الاقتصاد السعودي يتحول من محنة العجز إلى نعمة الفوائض

الحكومة تقرر خفض الإنفاق العام في 2022 بواقع 6 في المئة.
الثلاثاء 2021/12/14
التخطيط للمستقبل لا يعتمد على الحظ

رجحت الموازنة السعودية للعام المقبل أن يتحول أكبر الاقتصادات العربية من محنة العجز الذي رافقه لسنوات بسبب تذبذب أسعار النفط إلى نعمة الفوائض والتي من المتوقع أن تسهم في دفع الحكومة على استكمال الإصلاحات بأكثر أريحية مع المضي قدما في تنفيذ المشاريع الكبرى وجذب الاستثمارات.

الرياض - أكّدت السعودية أنها تتوقع أن تحقق العام المقبل أول فائض في الموازنة منذ ما يقرب من سبع سنوات، إذ تعتزم تقييد الإنفاق العام رغم الزيادة الكبيرة في أسعار النفط التي ساعدت في إعادة ملء خزائنها التي استنزفتها الجائحة.

وبعد عجز متوقع نسبته 2.7 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي هذا العام، تقدر الحكومة تحقيق فائض قدره 90 مليار ريال (24 مليار دولار) العام المقبل، ما يعادل 2.5 في المئة من النمو.

وإذا تحققت التوقعات ستكون هذه المرة الأولى التي تسجل فيها السعودية فائضا في موازنتها منذ 2014، إذ سجلت فائضا قدره 54.9 مليار دولار للمرة الأخيرة في موازنة 2013.

ونسبت وكالة الأنباء السعودية الرسمية إلى ولي العهد الأمير محمد بن سلمان قوله إن “هذه الفوائض ستستخدم لزيادة الاحتياطيات الحكومية لمواجهة احتياجات الجائحة، وتقوية المركز المالي للمملكة، ورفع قدراتها على مواجهة الصدمات والأزمات العالمية”.

وشهد البلد عجزا في موازناته السنوية بين عامي 2014 و2021 حين هبطت أسعار النفط بشكل كبير، واستقرت مؤخرا عند مستوى 65 دولارا للبرميل.

وتخطى العجز في هذه الفترة 400 مليار دولار، ما دفع الحكومة للاقتراض واللجوء إلى الإنفاق من احتياطياتها النقدية التي تراجعت من 125 مليار دولار في 2019 إلى 70 مليار دولار في سبتمبر الماضي.

وقال وزير المالية محمد الجدعان في مؤتمر صحافي إن بلاده تتوقع أيضا “تحقيق فائض مالي في عامي 2023 و2024”.

24 مليار دولار الفائض المالي المتوقع وهو الأول منذ 2013 حينما حقق البلد فائضا بنحو 54.9 مليار دولار

ويرى محللون أن الموازنة تتضمن سيناريوهات مختلفة إلى جانب توقعاتها الرئيسية حيث تأخذ السعودية المنضوية ضمن مجموعة العشرين في الاعتبار احتمالات مختلفة للإيرادات.

وتشير بعض السيناريوهات إلى أن الاقتصاد الذي شهد زيادة الإنفاق في الماضي خلال أوقات ارتفاع أسعار الخام يمكن أن يبتعد بشكل متزايد عن هذا النموذج.

وقفزت الإيرادات هذا العام بنحو 10 في المئة إلى 247.6 مليار دولار من 266 مليار دولار بمقارنة سنوية مدفوعة بارتفاع أسعار الخام وزيادة إنتاج النفط مع تعافي الطلب العالمي على الطاقة.

وأقرت السعودية، أكبر مُصدر للنفط في العالم، الموازنة بإجمالي نفقات يبلغ 254.7 مليار دولار، فيما يمثل تراجعا في نسبته بـ6 في المئة تقريبا على أساس سنوي.

وتتضمن الموازنة إنفاق 49.3 مليار دولار على التعليم و36.8 مليار دولار على الصحة و45.6 مليار دولار على الدفاع و48.5 مليار دولار على البنود العامة.

ويأتي تقليص النفقات بينما تسعى الحكومة لتمويل خطّة للتحول الاقتصادي وتنفيذ مشاريع كبرى في قطاعات غير نفطية، بينها الترفيه والسياحة والاستثمار في التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي.

وتبنت الرياض أخيرا نهجا تقشفيا شهد استحداث ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة في 2018 قبل رفعها إلى 15 في المئة العام الماضي.

وتحاول السعودية الغنية إتاحة الفرصة للقطاع الخاص والشركات الأجنبية لضخ استثمارات في البلد الذي يبلغ سكانه 34 مليون نسمة، وظل لسنين مغلقا أمام الاستثمارات الأجنبية.

ونسبت وكالة رويترز إلى الجدعان قوله “نفصل الآن تماما الإنفاق الحكومي عن الإيرادات”. وأضاف “نقول لشعبنا والقطاع الخاص أو الاقتصاد على اتساعه يمكنكم التخطيط مع القدرة على توقع ما سيحدث مستقبلا. فالحدود القصوى للموازنة ستستمر بطريقة مستقرة بصرف النظر عن الكيفية التي ستكون عليها أسعار النفط والعائدات”.

محمد الجدعان: التوازن سيتحقق مهما تكن أسعار النفط أو العائدات

وعانى أكبر اقتصاد عربي ركودا عميقا العام الماضي، عندما أضرت قيود الإغلاق بالقطاعات الاقتصادية غير النفطية، بينما أثر الانخفاض القياسي في أسعار النفط على موارده المالية، ما أدى لاتساع عجز الموازنة إلى 11.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.

لكن الاقتصاد انتعش هذا العام مع تخفيف القيود المفروضة لاحتواء فايروس كورونا، عالميا ومحليا، وزادت الإيرادات النفطية وغير النفطية زيادة كبيرة على أساس سنوي.

وتشير وثيقة الموازنة إلى أن السعودية تتوقع نمو الاقتصاد 2.9 في المئة هذا العام، يليه نمو نسبته 7.4 في المئة في العام المقبل.

ولا تعلن الحكومة سعر النفط الذي تفترضه لحساب موازنتها. وقال اقتصاديون العام الماضي إن من المرجح أنه كان على أساس سعر متحفظ يتراوح بين 46 و48 دولارا للبرميل.

ورجّحت مونيكا مالك كبيرة الاقتصاديين في بنك أبوظبي التجاري أن تضع السعودية موازنتها على أساس سعر مفترض منخفض للنفط يتراوح بين 50 و55 دولارا للبرميل.

لكنها عادت وقالت إن “ثمة زيادة تبلغ 15.7 في المئة في الإيرادات الحكومية في 2022. أعتقد أن الافتراض الآن لسعر يتجاوز 70 دولارا في ضوء الارتفاع الحاد في سعر النفط”.

ومن شأن ذلك ترك مجال إضافي للمزيد من التحسن في الوضع المالي. وتقول إدارة معلومات الطاقة إن خام برنت النفطي صعد هذا العام ومن المتوقع أن يبلغ في المتوسط نحو 70.6 دولار للبرميل في 2021 وأن ينخفض بصورة طفيفة إلى 70 دولارا العام المقبل.

ويقدر صندوق النقد الدولي أن الرياض ستحتاج إلى سعر للنفط 72.4 دولار للبرميل لموازنة ميزانيتها في العام المقبل.

وتعتمد قدرة السعودية على الحفاظ على الملاءة المالية جزئيا على تحسين كفاءة الإنفاق، وكذلك الأدوار المتنامية لكيانات مثل صندوق الاستثمارات العامة (صندوق الثروة السيادية) وصندوق التنمية الوطني في تمويل الخطط الاستثمارية الطموحة لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.

وأعلنت الحكومة أنها تعتزم استثمار ما يزيد على 800 مليار دولار بحلول 2030، وهو هدف يرى اقتصاديون أنه صعب.

وقال محمد أبو باشا رئيس تحليل الاقتصاد الكلي لدى المجموعة المالية هيرميس “لا يأتي الفائض المتوقع في موازنة 2022 على خلفية ارتفاع أسعار النفط والإنتاج فحسب، وإنما على خلفية تقليص الإنفاق المرتبط بالجائحة مع الاستمرار في تحويل عبء الاستثمار إلى صناديق الدولة بقيادة الصندوق السيادي”.

11