حشد شعبي في تركيا ومطالب برحيل الحكومة بسبب أزمة الليرة

أدى تفاقم أزمة الليرة التركية إلى تظاهر العديد من الأشخاص في العاصمة أنقرة، حيث ألقي القبض على تسعين طالبا على الأقل، كما شهدت مدينة إسطنبول خروج الآلاف من المتظاهرين إلى الشوارع للمطالبة برحيل الحكومة.
إسطنبول - شهدت مدينتا أنقرة وإسطنبول التركيتان مساء الأحد احتجاجات حاشدة طالبت برحيل الحكومة، إثر تردي الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، بعد انهيار للعملة المحلية (الليرة) وارتفاع قياسي في معدل التضخم بلغ أكثر من واحد وعشرين في المئة بحسب الإحصائيات الرسمية.
وتظاهر أكثر من خمسة آلاف شخص الأحد في إسطنبول احتجاجا على التضخم وتراجع القدرة الشرائية، في أول تجمّع كبير على خلفية الاضطرابات التي يمرّ بها الاقتصاد التركي منذ أسابيع.
وتجمّع المتظاهرون تلبية لدعوة النقابات الرئيسية واحتجاجا على تدهور قيمة الليرة التركية ونسبة التضخم التي بلغت بحسب الأرقام الرسمية أكثر من واحد وعشرين في المئة، على أساس سنوي في نوفمبر الماضي في تركيا، لكن أطرافا معارضة شككت في صحة الأرقام الرسمية واتهمت المكتب الوطني للإحصاءات بسوء تقدير التضخم.
ويرجّح أن تكون نسبة التضخّم الحقيقية أكثر من ثمانية وخمسين في المئة، بحسب دراسة أجرتها مجموعة البحث حول التضخم المؤلفة من خبراء اقتصاد مستقلين.
السلطات التركية ألقت القبض على تسعين طالبا على الأقل في أنقرة بعد احتجاجهم على ارتفاع الإيجارات
وتراجعت قيمة الليرة التركية بأكثر من 45 في المئة، مقابل الدولار منذ مطلع العام الحالي، قرابة 30 في المئة منها منذ نهاية أكتوبر الماضي. وقالت الأمينة العامة لاتحاد نقابات العمال الثوريين أرزو جركس أوغلو في خطاب خلال التظاهرة “نحن نزداد فقرا كل يوم، لكن كل شيء على ما يرام بحسب السادة الذين يديرون البلاد، نحن نقول إنه لم يعد بإمكاننا توفير احتياجاتنا، يدّعي المكتب الوطني للإحصاءات أن نسبة التضخم تبلغ 21 في المئة فقط لا تستخفّوا بذكاء الطبقة العاملة”.
وقالت سيبل جيليك الموظفة في مصنع قطع غيار سيارات وكانت تشارك في التظاهرة “لم تعد لدينا الإمكانات للاهتمام بمنازلنا بشكل صحيح، لم يعد بإمكاننا تدبر أمورنا”.
وجاءت الاحتجاجات بسبب التراجع المطرد للعملة الوطنية، حيث طالب المحتجون خصوصا برفع صافي الحدّ الأدنى للأجور الذي يبلغ حاليا 2825 ليرة (أكثر من مئتي دولار) إلى 5200 ليرة (368 دولارا).
وهتف المتظاهرون بشعارات تطالب باستقالة الحكومة، وقالت فاطمة وهي موظّفة في البلدية “على الحكومة أن ترحل لأنهم يفرغون جيوبنا لملء جيوبهم، لهذا السبب نحن في الشارع لنقول كفى”. وأُلقي القبض على تسعين طالبا على الأقل في أنقرة، حسبما قالت مبادرة “لن نجد مأوى”. وكان الطلاب قد حاولوا التجمع في العاصمة التركية على الرغم من حظر التظاهر بأمر المحافظ، واحتجوا على ارتفاع الإيجارات وطالبوا بإسكان بتكلفة معقولة منذ الصيف الماضي.
وفي مدينة إسطنبول ارتفعت تكلفة المعيشة بنسبة تزيد على خمسين في المئة خلال عام واحد، وفقا لإدارة المدينة، كما سجلت أعلى زيادة في أسعار زيت عباد الشمس بنحو 138 في المئة.
ويرى متابعون للوضع الاقتصادي أن أزمة الليرة تأتي، من بين أمور أخرى، بسبب تدخل الرئيس أردوغان في السياسة النقدية للبنك المركزي.
ويقول هؤلاء إن سوء الإدارة وحالة عدم اليقين التي تكتنف السياسات رفعا التضخم إلى خانة العشرات، ودفعا الاحتياطي الرسمي من النقد الأجنبي إلى التراجع وأفقدا الليرة ثلثي قيمتها في أربع سنوات، في أشد تراجع، وبفارق كبير، لعملة في الأسواق الناشئة.
وبداية ديسمبر الجاري عين الرئيس أردوغان نورالدين نباتي وزيرا للخزانة والمالية بعد استقالة آخر مسؤول كبير، لطفي إلفان، الذي طلب إعفاءه من منصبه.
ويمثل رحيل إلفان أحدث تغيير في عملية إحلال وتبديل سريعة في المناصب الاقتصادية الكبرى في تركيا، والتي شملت إقالة أردوغان على نحو مفاجئ ثلاثة محافظين للبنك المركزي في آخر عامين إلى عامين ونصف العام، وهي تحركات يُنظر إليها على أنها هزت مصداقية صنع السياسات في تركيا.
ولا يتفق الرئيس التركي مع التدابير الاقتصادية التقليدية، معتبرا أن معدلات الفائدة المرتفعة تتسبب في زيادة التضخم، وتعهد مجددا بالحفاظ على معدل فائدة أساسية منخفض.
ويعتبر بذلك أنه يدعم الإنتاج والصادرات، قائلا “العالم يعرف مدى عدم ارتياحي لمعدلات الفائدة المرتفعة، لم أكن أبدا من المؤيدين للفوائد، لا اليوم ولا غدا”.
أكثر من خمسة آلاف شخص تظاهروا في إسطنبول احتجاجا على التضخم وتراجع القدرة الشرائية، في أول تجمّع كبير على خلفية الاضطرابات التي يمرّ بها الاقتصاد التركي
وأضاف “تخلينا عن السياسات النقدية القائمة على معدلات فائدة مرتفعة وتحولنا إلى استراتيجية نمو تقوم على الاستثمارات والتوظيف والإنتاج”، مؤكدا “لن يعود بلدنا إلى نظام الاستغلال القائم على معدلات فائدة مرتفعة”.
ومع تحول المركزي التركي في سبتمبر الماضي إلى موقف ينزع إلى تيسير السياسة النقدية، كان يُنظر إلى إلفان على أنه واحد من آخر الوزراء الذين يمكنهم إقناع أردوغان بإعادة النظر في تلك السياسة في ضوء ما يراه المحللون من تضرر مصداقية البنك.
وأعلن أردوغان أن بلاده تسلك طريقا “محفوفا بالمخاطر لكنه صائب” حيال الاقتصاد، مدافعا عن موقفه المثير للجدل بخفض معدلات الفائدة رغم تدهور العملة الوطنية بشكل حاد وارتفاع التضخم.
وخسرت الليرة أكثر من ثلاثة وأربعين في المئة من قيمتها مقابل الدولار منذ مطلع 2021 ما أدى إلى زيادة تكلفة الواردات التي تعتمد عليها تركيا بشكل كبير، خاصة في مجال الطاقة والمواد الأولية.
وعلى مدار أكثر من عامين كانت الليرة التركية تنخفض بلا هوادة والبطالة خاصة بين المهنيين الشباب مأساوية، كما أن أسعار المواد الغذائية الأساسية تتقلب على نطاق واسع.