ملك في أربيل وملك في بغداد

هذا هو مسعود. ملك في أربيل ويريد أن يكون ملكا في بغداد. فالحال في كردستان، وبالأخص في أربيل، يكاد يكون شكلا من أشكال الإقطاعيات التي شهدها العراق أيام الانتداب البريطاني والعهد الملكي.
الأحد 2021/12/05
شيخ القبيلة يغازل إيران

بكل الحسابات، وسواء أحببنا مقتدى الصدر أم لم نحبه، فإنه قد أصبح اليوم الحظ المتوفر الباقي للشعب العراقي لكي يخرج من مأزقه الذي وضعته فيه إيران، منذ ثماني عشرة سنة، بسلاح ميليشياتها، وبهيمنتها المباشرة على تفاصيل الحياة المدنية والعسكرية والسياسية والاقتصادية، حتى لم تعد الدولة قادرة على الدفاع عن نفسها، ناهيك عن شعبها.

فمطالب مقتدى، بطبعته الجديدة، حكومة أغلبية برلمانية دون محاصصة، وسحب سلاح الفصائل الخارجة عن القانون، وحصره بالدولة ومؤسساتها، وإحالة المتهمين بالاختلاس والتخريب إلى القضاء. وهذه أبسط وأصغر مطالب يتمنى المواطن العراقي أن تتحقق له ليأمن على نفسه وأسرته ورزقه وحريته وكرامته وسيادة دولته التي لم تعرف مثل هذا الوضع الشاذ في كل تاريخها الطويل.

وإزاء إصراره على السير في خططه كما هي، دون تبديل أو تغيير، عجزت إيران ووكلاؤها عن ثنيه عن مراده، لا بالتشكيك في نزاهة الانتخابات، ولا بالاعتراض على نتائجها ورفضها، ولا بالتهديد باستخدام السلاح.

وكان اللقاء الضبابي الذي عقد في قصر هادي العامري فرصة لتثبيت المواقف النهائية، ولغلق الباب على أي أمل في التراضي بينه وبين الفصائل المسلحة على التوافق والاقتسام.

وهنا، وفي هذا الجزء من الصراع بين مقتدى وخصومه يأتي الحزب (الديمقراطي) الكردستاني المملوك لمسعود البارزاني ليغازل إيران، ويتحول إلى عصا في عجلة مقتدى، لإحراجه، ولإجباره على واحد من اثنين، إما الرضوخ لصيغة (خلطة العطار) الإيرانية، وإما عرقلة ولادة حكومة الأغلبية الوطنية التي يريدها، دون أي اعتبار لاحتمال دخول الوطن وأهله في الفراغ السياسي والحكومي شهورا طويلة.

ولذلك فقد حرص مسعود البارزاني على عرقلة جهود مقتدى، ورفَض التحالف معه أو مع خصومه، إلا بعد توافقهما في كتلة شيعية موحدة، وهو العارف بأن هذا الأمل تحول إلى أمر أقرب إلى المستحيل.وطبعا ليس من مصلحة الحزب (الديمقراطي) الكردستاني أن تنتهي الخلافات والصراعات بين أطراف المحاصصة، لأنها توفر له الفرص الملائمة للاستغلال والابتزاز.

مسعود البارزاني، اليوم، هو شيخ القبيلة المتجبر المتكبر الذي يملك رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة، والوزراء، وقادة الأمن، والقضاة، والبرلمان، والمال الذي لا يدخل ولا يخرج إلا بأمره، وحده، لا شريك له

كما أن تشكيل حكومة مركزية تلتزم بالثوابت الوطنية، وبسلطة القانون، قد لا تسمح له بالاستمرار في التصرف المطلق بالمنافذ الحدودية والنفط والعلاقات الخارجية، كما هو حاصل منذ الغزو الأميركي 2003 وحتى اليوم.

ثم كانت المفاجأة. فبعد أن كان يمتدح الانتخابات ويقول إنها “جرت بطريقة جيدة” أصدر مسعود البارزاني بيانا يشكك فيه بنزاهة المفوضية المستقلة للانتخابات، وبالهيئة القضائية المشرفة، ورئاسة الجمهورية ورئاسة الوزراء، في تضامن غير مباشر مع الفصائل الولائية في رفضها لنتائج الانتخابات، بعد أن اقتربت من القبول بالأمر الواقع، وطيّ اعتراضاتها، ومحاولة التفاهم مع التيار الصدري على مشاركتها في حكومته، بأي شكل من الأشكال.

ولكن المفوضية العليا المستقلة للانتخابات سارعت إلى الرد عليه، وقالت إنها “حريصة على استقلاليتها، وما تتخذه من قرارات يكون بالتداول والنقاش من قِبل جميع أعضائها الممثلين لأطياف المجتمع العراقي كافة، ولا يملي أو يؤثر عليها أي شخص بصرف النظر عن منصبه أو موقعه في الدولة”. وأكدت أن “رئيس الجمهورية ورئيس مجلس القضاء الأعلى لم يتدخلا بعمل المفوضية مطلقا، وإنما كانا من الداعمين لاستقلالية المؤسسة، وممارسة عملها بمهنية، بعيدا عن أي ضغط من أي جهة”.
إذن هذا هو مسعود. ملك في أربيل ويريد أن يكون ملكا في بغداد. فالحال في كردستان، وبالأخص في أربيل، يكاد يكون شكلا من أشكال الإقطاعيات التي شهدها العراق أيام الانتداب البريطاني والعهد الملكي، بحيث تكون الأرض وما تحتها وما فوقها، ومعها الفلاحون العاملون فيها وآباؤهم وبناتهم، مِلكا صرفا للشيخ المحظوظ الذي وهبه المندوب السامي البريطاني حق التصرف المطلق بإقطاعيته كما يشاء. وكما كان للشيخ قضاؤه الخاص وسجونه، لكاك مسعود قضاؤه أيضا وسجونه.

ومسعود البارزاني، اليوم، هو شيخ القبيلة المتجبر المتكبر الذي يملك رئاسة الإقليم ورئاسة الحكومة، والوزراء، وقادة الأمن، والقضاة، والبرلمان، والمال الذي لا يدخل ولا يخرج إلا بأمره، وحده، لا شريك له.

ومنذ أيام المعارضة العراقية السابقة الإيرانية الأميركية السورية الأسدية كان صانع الملوك، ويريد اليوم أن يظل صانع الملوك لا في إقطاعيته فقط، بل في الدولة العراقية نفسها، وله وحده اختيار رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان.

لقاء أخير أغلقت على إثره جميع الأبواب
لقاء أخير أغلقت على إثره جميع الأبواب

ومنذ قيام نظام المحاصصة الذي ابتدعه هو وشركاؤه الولائيون، وباركه الحاكم المدني الأميركي بول بريمر، وهو يستثمر خلافات حلفائه وشركائه وانقساماتهم، ويحرص على إبقاء نيرانها مشتعلة ليظل هو القادر على التكسب منها وابتزاز أطرافها المتصارعة.

ألم يوقّع على وثيقة سرية في العام 2010 مع نوري المالكي ومنحه بموجبها الولاية الثانية مقابل مكاسب مرحلية عابرة لحزبه ولأسرته، ثم انقلب عليه، وصار من أعدائه المصرين على سحب الثقة منه، ثم منعَه من الفوز بولاية ثالثة؟

وفي عز انتفاضة تشرين 2019 التي طالبت بإقالة عادل عبدالمهدي الملطخة يداه بدماء شبابها، ألم يرفض الحزب الكردستاني إقالته، ودافع عنه، ودعَمه إلى آخر نفس؟
إن انتهازية مسعود البارزاني جعلت منه سكينا في خاصرة الشعب العراقي. وبصراحة، إن الضرر الذي ألحقته الأسرة البارزانية بالعراق وأهله، وما زالت تلحقه، لا يقل عن دور الإيرانيين وميليشياتهم التي عبثت بالوطن وجعلته خرابة.

وهذا ما يجعل الضروريّ والملحّ جدا أن نبحث عن حل جذري ونهائي لازدواجية الولاء المزمنة لدى أباطرة أربيل، وأن نضع نقاطنا ونقاطهم على الحروف.
فهذا الوضع لا يحتمل وينبغي أن ينتهي. فلا مملكة أربيل دولة مستقلة وتتعامل مع جارتها الدولة العراقية معاملة الجيران والأشقاء، ولا هي جزء من الدولة العراقية له ما لأي جزء آخر من الوطن من حقوق، وعليه ما عليه من واجبات.

ألم يصرح مسرور البارزاني، (ابن مسعود) لصحيفة واشنطن بوست في السادس من مايو /أيار 2016، وكان رئيسا للمخابرات والأمن، وقبل أن يصبح رئيسا للوزراء، قائلا “إن الأكراد اعتبارا من السادس من مايو/ أيار 2016 ليسوا مواطنين عراقيين”. مبينا أن “الحل الوحيد لما يجري هو الانفصال”، لافتا إلى أن “التعايش الإجباري في العراق بلا فائدة، لكونه بلدا قد فشل في كل شيء؟”.

ثم ألم يردفه أخيرا في البحرين بقوله “أنا كردي أولا. أجبرتُ على العيش في العراق؟”.

4