المزاج السلفي يحوّل بكيني سائحة إلى أم القضايا في مصر

واقعة السائحة الأوكرانية أحدثت حالة استقطاب في الرأي على أساس ديني دون إدراك لتأثير هذه المعارك الكلامية على قطاع السياحة المصري.
الأربعاء 2021/12/15
الواقعة قد تدفع الأجانب لاختيار وجهات أخرى

القاهرة- أنهت النيابة العامة في مصر الجدل الدائر منذ أيام حول واقعة قيام سائحة أوكرانية بالخروج من شرفة منزلها وهي ترتدي البكيني، حيث قررت إخلاء سبيلها وغلق القضية بعد تصالحها مع جيرانها الذين تقدموا ببلاغ ضدها بذريعة أنها “ارتكبت فعلا فاضحا وقامت بنشر الفسق والفجور”.

وجرى تصوير السائحة (خلسة) عبر كاميرا هاتف محمول لشخص كان يقف في الشرفة المواجهة لمنزلها في أثناء خروجها وهي ترتدي “البكيني”، وتم نشر الفيديو على مواقع التواصل الاجتماعي ما أثار ضجة كبيرة، وانقسمت الآراء بين فريق يطالب بمحاكمتها وآخر يدافع عنها لأنها حرة وتجهل التقاليد المصرية.

وبعد اقتياد السيدة الأوكرانية إلى قسم الشرطة بمنطقة التجمع الخامس الراقية في شرق القاهرة على وقع البلاغ المقدم ضدها، قالت أمام جهات التحقيق إنها لا تعرف أن القوانين المصرية تمنعها من النظر من داخل شرفة منزلها بملابسها الداخلية، لأنها في بلدها ترتدي نفس الملابس وتسير بها في الشارع دون أن يعترضها أحد.

◄ السياح الأوكرانيون القادمين إلى مصر يمثلون أحد أهم مصادر القطاع، لكن الواقعة تركت انطباعا سلبيا عن المجتمع

وأبدت السيدة استغرابها أمام جهات التحقيق من قيام بعض السيدات من جيرانها في المنطقة السكنية بالصراخ فور رؤيتها تقف في شرفة منزلها، ولم تفهم ماذا يحدث إلا عندما حضرت قوة أمنية وتم اقتيادها إلى قسم الشرطة.

وتحولت الواقعة إلى قضية رأي عام بعد قيام مصور الفيديو بنشره على منصات التواصل بدعوى “فضح المرأة التي تقوم بنشر الفسق والفجور”، ما أحدث حالة استقطاب في الرأي على أساس ديني دون إدراك لتأثير هذه المعارك الكلامية على قطاع السياحة المصري الذي بدأ يتعافى نسبيا.

وقال الكاتب خالد منتصر لـ”العرب” إن أزمة المجتمع المصري في استمرار سيطرة المزاج السلفي عليه، وأصبح تغيير الناس ليكونوا أكثر تحضرا وتحررا فكريا مهمة شاقة، لذلك يصعب تحقيق نهضة حقيقية من دون نهضة فكرية.

ويمثل السياح الأوكرانيون القادمين إلى مصر أحد أهم مصادر القطاع، لكن الواقعة تركت انطباعا سلبيا عن المجتمع الذي يبدو محافظا أحيانا وينتفض البعض لمجرد ظهور سائحة من شرفتها وهي ترتدي ملابسها الداخلية بحجة الحفاظ على القيم والأخلاق.

وعكست الواقعة أن كل أطراف المنظومة في مصر لا يزال أمامهم وقت للتعامل مع الحريات الشخصية باعتبارها أحد أهم حقوق الإنسان، فالمجتمع الذي ثار ضد الهيمنة الدينية هو نفسه الذي لا يسمح لأحد أن يعيش حياته بشكل طبيعي أو يحترم خصوصيات الآخرين ويحاكم أيّ فعل خارج عن التقاليد.

والحكومة التي تجاهد لنشر المدنية ونسف الأفكار الرجعية التي زرعتها التيارات المتطرفة تتخوف من مواجهة دعوات التصدي لأيّ فعل ينتهك الحريات خشية الاصطدام مع التقاليد، وظهر ذلك في اقتياد السائحة الأوكرانية إلى قسم الشرطة والتحقيق معها لمجرد أنها بدت غير محتشمة في نظر البعض.

خالد منتصر: المجتمع يغلف انتهاك الخصوصية بحماية الفضيلة

حتى أن وزارة السياحة التي يفترض أنها مسؤولة عن الترويج لمصر كدولة متحضرة تجاوزت عهد التخلف الذي كرّسه المتطرفون وصنعوا حالة من العداء ضد السياح لكونهم متحرّرين لم تبادر بحل الأزمة بطريقة تحافظ بها على ما حققه القطاع السياحي من نمو لتُظهر أن ما تعرضت له السائحة مجرد واقعة فردية.

وأكد خالد منتصر لـ”العرب” أن المجتمع المصري يعاني أزمة حقيقية بتغليف انتهاك الخصوصية بحماية الفضيلة، مع أن ذلك ضد الدين وكان يُفترض محاسبة مصور فيديو السائحة لأنه ارتكب تصرفا غير أخلاقي، مع تقديم وزارة السياحة اعتذار لها، لأن مثل تلك التصرفات تؤثر على السياحة وتدفع الأجانب لاختيار وجهات أخرى.

ويرى مراقبون أن واقعة السائحة الأوكرانية، وإن كانت حدثا عابرا، لكنها أزاحت الستار عن الكثير من الأزمات البعيدة عن صميم اهتمامات الحكومة، وأولها الرعونة في إقرار مدنية الدولة، والخوف من مواجهة الرجعية المجتمعية التي مهّدت الطريق لأن تصبح الهوية الدينية لاغية للمدنية أو متعارضة معها.

ويعتقد هؤلاء أن المجتمع المصري ضحية تهميش حكومات متعاقبة للحريات الشخصية، فصار مباحا نشر التسجيلات والتسريبات ومقاطع الفيديو المصورة خلسة، لجني أكبر قدر من المكاسب على حساب الآخرين، وهي إشكالية تتعامل معها الحكومة دون رشاد ولا تحاسب من يعتدي على الحريات الشخصية بالتصوير.

ورغم مطالبة العديد من الأصوات بمحاسبة من انتهك خصوصية السائحة الأوكرانية في منزلها ومن نشر ما يسمى بالفجور، إلا أن الواقعة مرّت دون عقاب، مع أن هناك ترسانة قوانين تجرّم هذا الفعل وتحبس المتهم نحو ست سنوات، لكنها غير مفعّلة وفي كل مرة يكسب من يعتقدون أنهم يدافعون عن الفضيلة معركة لصالحهم.

16