صراع نقابي في لبنان على بقايا صحافة تحتضر

نقابة الصحافة البديلة تتقدّم بدعوى قضائية لإبطال نتائج انتخابات نقابة المحررين اللبنانيين التي فازت فيها “السلطة” وفق تقدير الصحافيين.
بيروت- في وقت يجمع فيه خبراء على أن قطاع الإعلام في لبنان عموما، وقطاع الصحف خصوصا يحتضر، تدور معركة أخرى طاحنة بين أطراف نقابية لقيادة نقابة محرري الصحافة اللبنانية، ما وصفه خبراء بأنه “انفصال تام عن الواقع”.
وتكافح وسائل الإعلام المكتوبة والمرئية والمسموعة في لبنان من أجل البقاء، بعد احتجاب عدد منها عن الصدور، في وقت يشهد قطاع الصحافة تدهورا منذ سنوات، فاقمته مؤخرا أسوأ أزمة اقتصادية منذ عقود.
وطعن تجمّع نقابة الصحافة البديلة الاثنين في نتائج انتخابات نقابة محرري الصحافة في لبنان التي أجريت مطلع هذا الشهر. وتقدّم التجمع بدعوى قضائية لإبطال نتائج الانتخابات النقابية، وتعديل عدد من المواد في النظام الداخلي للنقابة، وتعيين خبير للكشف على جدول الانتساب وشطب كل من يتبين أنه منتسب خلافا للقانون.

جوزيف القصيفي كيله المديح للرئيس عون أثار استغراب وسخرية الإعلاميين في لبنان
يذكر أن انتخابات نقابة محرري الصحافة اللبنانية لم تسفر عن التغيير الذي انتظره الصحافيون في لبنان. وفازت لائحة “الوحدة النقابية” التي يترأسها النقيب جوزيف القصيفي، المحسوبة على السلطة السياسية بكامل أعضائها، فيما لم يتمكن أحد المرشحين المنافسين من تحقيق أي خرق.
الجدير بالذكر أنّ انتفاضة السابع عشر من تشرين 2019 أسفرت عن تأسيس “نقابة الصحافة البديلة” التي شاركت رمزيا في انتخابات النقابة عبر المرشّحة أليسار قبيسي التي حصلت على 93 صوتا، لتتمكّن من مراقبة العمليّة الانتخابية وتوثيق الانتهاكات والمخالفات من أجل متابعة المعركة القضائية والقانونية ضدّ نقابة السلطة.
وتحت هتاف “يسقط نهج السلطة” الذي رفع من قبل صحافيين مستقلين ومن “تجمّع نقابة الصحافة البديلة”، أعلن ممثّلو القوى السياسيّة فوزهم في انتخابات النقابة التي تحرم الكثير من الصحافيّين من الانتساب إليها حتّى لا تفقد السلطة الأكثريّة داخلها.
وبعد انتهاء العملية الانتخابية أصدرت النقابة البديلة بيانا أعلنت فيه المواجهة المفتوحة مع نقابة السلطة وانطلاق معركة تحريرها. وأكدت أنه “لا عودة إلى الوراء في مواجهتنا من أجل نقابة لجميع العاملات والعاملين في قطاع الإعلام”.
وقالت النقابة في بيان الاثنين إن الدعوى التي قدمها المستشار القانوني للتجمع المحامي فاروق المغربي أمام المحكمة الابتدائية في بعبدا – الغرفة الناظرة في القضايا النقابية، استندت إلى تقرير الجمعية اللبنانية لديمقراطية الانتخابات، التي راقبت العملية الانتخابية بناء على طلب قبيسي وأربعة مرشحين آخرين، وإلى ما رصده التجمع من خروق ومخالفات. وأوضح التجمع أن المخالفات توزعت على ثلاثة محاور، أولها “المخالفات التي سجلت خلال العملية الانتخابية وقبلها، والتي تؤثر في نزاهة العملية وشفافيتها”، وثانيها “الخلل في النظام الداخلي الذي يتعارض ومبادئ الانتخابات العادلة والنزيهة”، وثالثها “الخروقات القانونية في جدول المنتسبين إلى نقابة المحررين”.
وتقول نقابة الصحافة البديلة إن “نقابة السلطة هي المنفصلة عن الوقع، ولا دليل على انفصالها عن واقع الصحافيين والبلاد، أكثر من حديث النقيب عن ‘بلد الحريات’، متناسيا الانتهاكات المباشرة بالضرب والاستدعاءات وحملات التخوين والحكم بالسجن، التي طاولت الصحافيين والناشطين وأصحاب الرأي، والمستمرة في تقييد حريّة التعبير والصحافة وبعضها وصل إلى حد الاغتيال”. ووثق مركز الدفاع عن الحريات الإعلامية والثقافية “سكايز” أكثر من 71 انتهاكا عام 2021.
وسخرت النقابة من كيل النقيب المديح السياسي للطبقة السياسية بدل أن يطالب بحماية الحريات. وكان نقيب المحررين جوزيف القصيفي قال خلال زيارة وفد نقابة المحررين للرئيس اللبناني ميشال عون في قصر بعبدا الثلاثاء “نزوركم اليوم، في أول نشاط رسمي بعد انتخابنا في عملية ديمقراطية، سادها تنافس راق”. وأضاف في معرض كيله المديح للرئيس عون الذي أثار استغراب وسخرية الإعلاميين في لبنان “فخامة الرئيس، نعرف أنكم تحملون في أصابعكم جمرا كاويا، وتسيرون على درب الجلجلة، وكيفما التفتم تجدون شوكا منثورا يدمي، وأنتم تقفون في مرمى السهام، ووسط حصار النار التي تكاد تلتهم كل شيء. أعانكم الله على جبه كل التحديات وأمدكم بفضيلة الصبر ووافر الصحة”.
وانتقدت النقابة “هل له أن يفسّر لنا (النقيب) دعوته السلطة إلى الرأفة بحال الصحافيين أو وضع خطة لهم، فهل رأفت السلطة بحال الشعب حتى ترأف بالصحافيين؟ وهل الصحافيون منفصلون عن أهلهم وبلدهم؟ وهل حمت هذه السلطة العاملين في مؤسساتها الإعلامية حتى تحمي جميع الصحافيين بمن فيهم معارضوها؟ وهل تُستمدّ الرأفة من سلطة متمادية في مجزرتها ضد سكان لبنان؟”.
وختمت “لا شيء يؤكد هذا الانفصال عن انهيار البلد ومشاكل قطاع الإعلام، أكثر من أمل النقيب بخطة وطنية لتحديث الإعلام، فهل ستبدأها السلطة والنقابة من قانون الإعلام الجديد، الذي يصفه الحقوقيّون بمضبطة الحريات، بينما يجاهر النقيب مرارا بتبنيه”.
نقابة الصحافة البديلة: لا شيء يؤكد الانفصال عن مشاكل القطاع، أكثر من أمل النقيب بخطة وطنية لتحديث الإعلام
يذكر أن الرئيس عون رحب بالوفد، مهنئا أعضاءه على انتخابهم، وقال “أمامكم مسؤولية كبيرة، لأنه يعود إليكم ضمان التكوين الصحيح للرأي العام”. ويتهم إعلاميون لبنانيون الطبقة السياسية بتأزيم وضع الإعلام في البلاد.
ويشهد قطاع الصحافة في لبنان منذ سنوات أزمة متمادية ترتبط بشكل أساسي بتوقف التمويل السياسي الداخلي والعربي لوسائل الإعلام، عدا عن ازدهار الصحافة الرقمية وتراجع عائدات الإعلانات، كما بات الصحافيون يتعرضون إلى انتهاكات مستمرة من قبل الطبقة السياسية التي يدافعون عنها. فبعد عقود من تميز لبنان بحرية الصحافة مقارنة بالبلدان العربية المحيطة به، شهدت هذه الحرية انتكاسة غير مسبوقة في السنوات الأخيرة وانعكست تضييقا للخناق على اللبنانيين الذين يعانون أزمة اقتصادية وسياسية مستفحلة.
وعام 2018، عقد وزير الإعلام الأسبق ملحم الرياشي اجتماعا للبحث في “أزمة الصحافة المكتوبة”. وقال إن الصحافة الورقية هي “الخزّان الاستراتيجي لكل الإعلام المرئي والمسموع والرقمي… وتعرّض هذه الصحف لأي عطب يعني تعرض كل الإعلام لعطب”، لكن رغم ذلك لم تحرك السلطة ساكنا لإنقاذ القطاع.