القاهرة تستعين بالبنوك الخليجية لتعزيز المشاريع النظيفة

دخلت مصر رهانا جديدا لتعزيز المشروعات الصديقة للبيئة بقطاعات الزراعة العضوية والصناعة والنقل والكهرباء والطاقة المتجددة، بالاستعانة بخبرات البنوك الخليجية في توفير التمويل اللازم لها، ويأتي ذلك مع تركيز الدولة على التحول نحو الاقتصاد الأخضر بخطة التنمية المستدامة المنسجمة مع تنفيذ “رؤية مصر 2030”.
القاهرة - تتطلع القاهرة إلى اللحاق بكبار اللاعبين في سباق الأنشطة التي تأخذ المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في الحسبان، وتتوسع في جمع المال للمشروعات المرتبطة بالمناخ أو بأهداف الاستدامة كي تسبق بذلك الأسواق الناشئة التي لا تزال بعيدة عن هذا الاتجاه.
ووافق مجلس النواب المصري أخيرا على الاستعانة بالقروض الخليجية من خلال اتفاق بين الحكومة وتحالف مصرفي دولي بقيادة بنك الإمارات دبي الوطني وبنك أبوظبي الأول، حيث تسعى مصر لجمع قروض بنحو ثلاثة مليارات دولار.
وقالت مصادر اقتصادية لـ”العرب” إن المصرفيْن يقومان بتنظيم إصدار القرض من خلال تلقي الأموال الناتجة عن الاكتتاب ثم ضخها للحكومة المصرية إلى جانب تغطية شريحة من القرض ستُعلن تفاصيلها الأيام القليلة المقبلة، وأن الحصيلة الأكبر منه ستوجه للمشروعات الخضراء والاستدامة البيئية.
وتأتي الجولة الجديدة بعد نجاح القاهرة في بيع سندات خضراء بقيمة 750 مليون دولار لأجل خمس سنوات بعائد 5.25 في المئة، في أول طرح دولي للسندات الخضراء الحكومية في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا آخر سبتمبر 2020، والتي لاقت إقبالاً كبيرًا لتتجاوز طلبات الشراء حجم الإصدار المعلن.

وليد جاب الله: خطوة عملية لتفعيل الاقتصاد النظيف ودعم الاحتياطي النقدي
وتم الاختيار على المصارف الخليجية في توفير القرض المستهدف بسبب وفرة السيولة الدولارية لديها، ومتانة البنوك الإماراتية التي تستحوذ على الحصة الأكبر من الميزانيات العامة للمصارف الإقليمية بإجمالي أصول تقدر بنحو 840 مليار دولار، مما يمثل ثلث إجمالي أصول القطاع المصرفي في المنطقة، حسب بيانات شركة كامكو إنفست للاستثمار.
وتؤكد الخطوة الاهتمام المصري بتعضيد العلاقات المصرفية مع الإمارات، والتي بدأت في شهر يونيو الماضي بإبرام مذكرة تفاهم بين بنك الإمارات المركزي ونظيره المصري بهدف تبادل المعلومات لتسهيل المهام الرقابية لضمان الاستقرار المالي ودعم خطط تطوير القطاع المصرفي في البلدين.
ومن المتوقع أن يظهر أثر ذلك التعاون على تأسيس مشروعات استثمارية استراتيجية بين البلدين بدعم من المنصة الاستثمارية المشتركة المقدرة بنحو 20 مليار دولار والتي أسسها صندوق مصر السيادى وشركة أبوظبي القابضة.
وتقوم خطة مجموعة البنك الدولي في الفترة بين 2021 و2025 على زيادة دعمها للعمل المناخي في البلدان النامية وتوسيع الاستثمار في المشروعات الخضراء لمساعدة تلك البلدان على دمج الأهداف المناخية والإنمائية تمامًا بالتزامن مع مساعي الدول في إيجاد مسارات مستدامة للخروج من الاضطرابات الناجمة عن جائحة كورونا.
وأطلقت مصر الاستراتيجية الوطنية للإنتاج الأنظف للصناعة، والتي تستهدف اعتماد خطة متكاملة للوقاية البيئية على التصنيع والانتاج والخدمات وتغيير التكنولوجيا المستخدمة لزيادة الكفاءة والحد من المخاطر التي يتعرض لها الإنسان والبيئة.
وتسعى السلطات المصرية للتغلب على تحديات التمويل لتشجيع القطاع الخاص وجذب الاستثمارات الأجنبية الصديقة للبيئة بعد أن باتت نحو 30 في المئة من استثمارات الموازنة العامة للدولة حاليا خضراء في قطاعات النقل والمياه والصرف الصحي والري والكهرباء.
وتستهدف الحكومة بلوغ نسبة المشروعات الخضراء نحو 50 في المئة من استثمارات الموازنة بحلول العام 2024، كما تسعى لإشراك القطاع الخاص بقوة لتعزيز التدفقات النقدية إلى البلاد عقب تجربة البنك التجاري الدولي في طرح سندات خضراء خاصة، والتي استثمرت مؤسسة التمويل الدولية فيها نحو 100 مليون دولار.

خالد الشافعي: نجاح مصر بتوفير التمويل يجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي
ولا يترتب على الاقتراض للمشروعات الخضراء ارتفاع أعباء الدين الخارجي المصري لأن معدلات الفائدة عليها منخفضة للغاية، وتكون في شكل منح، فضلا عن أن أوجه صرف هذه القروض تتم تحت رقابة المؤسسات الدولية المانحة ومن ثم عائدها يتسم بالارتفاع لسرعة تنفيذ المشاريع.
وقال وليد جاب الله عضو الجمعية المصرية للاقتصاد والتشريع إن “الحصول على القروض الموجهة للمشروعات الخضراء يمثل تمويلاً رخيصًا يعزز من خطط مصر للتوسع في المشروعات الخضراء المتوافقة مع البيئة، كما تنُعش الرصيد الاحتياطي النقدي الأجنبي لدى البنك المركزي وتحمي العملة المحلية من التقلبات”.
وتستهدف رؤية مصر 2030 تنمية الاقتصاد الأخضر بتنفيذ المشاريع النظيفة في ثلاثين مدينة ذكية مستهدفا تدشينها تعمق مشروعات الطاقة الجديدة والمتجددة والنقل النظيف وغيرهما بمشاريع البنية التحتية، لذلك تبحث الحكومة عن تمويلات للشروع في تنفيذها باللجوء إلى المصارف الكبرى والمؤسسات الدولية.
وأشار جاب الله في تصريح لـ”العرب” إلى أن السلطات المصرية في سبيلها لتلقي التمويلات تحرص على إدارة الدين العام وأيضا الخارجي بصورة تمنع صعوده كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي، وأن يظل في الحدود الآمنة لأن أي اقتراض حتى لو كان للمشروعات الخضراء يمثل إضافة جديدة للديون الخارجية.
وتراجع معدل الدين العام كنسبة من الناتج المحلي المقدر بنحو 363.1 مليار دولار إلى قرابة 90.6 في المئة خلال العام المالي الماضي من مستويات 108 في المئة بنهاية عام 2017، وهي معدلات مقبولة بالنظر إلى ارتفاع الديون بالأسواق العالمية.
وحسب بيانات صادرة عن البنك المركزي المصري في شهر يوليو الماضي ارتفع حجم الدين الخارجي بنحو 5.6 مليار دولار خلال الربع الأول من العام الجاري ليسجل 134.8 مليار دولار، مقارنة بنحو 129.2 مليار دولار بنهاية العام الماضي، ما يمثل نحو 37 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
ولا يوجد أي شعور بالقلق تجاه معدلات الديون إذا كانت آخذة في الانخفاض كنسبة من الناتج المحلي، وهو أمر متوقع للحالة المصرية، كما أن القروض الحالية تهدف إلى التمويل الأخضر الذي يدفع معدلات النمو الاقتصادي للارتفاع ومن شأن ذلك زيادة الناتج المحلي للبلاد.
وأكد خالد الشافعي مدير مركز العاصمة للدراسات الاقتصادية أن القروض التي تعتزم البنوك الخليجية تدبيرها لا تحصل عليها مصر دون مبرر، لكنها لمشروعات تم تحديدها في استراتيجية مصر 2030، وتتم بالتنسيق بين جانبي الاستثمار والتمويل، وهي خطوة من شأنها الإسراع في تنفيذ المشروعات وظهور آثارها الإيجابية.
وتلعب التسهيلات وعدم التعقيدات من جانب المقرضين الدوليين لذلك الغرض من التمويلات الخضراء دورا حاسما في سرعة حصول مصر على القرض المستهدف، بسبب التوجه العالمي نحو تشجيع المشروعات النظيفة وتقليل الانبعاثات الكربونية.
وأوضح الشافعي في تصريح لـ”العرب” أن نجاح الحكومة في الحصول على التمويل اللازم للمشاريع الصديقة للبيئة يجذب شريحة جديدة من المستثمرين الأجانب سواء الأفراد أو صناديق الاستثمار العالمية.
وثمة قناعة بأنه ينبغي توعية القطاع الخاص المصري بالاعتماد على التمويل الأخضر الفترة المقبلة، لاسيما بطرح السندات الخضراء أو من خلال القروض من الجهات الدولية المانحة بسبب المخاوف المتعلقة بارتفاع تكاليف المشروعات التي تعتمد على الطاقة النظيفة وعدم قدرتهم على مسايرة التطورات العالمية جراء تراجع الإنتاج والتضخم عالميًا.