الكويت تعجز عن التحكم في فاتورة الرواتب رغم الإصلاحات

جدد البنك الدولي دعواته للكويت بضرورة تعجيل تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية التي طال انتظارها، وفي مقدمتها التحكم في تضخم مخصصات رواتب القطاع العام والتي قد تضع الحكومة أمام سيناريوهات أكثر تعقيدا في المستقبل إذا سحبت من الاحتياطات النقدية للبلد دون معالجة مكامن خلل محركات النمو الأخرى.
الكويت - حذر البنك الدولي من تباطؤ الحكومة الكويتية في معالجة التضخم المتواتر في فاتورة الرواتب المخصصة لموظفي القطاع العام نظرا لاحتمال تأثيرها مستقبلا على التوازنات المالية للبلد الخليجي.
ويأتي قلق البنك من هذا الوضع على الرغم من عودة الناتج المحلي الإجمالي للبلاد إلى مسار النمو، وذلك في ظل أسعار نفط مرتفعة واستجابات قوية لمواجهة الأزمة الصحية العالمية.
وأكد إسماعيل رضوان، كبير الخبراء الاقتصاديين لمنطقة الخليج بالبنك، خلال مؤتمر صحافي على هامش حدث أقيم في دبي أن الكويت حققت أقل تقدم بين دول الخليج في إصلاح فاتورة الأجور الحكومية.
وتكفل الحكومة لجميع الكويتيين العمل في القطاع العام بشكل شبه مضمون فهي توظف أكثر من 80 في المئة من المواطنين ويحصل كافة السكان على دعم سخي للوقود والكهرباء والمياه.
وقال رضوان “في الكويت، في الواقع هم زادوا التوظيف في الأعوام القليلة الماضية، بعد هبوط سعر النفط (في 2014)، لينتقل من نحو 15 ألفا سنويّا إلى 25 ألفا سنويا”.

إسماعيل رضوان: إذا لم تتخذ الكويت تدابير فإن نفقاتها ستأكل احتياطاتها المالية
وأضاف “لهذا لدينا وضع الآن فيه ثلث العاملين بالخدمة المدنية في الكويت جرت إعادة توظيفهم في السنوات الخمس الماضية، وذلك هو السبب في أننا نقول إنه أمر لا تتوفر له مقومات الاستمرارية”.
وتأتي السعودية في المركز الثاني خليجيا كأعلى أجور للقطاع العام من إجمالي النفقات السنوية بعد الكويت، تليها البحرين ثم قطر وسلطنة عمان، فيما تعد الإمارات الأقل إنفاقا على هذا البند.
وكان البنك قد نشر تقريرا مؤخرا حول اقتصادات منطقة الخليج قال فيه إن “موازنات دول المجلس تتعرض لضغوط كبيرة بسبب ارتفاع تكاليف الأجور”.
وأشار إلى أن ذلك سيتطلب تبني خطة إصلاح واضحة المعالم تعالج أوجه الترابط بين إصلاحات المالية العامة وجهاز الخدمة المدنية وسوق العمل، فضلا عن وضع استراتيجية تواصل فعّالة يمكنها إقناع المواطنين بحتمية الإصلاح.
وبالإضافة إلى الضوابط قصيرة الأجل يتعين تطبيق تدابير شاملة لإصلاح القطاع العام، إذ تشير التجارب الدولية إلى أن الإصلاحات الناجحة تجمع بين التمتع بالحجم الصحيح للقطاع العام والتركيز على الارتقاء بمستوى تقديم الخدمات.
وفي ضوء المؤشرات الحالية تتأكد محدودية نشاط القطاع الخاص غير النفطي الذي لم يتمكن من مساعدة الحكومة على امتصاص القوة العاملة الكويتية.
وقال رضوان إن “البنك في محادثات مع السلطات الكويتية لمعالجة فاتورة أجور العاملين بالهيئات الحكومية”. وأكد في الوقت ذاته أنه إذا لم تتخذ الكويت إجراءات فإن نفقاتها ستستمر في استنزاف احتياطاتها المالية.
وأظهرت بيانات نشرها البنك المركزي الكويتي الثلاثاء انخفاض الأصول الاحتياطية الأجنبية للبلاد في أكتوبر الماضي بنسبة 4.3 في المئة على أساس سنوي لتبلغ 46.7 مليار دولار.
ومرت الكويت التي لا تربط عملتها بالدولار الأميركي كما هو الحال مع عُمان، بإحدى أسوأ أزماتها الاقتصادية بسبب تأثيرات الوباء وانخفاض أسعار النفط قبل أن يعاود الارتفاع، مما وضع فرضيات بشأن احتمال اللجوء إلى تسييل أصول سيادية لسد عجز الموازنة للعام المالي الحالي الذي ينتهي في مارس المقبل.
ويرى محللون أن الحكومة لن تستطيع في فترة قصيرة معالجة العجز المالي إلا من خلال ارتفاع أسعار النفط في الأسواق العالمية، وأن تنويع مصادر الدخل من بين أبرز التحديات التي تواجه البلد الخليجي حاليا، علاوة على مسألة مكافحة الفساد.
ومع تضرره بشدة من هبوط أسعار النفط والجائحة العام الماضي، يواجه البلد العضو بمنظمة أوبك مخاطر تتعلق بالسيولة فيما يرجع إلى حد كبير إلى أن البرلمان لم يوافق على اقتراض حكومي بسبب مواجهة بين الجانبين.
ورغم العوامل المباشرة التي أدت إلى هذه الأزمة يُرجع أغلب محللي الاقتصادي أسبابها الحقيقية إلى أخطاء متراكمة وعمليات هدر وسوء تصرّف في الموارد، تواصلت لفترة زمنية طويلة وحرمت البلد من استثمار مبالغ طائلة أتت من عوائد النفط في سنوات الوفرة.

ويبدو أن التهاون الرئيسي، المتمثّل في عدم تنويع الموارد والارتهان للنفط واتباع سياسة اجتماعية مبالغ في سخائها لعقود عبر الإكثار من تقديم المنح للمواطنين، قد شجّع على التواكل وجعل المواطنين مجرّد عبء على الدولة بدل أن يكونوا مساهمين في صنع ثروتها.
وخفضت وكالة ستاندر آند بورز قبل أشهر تصنيفها للكويت درجة واحدة إلى أي+ من أي.أي- وأبقت على نظرة مستقبلية سلبية للبلد الخليجي، مشيرة إلى غياب استراتيجية تمويل للبلاد لتمويل العجز في ميزانيتها.
وجمعت الكويت مليارات الدولارات العام الماضي عبر مبادلات لأصول مع صندوق الأجيال القادمة الذي تأسس في 1976 للاستثمار في الأسهم العالمية والعقارات مع تحويل 50 في المئة من رصيد صندوق الاحتياطي العام وجزء من جميع إيرادات الدولة السنوية في الصندوق لإعادة استثمار العائد من الإيرادات.
ووجدت الحكومات المتعاقبة طيلة السنوات الثلاث الأخيرة صعوبة في الاقتراض من الخارج بسبب رفض البرلمان مثل هذه الخطوة، لكن رضوان يرى أن الكويت يمكنها أن تبدأ بالاقتراض الآن أو يمكنها استخدام صندوق الأجيال القادمة.
ويتوقع البنك أن يتكبد الاقتصاد الكويتي خسائر بقيمة 17 مليار دولار حتى نهاية هذا العام بسبب الجائحة.
وقدر نمو الناتج المحلي في العام الحالي للبلاد بنحو 2.2 في المئة على أن يبلغ 5.3 في المئة بنهاية العام المقبل إذ تم اتباع سياسة يمكن من خلالها تحريك العديد من القطاعات المهمة.