازلة الرياض أملا في استدارة سعودية تجاهه، قال ميقاتي إن "لبنان متمسك بعمقه العربي وبعلاقته الوطيدة بالدول العربية الشقيقة، ولاسيما دول الخليج العربي".
وأضاف "لبنان المتمسك بحرية التعبير والقول، لن يكون منبرا ومعبرا للإساءة إلى أي دولة عربية أو التدخل في شؤونها"، مشيرا إلى أن "المزايدات في هذا الإطار لا يمكنها أن تحجب الحقيقة، وهي أن العمق العربي للبنان يشكل بالدرجة الأولى المتنفس الحقيقي والمدخل للخروج من الأزمات التي يمر بها".
ويبدو أن مساعي ميقاتي لإنهاء الأزمة مع دول الخليج، وخاصة السعودية، تصطدم بهيمنة حزب الله على الحكومة وسياساتها الخارجية.
ورغم أن ميقاتي سارع إلى تطويق احتجاج البحرين على استضافة بيروت مؤتمرا معاديا، لتجنب أزمة أخرى مع المنامة تضاعف متاعب حكومته، إلا أن قرار ترحيل أعضاء جمعية "الوفاق" البحرينية المعارضة الأربعاء، وصفه البعض بالخطوة المتأخرة جدا وتعكس "صحوة لبنانية مفتعلة".
والأسبوع الماضي عقدت جمعية "الوفاق" المحظورة في البحرين مؤتمرا في بيروت، تحدثت فيه عن "انتهاكات حقوقية" تعرض لها مواطنون في المملكة خلال العامين الماضيين.
وأعلنت الخارجية البحرينية الأحد أنها قدمت "احتجاجا شديد اللهجة" لحكومة لبنان، لاستضافة بيروت ما اعتبرته "مؤتمرا معاديا" للمنامة.
ويأتي هذا في ظل أجواء متوترة بين الخليج ولبنان، إثر أزمة تصريحات لوزير الإعلام اللبناني المستقيل جورج قرداحي، بخصوص حرب اليمن، ولاقت تأييدا من بعض الأفرقاء اللبنانيين كحزب الله، حليف إيران، ورفضا من بعضهم الآخر كرئيس الحكومة ميقاتي.
وفي التاسع والعشرين من أكتوبر الماضي، سحبت الرياض سفيرها في بيروت وطلبت من السفير اللبناني لديها المغادرة، وفعلت ذلك لاحقا الإمارات والبحرين والكويت واليمن، على خلفية تصريحات لقرداحي قبل تعيينه وزيرا بأن "الحوثيين في اليمن يدافعون عن أنفسهم ضد اعتداءات السعودية والإمارات".
وزادت الأزمة الدبلوماسية مع السعودية من تدهور الأوضاع الاقتصادية في لبنان الذي يعاني أسوأ أزمة اقتصادية في تاريخه، حيث قررت الرياض وقف كافة الواردات الزراعية والصناعية اللبنانية إليها.
ويسعى ميقاتي الذي من المتوقع أن يزور السعودية قريبا، وفق ما أعلن عن ذلك وزير الزراعة اللبناني عباس الحاج حسن الجمعة، إلى تخفيف التوتر مع المملكة وبقية دول الخليج، وذلك بعد اتصال ثلاثي جرى بينه وبين ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون خلال زيارة الأخير إلى السعودية.
وتشكّك أوساط لبنانية وخارجية بقابلية تطبيق البيان الإصلاحي السعودي – الفرنسي، لكونه يتمحور حول "كبح جموح حزب الله"، وربطا بفشل المسؤولين اللبنانيين في تنفيذ التزاماتهم، فيما اجتمعت الآراء ولاسيما الداخلية، على أهمية التطوّر الحاصل لتخفيف ضغوط المملكة على لبنان المنهار اقتصاديا والمقاطع دبلوماسيا من قبل بعض الدول الخليجية.
ويقول متابعون إن العقدة في الرياض وهي الوحيدة القادرة على تفكيكها إذا اقتنعت بأن ميقاتي يمكنه إدخال تعديلات على قواعد اللعبة التي يتحكم فيها حزب الله اللبناني، وهي مسألة مفتاح حلها في يد طهران وليس في يد لبنان.