موديز تؤكد متانة أصول البنوك الخليجية ضد التقلبات المفاجئة

تظهر أحدث التقييمات لوكالات التصنيف الدولية أن البنوك الخليجية لديها ما يكفي من الأصول الاحتياطية لمواجهة التقلبات المالية والاقتصادية المفاجئة مستقبلا، بعد أن استطاعت الخروج من قيود الإغلاق بسبب الأزمة الصحية العالمية بأخف الأضرار رغم درجة تباين التعافي في ما بينها.
أبوظبي- أكدت وكالة موديز للتصنيف الائتماني نظرتها المستقبلية للمصارف الخليجية عند درجة مستقرة للأشهر الثمانية عشر المقبلة، بفضل سياساتها التي مكنتها من جمع أصول احتياطية كبيرة حتى في ظل الأزمة الصحية.
وستمثل السيولة المتاحة لدى المصارف وقواعدها الرأسمالية حائط صدّ ضد المخاطر المتعلقة بارتفاع الديون المشكوك في تحصيلها، وانتهاء فترات السماح على سداد القروض، وانتهاء الحزم المالية التحفيزية المتعلقة بالجائحة.
وعزت الوكالة توقعاتها إلى الانتعاش الاقتصادي بالمنطقة بعد تخفيف قيود الإغلاق الاقتصادي وارتفاع أسعار النفط، الذي مكن دول الخليج من تحقيق إيرادات ساعدتها على تحريك عجلة النشاط الاقتصادي بوتيرة أسرع.
وقال أشرف مدني نائب رئيس وكالة موديز إن “النمو الاقتصادي في العام المقبل سيعكس زيادة تدريجية في إنتاج الهيدروكربون، وانتعاشا قويا في معظم القطاعات الاقتصادية”.

أشرف مدني: جودة الأصول عالية حتى مع القروض المشكوك في تحصيلها
وأشار مدني الذي أعد التقرير إلى أن ذلك سيُبقي “جودة أصول المصارف مرتفعة، حتى مع زيادة القروض المشكوك في تحصيلها بشكل طفيف مع انتهاء فترة السماح عن السداد”.
وتتوقع موديز أن تدعم التدابير التنظيمية ومشاريع البنية التحتية الكبيرة نمو الائتمان في العام المقبل، ومن الأرجح أن تنمو القروض بمتوسط 5 في المئة ببنوك دول الخليجي.
وعلى سبيل المثال، سيؤدي استكمال مشاريع البنية التحتية الكبيرة، مثل ملاعب كأس العالم لكرة القدم في قطر، والمشاريع الضخمة في السعودية كجزء من برنامج رؤية 2030، إلى زيادة الطلب على الائتمان وزيادة اقتراض القطاع الخاص.
وأشارت موديز إلى أن البنوك الخليجية تمتلك احتياطيات قوية من الأصول السائلة تتراوح بين 25 و30 في المئة في المتوسط من أصولها المصرفية، ومن المرجح أن تظل ثابتة وتوفر درعا ضد الصدمات غير المتوقعة.
وعلى صعيد الأداء التشغيلي، توقعت وكالة التصنيف الائتماني أن يضعف أداء القروض مع انتهاء فترات السماح، على أن ينعكس هذا التأثير بشكل أكبر في الإمارات والبحرين، بينما سيكون أقل تأثيرا في قطر والكويت.
وألمح تقرير الوكالة إلى استمرار استعداد حكومات المنطقة لدعم البنوك في الأزمات بقوة، مشيرة إلى تمتع العديد من الحكومات بقدرة كافية على تقديم الدعم بفضل صناديق الثروة السيادية الكبيرة.
ومن المتوقع أن تنمو الودائع على خلفية تصاعد أسعار النفط، ولكن بنسبة أقل من ارتفاع القروض رغم أن معظم البنوك الخليجية لديها تعرض “متوسط” إلى “مرتفع” للقطاعات المعرضة للمخاطر المرتبطة بتحول الكربون.
ويعتقد مدني أن الكثير من المؤشرات تدل على أن هناك استمرارا في نشاط الاندماجات والاستحواذات في العام المقبل، خاصة في ظل تحسن ربحية البنوك من تداعيات صدمة الجائحة على الرغم من أن التعافي الكامل سيحتاج بعض الوقت.
وتحاول حكومات الخليج التعافي من أسوأ أزمة اقتصادية ومالية في تاريخها نتيجة التبعات السلبية لتفشي الجائحة خلال العام الماضي، وهبوط أسعار النفط المصدر الرئيسي للدخل بالمنطقة وسط انخفاض الطلب العالمي.
واتخذت بنوك المنطقة والبالغ عددها 168 بنكا تخدم نحو 58 مليون نسمة، موقفا استباقيا خلال العام الماضي، في الاعتراف بالقروض المتعثرة، في إطار بعض المبادرات التي تم طرحها مثل برنامج الدعم والمواجهة الاقتصادي.
وتشير الإحصائيات إلى أن الإمارات تستحوذ على أكبر عدد من البنوك بواقع 48 بنكا، ثم السعودية والبحرين بحوالي 31 بنكا لكل منهما، ثم الكويت 22 وأخيرا قطر وعُمان 18 بنكا لكل منهما.
ويؤكد خبراء ومتابعون لعمل القطاع المصرفي في المنطقة أن البنوك الخليجية، التي عززت احتياطاتها الرأسمالية في أعقاب الأزمة المالية العالمية، لم تعد تملك السيولة السابقة مع قيام الحكومات بسحب بعض ودائعها لسد عجز الموازنات السنوية.
30 في المئة حجم الأصول السائلة للمصارف من إجمالي احتياطاتها النقدية وفق التقديرات
وكشف هذا الوضع عن ترابط العلاقة بين الحكومات والبنوك المحلية عندما تتراجع أسواق السندات وهو ما حصل خلال أزمات انهيار أسعار النفط وعند مواجهة الجائحة الصحية.
وحتى قبل الجائحة، سعت معظم الحكومات الخليجية إلى مواجهة ضغوط دعم القطاع المصرفي بإدماج عدد منها في خطوة لتوحيد الموارد وتحسين الكفاءة.
وكان هذا الاتجاه بارزا في الإمارات التي شهدت أكبر اندماج في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا عام 2019 بين بنك أبوظبي التجاري، ثاني أكبر بنك في الإمارة من حيث الأصول، وبنك الاتحاد الوطني في دبي، ومصرف الهلال في أبوظبي.
وأسفرت الصفقة الرسمية حينها عن تحول الكيان المندمج إلى ثالث أكبر بنك في الإمارات، مع أصول تقدر بنحو 114.4 مليار دولار.
وفي العام ذاته، شهدت السعودية أول اندماج مصرفي منذ عقدين بين البنك السعودي البريطاني والبنك الأول لإنشاء ثالث أكبر مؤسسة مالية في البلاد، في حين شهدت قطر أول اندماج بين بنك بروة وبنك قطر الدولي.
وتظهر المؤشرات أن المصارف المدرجة في الخليج استطاعت تحقيق نمو قوي في نشاط الإقراض خلال الربع الثاني من 221 بوتيرة متسارعة مع تعافي اقتصادات المنطقة بشكل متفاوت جراء تخفيف قيود الإغلاق الاقتصادي.
البنوك الخليجية تمتلك احتياطيات قوية من الأصول السائلة تتراوح بين 25 و30 في المئة في المتوسط من أصولها المصرفية
وأشارت بيانات شركة كامكو إنفست للاستثمار إلى أن إجمالي القروض التي منحتها البنوك زاد بواقع 4.6 في المئة على أساس ربع سنوي ونحو 7.1 في المئة بمقارنة سنوية في الفترة الفاصلة بين أبريل ويونيو الماضيين ليبلغ قرابة 1.68 تريليون دولار.
وكان النشاط الاقتصادي الأسرع واضحا في أرقام مؤشر مديري المشتريات في السعودية والإمارات، والتي ظلت مرتفعة خلال مايو ويونيو الماضيين.
ونمت الودائع في جميع أسواق المنطقة خلال الربع الثاني بنحو 4.6 في المئة لتصل إلى تريليوني دولار، وهو رقم قياسي جديد للقطاع المصرفي في دول الخليج، مقارنة مع 1.9 تريليون دولار في نهاية الربع الأول من عام 2021.