نحالو سوريا يخوضون معركة شاقة للنهوض بإنتاج العسل

القطاع يعاني من قلة الدعم الحكومي وارتفاع الأسعار وغياب برنامج واضح للتسويق.
الجمعة 2021/12/10
في مملكة النحل.. العسل أشكال وألوان

تتعالى أصوات مربي النحل في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة السورية، محذرة من التحديات والصعوبات التي تعترض أعمالهم في طريق استعادة نشاط إنتاج العسل، وطالبوا بتفكيك العقبات أمام تسويقه في السوق المحلية، خاصة مع ظهور بوادر تعافي نشاط يشكل المصدر الوحيد للكثير من الأسر في الأرياف.

دمشق - يكافح العسل السوري لاستعادة مكانته على الرغم من المطبات الكثيرة التي تواجه معظم النحالين، ومن أبرزها ارتفاع الأسعار وتكاليف الإنتاج وغياب الدعم الحكومي.

وشكلت الحرب التي شهدتها سوريا منذ 2011 بين نظام بشار الأسد والمعارضة السورية المدعومة من تركيا كابوسا للنحالين، حيث كانت معظم عمليات إنتاجهم تندرج ضمن مسعى تحقيق الاكتفاء الذاتي للسوق المحلية، والفائض كان يذهب للتصدير.

ورغم أن تحسن الوضع الأمني في عدة محافظات اشتهرت بإنتاج العسل، من بينها محافظتا درعا وحماة، سمح للآلاف من العائلات النازحة بالعودة إلى منازلهم وإعادة إحياء أعمالهم، لكنهم يجدون صعوبة بالغة في تحقيق طموحاتهم في هذه الصناعة.

ودعا مربو النحل في حماة إلى إيجاد جهة متخصصة في مجال تسويق إنتاج العسل وضبط مواصفاته، مع إقامة جمعية خاصة بمربي النحل تتبع اتحاد الفلاحين، إضافة إلى إقامة مهرجانات متخصصة لترويج العسل الحموي ومنتجات المناحل من شمع وحبوب الطلع.

ويقول بعض المربين ومنهم ثائر كوسا وحسام العبيسي وطلال الأحمد من ريف حماة، إن ثمة صعوبات عديدة تواجه عملهم وليس لهم الإمكانيات المادية لكي يستعيدوا نشاطهم.

مايك روبسون: نعمل مع شركائنا على دعم النحالين لبناء حياتهم بعد الأزمة

وأكد كوسا في تصريحات نقلتها وكالة الأنباء السورية الرسمية أن أهم التحديات التي تعترض المربين في حماة، هو ارتفاع تكاليف الإنتاج كخلايا النحل الفارغة المصنوعة من الخشب، فضلا عن صعوبة تصريف المنتج وانخفاض أسعاره.

وفي ظل انحدار العملة المحلية والأزمة المالية والاقتصادية التي تعيشها سوريا تحت وطأة العقوبات الأميركية الخانقة، تشير التقديرات إلى أن سعر الكيلوغرام الواحد من العسل يتراوح بين 18 و25 ألف ليرة (7.2 دولار ونحو عشرة دولارات).

وهذا السعر يبدو عاليا قياسا بمستوياته قبل الحرب، عندما كان سعر صرف الدولار الواحد يبلغ في أقصى الحالات 50 ليرة.

ويعتقد العبيسي أن تقلبات الظروف المناخية تشكل إحدى أهم الصعوبات التي تعترض هذه المهنة، كما أن عملية ترحيل الخلايا من مكان إلى آخر ترهق المربي وتزيد من تكاليف الإنتاج.

وقال إن ذلك “يتطلب تأمين محميات طبيعية لتربية النحل وزراعتها بالنباتات العطرية، وإكثار سلالات النحل المحلي نظرا لمقدرته على التأقلم مع الظروف البيئية والمناخية”.

ويقول خبراء القطاع إن تلك العوامل قد تقف حجر عثرة أمام تحقيق قفزة في السنوات المقبلة إذا لم يتم تدارك الأمر سريعا، في ظل الظروف المالية الصعبة واشتداد المنافسة في عدد من بلدان المنطقة.

وذكر اتحاد النحالين العرب في تقرير نشره في وقت سابق هذا العام، أنه مع اشتداد الحرب عام 2013 وصل عدد الخلايا إلى أقل من 150 ألف خلية.

وأشار التقرير إلى أن تراجع نسبة الإنتاج شكل صدمة كبيرة للنحالين، بعد أن كانوا منتجين ومصدرين ومنافسين أقوياء في هذا القطاع.

وفي مدينة درعا أسس مربو النحل تحت إشراف الشريك التنفيذي لمنظمة الأغذية والزراعة التابعة للأم المتحدة (فاو)، اتحاد النحالين العرب، رابطة منتجي العسل لضمان معايير جودة المنتج عبر فحص العينات في مخابرهم وإنشاء قنوات مع الأسواق المحلية.

وقال مايك روبسون، ممثل المنظمة في سوريا، “نعمل مع شركائنا على مساعدة الناس في بناء حياتهم بعد الأزمة، وخاصة من خلال قطاع إنتاج العسل”.

العسل متوفر لكن أين سنروجه
العسل متوفر لكن المشكلة في ترويجه 

وقبل الأزمة كانت سوريا تنتج قرابة ثلاثة آلاف طن من العسل سنويا، معظمها معد للتصدير في الأسواق العربية والأوروبية، بيد أن الأمور انقلبت ليس على مربي النحل فحسب، بل أيضا حتى على الدولة التي كانت تجني عوائد من بيعه في الخارج.

وأوضح فايز هنداوي، رئيس شعبة النحل في مديرية زراعة حماة، أن تربية النحل عادت إلى التعافي في عدد من مناطق ريف المحافظة الشمالي كصوران وطيبة الإمام ومعردس وحلفايا. وقال إن “عدد الخلايا بلغ 60 ألفا، بينما تجاوز عدد المربين 2300 مرب”.

وتظهر بيانات وزارة الزراعة أن عدد خلايا النحل بمناطق سيطرة الحكومة يصل إلى نحو 350 ألف خلية، وهي أقل من التي كانت متوفرة قبل الحرب والبالغة 600 ألف خلية.

1900 طن كمية إنتاج العسل في العام الماضي قياسا بنحو 3 آلاف طن قبل الأزمة

ولفت هنداوي إلى أن حماة تعتبر واحدة من البيئات الحاضنة والمشجعة لتربية النحل، ولاسيما أن إنتاجها تجاوز خلال الموسم الحالي 420 طنا.

وأشار إلى أن شعبة النحل بالمنطقة نفذت العديد من البيانات العملية لكيفية مكافحة الدبابير، وإقامة المصائد والطعوم السامة والقيام بعمليات مكافحة الآفات التي تهدد النحل، إضافة إلى تقديم الإرشادات للمحافظة على الخلايا في فصل الشتاء.

وأكد أن طوائف النحل في المحافظة بحالة صحية جيدة، وذلك من خلال الدور الإرشادي والرقابي المستمر للشعبة لمربي النحل، وبهدف تطوير واقع عملهم ومواجهة الصعوبات التي تعترضهم.

وخلال موسم العام الماضي وصل إنتاج العسل إلى حوالي 1900 طن، حيث كان متوسط إنتاج الخلية الواحدة بين 3 و5 كيلوغرامات. أما متوسط إنتاج الخلايا الحديثة فكان بين 3 و8 كيلوغرامات.

وبعد سنوات القحط الزراعي وتأثيره على النحل، يؤكد المسؤولون أن ثمة تحسنا ملحوظا في هذا النشاط، تجلى من خلال إقامة معرض خاص بالعسل هو الأول من نوعه، شارك فيه 34 نحالا من القطاعين العام والخاص من مختلف المدن والمحافظات السورية.

وعرض المشاركون بالمعرض الذي أقيم مؤخرا في العاصمة دمشق منتجاتهم من العسل، إضافة إلى مستلزمات الإنتاج وخلايا النحل الخشبية والصناعات الطبية والغذائية من المواد التي ينتجها النحل.

11