أفلام تونسية توجت في مصر ورفضت في تونس

انتهت فعاليات الدورة الـ43 من مهرجان القاهرة السينمائي ولم تنته الزوبعة التي رافقت فوز ثلاثة أفلام تونسية فيه، فما هو سر هذه الزوبعة التي أثارها التونسيون أنفسهم نقادا وصحافيين وما هي علاقتها بأيام قرطاج السينمائية؟
انتهت منذ أيام الدورة الـ43 من مهرجان القاهرة السينمائي الدولي، وكانت دورة هذا العام قد حظيت بمشاركة عربية واسعة وخاصة من قبل دول شمال أفريقيا كتونس والمغرب والجزائر، وكانت للسينما التونسية حصة الأسد في ختام المهرجان من الجوائز، ففيلم لطفي عاشور الروائي القصير “نقطة عمياء” حصل على جائزة يوسف شاهين لأحسن فيلم قصير وهي جائزة لا يستهان بها لأنها تؤهل صاحبها للمشاركة في تصفيات جوائز الأوسكار.
كما حصل الممثل ظافر العابدين على جائزة الفبرسي (الاتحاد الدولي للنقاد) عن فيلمه الروائي الأول “غدوة” الذي قام بإنتاجه وإخراجه بالإضافة إلى لعب دور البطولة فيه، وحصلت الممثلة عفاف بن محمود على جائزة أفضل أداء عن دورها في فيلم “أطياف” للمخرج مهدي هميلي، بينما حصل المخرج أنيس الأسود على تنويه من لجنة التحكيم عن فيلم الروائي الطويل “قدحة”.
وكانت مجموعة من الصحافيين والنقاد التونسيين الحاضرين في دورة هذا العام من المهرجان قد أعربوا عن سعادتهم بفوز هذه الأفلام وفي الوقت عينه عن استهجانهم لرفض برمجتها داخل المسابقة الرسمية لمهرجان أيام قرطاج السينمائية، الأمر الذي استدعى منا في “العرب” الاستفسار حول هذا الموضوع وخفاياه.

أنيس الأسود: قرارات لجان المشاهدة والتحكيم تخضع دائما لأذواق أصحابها
آلية الاختيار
من المعروف أن المهرجانات السينمائية وخاصة العربية منها تفتح أبوابها بالدرجة الأولى للأفلام المحلية، ومهرجان أيام قرطاج السينمائية تحديدا من المهرجانات التي تستقبل سنويا العشرات من الأفلام التونسية، وهذا إن دل على شيء فهو كثافة الإنتاج السينمائي التونسي في الوقت الذي تتراجع فيها سينمات العالم وخاصة العربي منه.
وتخضع معظم الأفلام السينمائية التي يسجلها أصحابها على منصات المهرجانات للمشاركة في المسابقات الرسمية لتقييمات لجان عديدة، منها لجان الفرز الأولي، كما يحصل مثلا في مهرجان القاهرة السينمائي الدولي وغيره من المهرجانات، وهي لجان تنتقي من المئات من الأفلام المسجلة في منصتها وفق قواعد وشروط التظاهرة، عددا لا بأس به من الأفلام ليتم تحويلها إلى لجان المشاهدة، والتي بدورها تقرر مدى أهمية الفيلم وصلاحيته للمشاركة في مسابقاتها.
وفي مهرجان القاهرة تحديدا تمنح الأفلام السينمائية فرصة أكبر للمشاركة في المسابقات وليس فقط العرض، على اعتباره مهرجانا يضم عدة مسابقات موازية للمسابقة الرسمية، وكلها لا تقل أهمية من حيث البرمجة أو لجان التحكيم.
أما في مهرجان أيام قرطاج السينمائية فالمسابقة الرسمية واحدة، وما تبقى من أنشطة موازية هو مجرد عروض سينمائية قد لا تحقق لأصحابها الهدف المنشود أو الجماهيرية المطلوبة، وخاصة إذا تضارب موعد عرضها مع عروض المسابقة الرسمية، فكيف يتم اختيار الأفلام التونسية للمشاركة في أيام قرطاج؟ وهل فعلا تم رفض برمجة الأفلام التونسية التي التحقت بمهرجان القاهرة وتوجت فيه؟
تقول نورس الرويسي التي تشغل منصب عضو في اللجنة الفنية لأيام قرطاج السينمائية ومديرة قسم الأفلام والبرمجة “بالنسبة إلى موضوع الرفض لم يحدث يوما في أيام قرطاج التونسية وأن تم رفض أي فيلم تونسي، فكل الأفلام التونسية التي تتقدم للمهرجان وتسجل على منصته من المفروض أن يتم قبولها وبرمجتها في المهرجان”.

نورس الرويسي: الأفلام التونسية رغم عدم اختيارها في تونس فهي تستحق الفوز
وحول آلية الاختيار وعلى أي أساس تقوم تقول الرويسي “بعد أن تصل الأفلام وبحسب قانون أيام قرطاج السينمائية يتم تشكيل لجنة مستقلة لاختيار الأفلام التي ستشارك في المسابقة الرسمية، والتي يجب ألا تتجاوز الثلاثة أفلام، ونحن في إدارة المهرجان نتبنى آراءهم، لكننا في الوقت نفسه نملك الحق في برمجة أي فيلم لم يتم قبوله في المسابقة الرسمية ليعرض ضمن أحد الأقسام الموازية في المهرجان، كعرض خاص أو كعرض افتتاح أو في قسم الأفلام التونسية أو ما يسمى بنظرة على الأفلام التونسية”.
وتضيف “في دورة هذا العام من المهرجان وصلنا ما يقارب من 9 أفلام تونسية، وجرت نقاشات طويلة جدا بين اللجنة لاختيار ثلاثة منها فقط وإلا سيصبح المهرجان مخصصا للسينما التونسية لا مهرجانا عربيا أفريقيا، مما يعني أن المهمة كانت صعبه جدا”.
ولا تنكر الرويسي أن اختيارات اللجنة للأفلام عادة ما تخضع للأذواق الذاتية لأعضائها، وربما لو كانت اللجنة هذا العام مكونة من أشخاص آخرين لاختاروا ربما ثلاثة أفلام أخرى، أما عن رأيها الشخصي بالأفلام التونسية التي شاركت في مهرجان القاهرة فتقول “إنها كانت أكثر من جيدة وتستحق الفوز، وهذا أمر يدعو للفخر ويشرفنا كتونسيين، بالنهاية المهرجانات السينمائية تكمل بعضها البعض، وتتويج أي فيلم تونسي في مصر أو في أي بلد أفريقي، أو تتويج أي فيلم مصري في تونس هو شيء جميل، نحن كمهرجانات لسنا في موقع المنافسة في ما بيننا وإنما في موقع الداعم للسينما العربية ككل”.
وتشير الرويسي إلى أن “الأفلام التونسية الثلاثة التي شاركت في مهرجان القاهرة السينمائي وحصلت على جوائز، لم تكن من اختيارات اللجنة للمشاركة في المسابقة الرسمية ولكن تمت برمجتها في الأقسام الموازية، وبالتالي كان من حق أصحابها الرفض أو القبول بهذه المشاركة، وهذا ما حصل بالضبط، حيث كان أحدها مبرمجا كفيلم افتتاح والفيلم الآخر في قسم نظرة على السينما التونسية أو كعرض خاص، لكن أصحاب الأفلام رفضوا هذه المشاركة وهذا من حقهم، فمعظم المنتجين والمخرجين يفضلون المشاركة ضمن المسابقات الرسمية وليس خارجها، سواء في مهرجان قرطاج أو القاهرة أو غيره من المهرجانات، ولأن مهرجان القاهرة يشترط العرض العالمي الأول للفيلم أو العرض الأول في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا ففضل أصحاب الأفلام سحبها”. وتابعت “نحن في مهرجان قرطاج نتمنى لأفلامنا التونسية التواجد في مهرجانات دولية كبرى، ونفرح حين تتوج في الخارج ونعيد عرضها لاحقا في قرطاج وهذا يعتبر إضافة للسينما التونسية وتاريخها”.
أذواق شخصية
“العرب” قابلت أيضا المخرج التونسي أنيس الأسود في مهرجان القاهرة للحديث عن الموضوع، وهو مخرج فيلم “قدحة” أحد الأفلام التونسية الروائية الطويلة التي لم تحظ بالقبول في المسابقة الرسمية من مهرجان قرطاج بينما شاركت في مهرجان القاهرة ضمن مسابقة آفاق السينما العربية التي يديرها الناقد رامي عبدالرازق، وكان الفيلم قد حظي بقبول جماهيري وبتنويه من لجنة التحكيم.
عن تلك المشاركة يقول الأسود “كنا قد قدمنا فيلم ‘قداحة’ للمسابقة الرسمية في مهرجان أيام قرطاج السينمائية ولكن لم يتم اختياره من قبل لجنة الاختيار، ونحن نحترم قرارات إدارة المهرجان مع تحفظنا على قرارات لجنة الاختيار التي كانت بالنسبة إلينا غير محترفة وضعيفة جدا، لكننا بالنهاية رضخنا لها كسينمائيين”.
وأضاف “كانت إدارة المهرجان قد اقترحت علينا عرض الفيلم في قسم ‘نظرة على السينما التونسية‘، وكنا في الوقت عينه نريد عرضه لأول مرة عالميا في قرطاج لظروف متعلقة بالفيلم، فوالد الطفل ياسين ترمسي الذي يلعب الدور الرئيسي في الفيلم ‘قدحة‘ كان مريضا وعلى فراش الموت، وكنا نود لوالده أن يحضر العرض العالمي الأول للفيلم في تونس، ولكن وقع إشكال مع المهرجان حول هذا العرض وحين توفي والد الطفل قبل أسبوع من افتتاح أيام قرطاج عزفنا تماما عن عرض الفيلم، وقررنا عرضه لأول مرة عالميا في مهرجان القاهرة. كنت أتمنى أن يكون حاضرا معي على الأقل طفلان منهم ولكن لسوء الحظ حضر جزء فقط من الفريق الفني بينما تغيب الأطفال أبطال الفيلم الخمسة تعاطفا مع ياسين وظروفه”.
ويتابع الأسود “عدم برمجة الفيلم في المسابقة الرسمية من أيام قرطاج لم يكن مؤرقا بالنسبة إلي وحدي كمخرج فيلم، وإنما أيضا بالنسبة إلى مخرج فيلم ‘أطياف‘ مهدي هميلي، ولطفي عاشور مخرج فيلم ‘نقطة عمياء‘ وظافر العابدين منتج ومخرج فيلم ‘غدوة‘، بالنهاية نحن دائما مع مهرجان قرطاج ودائما مع بريقه، لأن قرطاج أول مهرجان في أفريقيا والعالم العربي، وهو بالنسبة إلينا المهرجان الأول والأخير الذي نحبه وندافع عنه”.
وبالنسبة إلى مهرجان القاهرة يوضح المخرج التونسي “رغم أنني كنت أتمنى أن يكون وقع الفيلم على اللجنة أكبر وخاصة أن النقاد وبعض المخرجين قد أشادوا به، وكان له وقع جيد في صفوف الجمهور، إلا أن الأمر في النهاية ليس مجرد جوائز، وأنا سعيد بهذا التنويه الذي حصلت عليه من قبل لجنة التحكيم للفيلم”.
بالنهاية ربما تكون قرارات لجنة المشاهدة في أيام قرطاج السينمائية صائبة وربما تكون مخطئة، وبالمقابل ربما تكون قرارات لجنة المشاهدة في القاهرة وحتى لجان التحكيم فيه صائبة وربما العكس، لكن الكل يعلم وخاصة من سبق له وأن شارك في لجان اختيار أو لجان تحكيم، أن هذه قرارات اللجان دائما ما تخضع لأذواق وآراء أصحابها بالدرجة الأولى وهو أمر لا يمكن تجاهله.